الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ماتيس يرغب بخلط الأوراق الأميركيّة في سوريا ... أيّ كلفة لذلك؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ماتيس يرغب بخلط الأوراق الأميركيّة في سوريا ... أيّ كلفة لذلك؟
ماتيس يرغب بخلط الأوراق الأميركيّة في سوريا ... أيّ كلفة لذلك؟
A+ A-

بعد يوم واحد، وصف وزير الدفاع الأميركيّ جايمس #ماتيس الانسحاب الباكر من سوريا بأنّه "خطأ استراتيجيّ"، لأنّه سيترك "فراغاً" قد يستفيد منه الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيّون: "في سوريا، إنّ مغادرة الميدان قبل أن ينجز الموفد الخاص ستيفان دي ميستورا نجاحاً في تعزيز مسار جنيف السياسيّ الذي وقّعنا عليه جميعنا تحت قرار مجلس الأمن في الأمم المتّحدة، سيكون خطأ استراتيجيّاً مقوّضاً (جهود) ديبلوماسيّينا ومقدّماً للإرهابيّين الفرصة لاستعادة قوّتهم". كما أوضح أنّه "مع اقتراب العمليّات من النهاية، يجب تفادي ترك فراغ في سوريا يمكن أن يستغلّه نظام الأسد أو داعموه".


لم يكن متحمّساً

على الرغم من أنّ كلام ماتيس جاء بعد يوم واحد على تصريح الرئيس الروسيّ، يبقى مستبعداً أن يكون ردّاً مباشراً عليه، طالما أنّ الرؤى السياسيّة لا تُصنع داخل دوائر القرار بناء على ردود الفعل، في معظم الحالات. لكن بالمقابل، يمكن لكلام ماتيس أن يحمل أكثر من دلالة في هذا الإطار.

حين أعلن الرئيس الأميركيّ دونالد #ترامب أواخر آذار نيّته سحب قوّاته من سوريا في أسرع وقت ممكن مع اقتراب الحرب على داعش من نهايتها، كان ماتيس في مقدّمة المسؤولين الذين أقنعوا الرئيس الأميركيّ بتغيير موقفه، بحسب ما أوضحه مسؤول لشبكة "أن بي سي نيوز". وقال المسؤول إنّ ترامب لم يكن متحمّساً لتأجيل الانسحاب. وحين طالبهم الرئيس بإعطائه جدولاً زمنيّاً لمغادرة قوّاته الأراضي السوريّة، متسائلاً عمّا إذا كان الأمر يتطلّب ستّة أشهر أو سنة، رفض مستشاروه إعطاءه مهلة زمنيّة. لم يكن ترامب متحمّساً للجواب الثاني أيضاً، بحسب المسؤول نفسه.


"منطقة خطر جديدة"

كلام ماتيس الأخير يطرح تحدّياً جدّيّاً عليه قبل أيّ مسؤول أميركيّ آخر. إذا كان الخوف من عودة داعش، برهاناً بالكاد أقنع ترامب بتمديد بقاء قوّاته في سوريا، فكيف بأسباب أخرى لا يعيرها الرئيس الأميركيّ أهمّيّة كاستفادة الأسد أو الروس من انسحاب جنوده. حتى بقاء القوّات الأميركيّة لمواجهة التمدّد الإيرانيّ لم يستسغه الرئيس الأميركيّ مطالباً حلفاء واشنطن الإقليميّين لاتّخاذ المبادرة في هذا الموضوع. على الأرجح، سيعاني ماتيس في إقناع الرئيس الأميركيّ بفكرته خصوصاً أنّ انتظار حلّ سياسيّ من دي ميستورا للأزمة السوريّة لن يكون أمراً عمليّاً بالنسبة إلى الأميركيّين. لكنّ إطلاق هذا الكلام في معرض اجتماع لدول حلف شمال الأطلسي قد يكون دعوة غير مباشرة للحلف برفع مساهمته في ضمان الأمن شمال شرق سوريا. لكن الأهمّ قد يكون ما تلمّسه ماتيس، إضافة إلى المؤسّسة العسكريّة حول المرحلة المقبلة في سوريا.

منذ حوالي شهر، طالب المدير السابق لوكالة الاستخبارات القوميّة الأميركيّة مايكل ديمبسي الإدارة الأميركيّة بتأجيل انسحاب الجيش الأميركي من سوريا حتى القضاء نهائيّاً على داعش وتعزيز فرص استهداف عناصر القاعدة ولعدم تعريض "قسد" لمخاطر هجوم تركيّ. وضمن مقال رأي في صحيفة "ذا هيل" الأميركيّة تحت عنوان "سوريا تدخل منطقة خطر جديدة"، رأى أنّ إبقاء قوّات واشنطن في سوريا يعطي الأميركيّين نفوذاً ديبلوماسيّاً في مواجهة #الأسد و #موسكو معاً. وهذا برأيه سيكون أمراً جوهريّاً في المفاوضات المستقبليّة لإنهاء النزاع الدائر في البلاد.


المشكلة في الربط

يبدو أنّ ماتيس اختار التعبير عن أفكاره وأفكار المؤسّسة التي يمثّلها بشكل واضح هذا الأسبوع. على الأرجح لن يكون ترامب معجباً بفكرة ماتيس لكنّه قد لا يعلن عن ذلك نظراً للاحترام الذي يكنّه له. وقد يعني ذلك بطريقة أو بأخرى أنّ هنالك جدلاً سياسيّاً جديداً داخل واشنطن، بحيث تصعب معرفة الرأي الغالب منذ الآن.

سبق لماتيس أن أقنع ترامب مؤخّراً بتغيير رأيه في مسألتين بارزتين على الأقلّ: الأولى ترتبط بتمديد بقاء الجنود الأميركيّين في سوريا، والثانية متعلّقة بتحجيم ضربته العقابيّة لدمشق بعد استخدامها السلاح الكيميائيّ في دوما. لا شكّ في أنّ تحرّك ماتيس سيكون أصعب هذه المرّة، خصوصاً أنّه سيتضمّن من بين أهدافه مواجهة نفوذ بوتين في سوريا، أمر ليس ضمن أولويّات ترامب ولا حتى ضمن رغباته حتى. في حين يبدو البيت الأبيض غير مهتمّ بإبقاء نفوذ لبلاده على شاطئ المتوسّط، يبدو ماتيس مصرّاً على ذلك. لكنّ ربطه للنفوذ الأميركيّ بجنيف غير عمليّ كما يرى البعض.


نتائج غير متوقّعة؟

بالإضافة إلى أنّ مسار جنيف بحدّ ذاته غامض وقد يستغرق وقتاً طويلاً كي يصل المجتمع الدوليّ إلى إطار للحلّ، يرى مراقبون أنّ فكرة جنيف قد تكشف نقطة ضعف كبيرة في الولايات المتّحدة.

في ندوة نظّمها معهد "بروكينغز" الأميركيّ في أواخر آذار، قال الباحث البارز في "مركز أمن واستخبارات القرن الواحد والعشرين" مايكل أوهالون: "أعتقد أنّ مسار جنيف يأتي بنتائج عكسيّة، هو ليس مجرّد طلقة طويلة المدى، بل له نتائج عكسيّة، لأنّه يوهمنا بالتفكير بأنّ لدينا استراتيجيّة سياسيّة حينما لا تكون لدينا (واحدة)".

إن صحّ كلام أوهالون، لا بالنسبة إلى مسألة غياب الاستراتيجيّة وحسب بل أيضاً بالنسبة إلى النتائج العكسيّة، فسيكون ماتيس قد غامر بطريقة تجعل خسارته المحتملة مزدوجة: عدم إرضاء ترامب وإبقاء الجنود الأميركيّين لفترة أطوال من دون أيّ مكسب سياسيّ في المقابل. إذا كان ماتيس مصمّماً فعلاً على هذا الخيار، فستنتظره مهمّة شاقّة أخرى خلال الأشهر المقبلة.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم