الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

سينما - "تسالونيك 54" افتتحه جيم جارموش: خيارات ديمتري الغرائبية!

A+ A-

انطلقت في مدينة تسالونيك اليونانية مساء الجمعة الفائت دورة جديدة من المهرجان السينمائي الذي يحمل الرقم 54 ويستمر الى ما بعد غد، موعد توزيع الجوائز. انه المهرجان الثاني تحتضنه سنوياً هذه المدينة الساحلية ذات الطابع التاريخي والحياة الصاخبة، بعد التظاهرة المهداة للفيلم الوثائقي التي تقام في الشهر الثالث من كل عام.


كانت البداية مع فيلم جيم جارموش الأخير، "وحدهم العشاق يُترَكون أحياء"، الذي عُرض في مسابقة مهرجان كانّ الأخير. حكاية ثنائي من مصاصي الدماء (توم هيدلستون وتيلدا سوينتون) تتيح لجارموش التسكع في نوعيات سينمائية عدة، معطِّلاً ثوابت كلٍّ منها، ومتيحاً لنفسه مواصلة تفكيره الثقافوي عن مكانه كسينمائي وكشخص وسط عالم متحول، وهذا ما كان فعله أيضاً في أفلامه الأخيرة، وأبرزها "حدود التحكم". طبعاً، ليس هذا أفضل ما قدمه مخرج "رجلٌ ميت"، لكن تُحسَب له نبرته الحرة واسلوبه المتفلت من كل قيد، في صناعة سينما لا تأبه لأيّ اتجاه ولا تُحسَب على أيّ تيار.
وصول جارموش أثار غبطة في صفوف المشاهدين ليلة الافتتاح في صالة "أوليمبيوم"، بددتها حادثة صغيرة: صعد مندوب حكومي ليلقي كلمة، فتحولت الكلمة الى خطاب مطول ودعائي يستعرض انجازات الحكومة (في هذه الأزمة التي تمر فيها البلاد)، بدأ الكل يتململ ويسخر، ثم صرخ احدهم في وجهه: "نحن أتينا لنرى جيم جارموش لا لنسمع تفاهاتك"، فدخل الرجل في شبه مناكفة مع الجمهور، قبل أن يغادر المنصة. ثم عندما حان دور جارموش، بدأ الجميع بالتصفيق والمناداة باسمه نكايةً بالسياسي، بائع الكلام والأوهام. التُقطت صور كثيرة في تلك الليلة، وركّزت العدسات على اللقاء الاستثنائي بين جارموش والأميركي الآخر ألكسندر باين، صاحب "نيبراسكا" (شارك في مسابقة كانّ)، الفيلم الذي سيختتم مساء السبت المقبل دورة يترأس باين لجنة تحكيمها.
على الرغم من الأزمة والامكانات الضئيلة، من اللافت ان المهرجان لا يزال يستقطب أسماء كبيرة من صميم السينما، الى أسماء جديدة مرشحة للانضمام الى قافلة الكبار، كما الحال مع المخرج اليوناني الكسندروس أفراناس الذي كان عرض فيلمه "ميس فيالنس" الحائز "الأسد الفضة" في موسترا البندقية الأخيرة، حدث المهرجان في أيامه الاولى. كثر كانوا هنا في انتظار كيف تكون الاصداء، ولا سيما ان هذا الفيلم القاسي جداً، الذي يتصدى لإحدى الركائز الأساسية في المجتمع اليوناني، العائلة، يُعرَض للمرة الاولى في عقر داره. في لقاء طويل مع المخرج ننشر تفاصيله لاحقاً، قال أفراناس لـ"النهار"، رداً على سؤال عن الاستقبال الذي لقيه الفيلم: "كان ايجابياً. صفق الجمهور طويلاً، لكن ليس بقدر البندقية. كنت اتوقع ذلك. لا يمكن أن تنجز فيلماً كهذا لتجعل الناس سعداء ويشكرونك لأنك ضاجعت معدتهم".
المدير الفني ديمتري أيبيديس (السينيفيلي الكبير الذي أعلن مرة انه يفضل الاتيان باستعراض للدببة على ساحة أرسطوطيلوس على أن يدفع المال لشراء النجوم)، لا يزال يميل الى خيارات غرائبية مثيرة وغير شعبوية كهذه الالتفاتة الى السينمائي الفرنسي ألان غيرودي (1964)، الذي مُنع فيلمه الأخير، "مجهول البحيرة"، في بيروت أخيراً. غيرودي صاحب الأفلام الأربعة المميزة (صوّرها جميعها في جنوب فرنسا) التي عبر بها سنوات الألفين بأقل قدر من التملق والاستعراض. انه واحد من "أقوى" المخرجين في فرنسا اليوم؛ صاحب نظرة خاصة على محيطه المملوء بالمثليين والمختلفين. هذه فتحة وجدانية على سينماه أكثر منها تحية لعمله. وهذه ليست التحية الوحيدة، هناك ايضاً واحدة أخرى محورها السينمائية كلير سيمون (1955)، التي لم تحضر المهرجان على الرغم من الاستعادة شبه الكاملة لأفلامها.
في المسابقة الرسمية التي ليست دائماً على قدر عال من الجودة (كونها يجب ان تتضمن أفلاماً لم تشارك كثيراً في مهرجانات أساسية؛ وهذا شيء من الصعب حصوله)، هناك فيلم أحببناه كثيراً ودافعنا عنه لدى عرضه الأول في مهرجان أبو ظبي: "الخروج للنهار" للمخرجة المصرية هالة لطفي. تنطوي المسابقة على 14 عنواناَ سينمائياً من بينها بعض الأفلام التي تميزت في المهرجانات، كـ"سوزان" لكاتيل كيليفريه الذي افتتح عروض "اسبوع النقاد" في أيار الماضي، على هامش مهرجان كانّ. في قسم "آفاق مفتوحة"، 63 فيلماً، كـ"الدفتر الكبير" للمجري يانوس ساس (نال الجائزة الكبرى في كارلوفي فاري الفائت)، وجديد المخرج المكسيكي فرناندو ايمكه، صاحب "بحيرة تاخو"، الذي يصوّر عطلة أم وابنها المراهق في منتجع سياحي، ببرودة اعصاب مشدودة وسخرية هدامة. من الأفلام التي لفتتنا في هذا القسم: "فتيان الشرق" لروبان كامبيو، الذي سبق أن عُرض في البندقية. من خلال حكاية دانيال (أوليفييه رابوردان)، الرجل المثليّ الذي يتعرف إلى عاهر أوكراني ويعيش معه مغامرة عاطفية، يطرح كامبيو، السيناريست السابق للوارن كانتيه، ثلاثة ملفات تثير حالياً الكثير من المهاترات في فرنسا: الدعارة، الهجرة، والمثلية.
يأتي المهرجان أيضاً بمسح شامل لمجمل الإنتاج طوال عام كامل للأفلام اليونانية، مختاراً 8 أعمال طويلة، الى جانب الخانة الشهيرة المتعلقة بأفلام من منطقة البلقان التي توسع مجال نظرها هذه السنة عبر اضافة خانة جديدة تستعيد أهم الأفلام البلقانية التي عُرضت في المهرجان بين 1994 و2013. بيد أن أكثر الأفلام اثارة للدهشة في الأيام الاولى، شريط المخرج الكاتالاني ألبرت سيرّا، "قصة موتي"، الذي نال جائزة "الليوبار الذهب" في مهرجان لوكارنو هذا الصيف. يخرج السينيفيلي النهم من الدقائق الـ148 لفيلم سيرّا العظيم، مزهواً. فهذا واحد من أكثر المخرجين الأحياء موهبةً وتفوقاً، على الرغم من عدم تجاوزه الأربعين، ولا شك في انه لم يقل بعد كل ما لديه. بعد أقل من ساعة على بداية الفيلم، خرج نحو نصف المشاهدين من الصالة، ومَن بقي فيها صامداً، بدأ يعبّر عن عدم رضاه بطريقة طفولية. الفيلم، وهو لقاء افتراضي فانتازي بين دراكولا وكازانوفا، تجري "احداثه" في جوّ معتم وضاغط، فيه الكثير من مشاعر القسوة والسقم والحالات المتطرفة، من تلك التي يعرف سيرّا كيف يركبها ويجعلها متداخلة مع عالمه.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم