الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

غسّان تويني ... "بيخوّف"

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
غسّان تويني ... "بيخوّف"
غسّان تويني ... "بيخوّف"
A+ A-

في 6 أيّار الماضي، على بعد أمتار من مركز الاقتراع، التقيت بأحد المعارف من الجيل الذي اختبر عصر لبنان الذهبيّ في السياسة. بعد تبادل التحيّات، سألني: "وين هالإيّام؟" وبالكاد أجبته "النهار" حتى قال لي: "يعني إنت بتخوّف". 

حين حاولت الاستفسار عن معنى حديثه، عاد بالذاكرة إلى أيّام الراحل صائب بك سلام. وأوضح أنّه في إحدى المرّات، أغدق سلام على الأستاذ غسّان تويني الكثير من الإشادة. وعندما سأله صحافيّون عن سرّ هذا المديح، أجاب من نستذكر غيابه اليوم، ودائماً بحسب الراوي:

"أكيد ... ما هوّي بيخاف منّي".

إذا لم تكن السلطة الرابعة قادرة على "تخويف" السلطات الدستوريّة الثلاث، ففي النظام الديموقراطيّ خطب جلل. وكان الغائب الحاضر ضنيناً طوال مسيرته بحسن انتظام الديموقراطيّة اللبنانيّة على الرغم ممّا يعتريها من شوائب. لم يكن محدّثي الشخص الوحيد الذي قدّر التأثير الكبير للأستاذ تويني وصحيفة "النهار" على الحياة السياسيّة بشكل عام.

يكاد اللبنانيّون يجمعون – وهذه من النوادر – على أنّ الأستاذ تويني كان قامة وطنيّة يصعب أن تتكرّر. في الصحافة والديبلوماسيّة والحوار والفلسفة، ترك الراحل الكبير بصمة فكريّة تشبه البصمة الوراثيّة، من حيث استحالة إيجاد نسخة عنها.

في الحوارات والنقاشات السياسيّة، غالباً ما يُستحضر الكبير من عليائه عند الحديث عن الحرب الأهليّة والتدخّلات الخارجيّة في الشؤون اللبنانيّة. ذلك أنّ كثيرين يستشهدون بقول ينسبونه للأستاذ تويني يصف فيه تلك الحرب بأنّها "حرب الآخرين على أرضنا".

هذا غير صحيح 

للأستاذ تويني كتاب صادر سنة 1985 باللغة الفرنسيّة، ذو عنوان واضح: “une guerre pour les autres” أي "حرب من أجل الآخرين". ليس من الضروريّ أن يكون المرء قارئاً لهذا الكتاب كي يعلم أنّ الراحل، بسعة بصيرته ورصانة نقده، لا يؤيّد التعبير المتداول الذي ينسبه البعض إليه. "حرب الآخرين على أرضنا" ترفع في جوهرها المسؤوليّة عن اللبنانيّين لأنّها توحي بأنّهم مجرّد متفرّجين لا حول لهم ولا قوّة على معركة يشنّها الآخرون فوق أرضهم. بينما "حرب من أجل الآخرين" هي عبارة صريحة، لا محاولة فيها للالتفاف حول واقع أنّ اللبنانيّين تقاتلوا لمصالح القوى الخارجيّة، إضافة إلى مصالحهم الخاصّة أيضاً. هنا، لا يُحمَّل الآخرون مسؤوليّة الحرب، أقلّه ليس بالدرجة الأولى. هي وقفة نقديّة صريحة أمام مرآة الحقيقة كما هي.

غسّان تويني لا يجامل، لذلك، غسّان تويني "بيخوّف".





حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم