الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

يأخذ معه الدرس الأخير

المصدر: من أرشيف "النهار": 9 - 6 - 2012
سمير عطالله
سمير عطالله
Bookmark
يأخذ معه الدرس الأخير
يأخذ معه الدرس الأخير
A+ A-
"في عقول الصغار السعيدة تقع المصابات بالترتيب المبسّط: يغيب أولا الجد والجدة، ثم الأب والأم. اذا كنت محظوظا، هكذا تتراتب الغيابات، بحيث يخفف من حزنك الشعور بأنهم عاشوا مدى أعمارهم". هكذا يكتب فيليب روث. في المأساة الكبرى، يحدث العكس تماماً: تغيب، أولا، نايلة الصغرى. وقبل ان تغيب، تقول لوالدها في مستشفى لندن: بابا، افعل شيئا، فأنا لا أريد ان أموت. تركت له درسا في مدى العجز البشري، وغابت. ثم غابت ناديا، وقد فقدت في الايام الاخيرة شعرها وشجاعتها ولم تعد تستطيع، من أجله، مقاومة البكاء. لم تكن تريد ان تفارقه. ثم غاب عز الغياب، مكرم، قبيل عودته الى هارفرد، حيث كان يفترض ان يكمل ما بدأه الأب. ثم حدث الغياب الذي طالما ارتعد من التفكير فيه: قتل جبران في بركة من الحبر والحرية. بعده، راح الشتاء يحيط بالعرين.غمرت الثلوج الابواب وغطت النوافذ، وشلت الطرقات. ورأينا انحناءته اللطيفة، التي كانت جزءا من حضوره الكثير، تنكسر به وتلوي خلايا الصلابة فيه. لم يفقد في جبران بكره وحلمه بل استمراريته. قبّل جبين نايلة وناديا ومكرم مودعاً، لكنه عاتب قتلة جبران محترقاً: كيف لا تتركون لنا جبيناً نقبله؟حرصت في الاشهر الاخيرة ان أقبل يده مسلما وأن أقبل جبينه مودعا. كنت أشعر انه في صمته وتعذبه في محاولة النطق يعطينا الدرس الاخير. أمضينا نصف قرن معه وهو المعلم. هو الاستاذ. هو الشاهق ونحن الظلال. كبرنا وانما فقط كظل في ظل قامته. وكانت ترعبنا فكرة الغياب. ستدخل القامة في الغروب ويتيه الظل في جمع نفسه. ستفقد الظلال أصلها.في "الدرس الاخير" يفزع ألفونس دوديه عندما يبلغ مع أبناء صفه ان الاستاذ هاميل سوف يتوقف عن التعليم بعد اليوم، فيسأل نفسه، كيف سوف يغيب الاستاذ هاميل وأنا لم أتعلم شيئا بعد؟ عندما دبّ الشتاء في عرين بيت مري وأخذ الثلج يتراكم، كنت أعترف له في صمت انه لم يخيل لنا ان الدروس سوف تقفل ذات يوم. أضعنا الكثير من الوقت في ما لم...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم