الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الانتحار وما وراءه...

المصدر: "النهار"
أحمد عياش- اختصاصي في الطب النفسي
الانتحار وما وراءه...
الانتحار وما وراءه...
A+ A-

التدمير الذاتي للأنا ليس بمهمة سهلة. فالأنا مبنية لهدف أوّلي لا نقاش فيه او حوله هو الخلود والبقاء والاستمرارية، ولولا هذه التركيبة والوظيفة أيضا لما شهدنا أي تطوّر ولا لمسنا اي رهان على المستقبل. 

الانتحار مرحلة اخيرة من مشروع موت تحمله فكرة خاضعة لعوامل نفسية ذاتية، تجد بدورها أسبابها في اعماق الذات، اي في طيّات التكوين النفسي او انعكاس متغيّرات خارجية لا تقوى الذات على تحملها او التفاعل معها.

في بحثنا الأوّل عن الانتحار في لبنان، والصادر سنة 2003 في كتاب عن "دار الفارابي" تحت عنوان: "الانتحار"، مسائل حيّة لنماذج لم تحسم بعد، تبيّن لنا ان معدل الانتحار وفق الارقام الرسمية التي وجدناها يساوي اثنين من كل مئة الف مواطن، بينما قراءتنا للارقام وفق مصادر اقسام الطوارىء في المستشفيات أظهرت ان معدل الانتحار في لبنان يفوق باربعة اضعاف الرقم الاول، اي نحو ثمانية من كل مئة الف مواطن لبناني، فلماذا هذا الفارق؟

وجدنا ان للانتحار أشكالا :

-الانتحار الناجح، وفيه تمتزج فكرة التدمير الذاتي بالسلوك التدميري (بالتنفيذ) الناجح للمهمة اي الموت الحتمي.

-الانتحار الفاشل، ورغم وجود فكرة التدمير الذاتي يأتي السلوك التدميري غير موفق، أي لا تتحقق فكرة الموت.

-الرديف الانتحاري، اي حالة مقنعة يعمل بها الانسان تارة معلنا نيته بالموت الارادي، الا انه غير قادر على تنفيذ السلوك التدميري وتارة دون وجود نيّة الموت. يسلك المرء سلوكا انتحاريا يؤدي به الى الموت، وللرديف الانتحاري شكلان: مستتر ومعلن.

في الرديف الانتحاري المستتر نجد مثلا السرعة في قيادة السيارت او تناول المخدرات او الامتناع عن تناول العلاج الخ إذ تغيب فكرة الموت ويحضر السلوك التدميري...

في الرديف الانتحاري المعلن نجد الموت الرحيم مثلا الذي تطبقه بعض الدول في العالم اذ فكرة الموت الارادي موجودة ولكن السلوك التدميري يأتي عبر آخر او آخرين...

وايضا يأتي السؤال لماذا هذا الاختلاف بين الارقام وفق مصادر رسمية ووفق ارقام البحث والجواب سهل: العامل الاجتماعي-العائلي-الديني-المهني -القانوني يلزم الكثيرين من اللبنانيين عدم النطق بحقيقة الانتحار. لذلك تصبح من رمت بنفسها من الشرفة: وقعت وهي تنظف الزجاج من الخارج، ومن أحرقت نفسها: هبّت النار بها وهي تطبخ الخ. لذلك لا تسجل المخافر و قوى الامن الحقائق بل  اقوال الشهود والمحيط الذي يتكتم لاعتقاده بعدم جدوى الحقيقة في دولة لبنانية لن تقدم ولن تؤخر في المسألة شيئا بل سيواجه الاهل موقفا دينيا رافضا للصلاة على الجثة بينما التعويضات وشركات التإمين لا تغطي الانتحار الخ...

من اسباب الانتحار الاكثر شيوعا في لبنان وجدنا :

من الأسباب المباشرة:

اضطراب العلاقات العاطفية، الاحداث العائلية الاجتماعية، العوامل الاقتصادية الضاغطة، الحالات المرضية، الاعتداءات الجنسية والابتزاز، الانتقام، الفشل الدراسي، الهرب من العدالة، حالات اللعب والصدفة.

من الأسباب الذاتية والمستترة:

الاكتآب، الوسواس القهري، الامراض الذهانية الحادة، فصام الشخصية، الهوية الجنسية والشذوذ، الازمات الوجودية.

بالتأكيد يطول الكلام ولكن يجب لفت القارىء والمهتم الى ان للانتحار ارتدادات ليست بالسهلة على المحيط العائلي والاجتماعي من حوله، اذ يتسبب بشعور الذنب لدى الاهل والاحبّة والاصدقاء. وهذا الشعور يعظم كلما كانت العلاقة مع المنتحر أكثر حميمية مما يؤسس لحالات عصابية وأحيانا لانتحار مماثل.

كذلك من المفيد ان نشير الى حالات رديفة للانتحار عبر تطوع البعض من الشبان للقتال في المؤسسات العسكرية الرسمية وغير الرسمية بحثاً عن مصير قتل على يد الآخر. فبدلاً من ان يرفض الصلاة على المنتحر يتحوّل الاخير بطلاً وطنيا او دينيا او قوميّا، مما يسهّل درب الرحيل. لذلك تخف نسبة الانتحار في البلاد التي تشهد حروباً لأن كثيرين من اصحاب النيات أو الميول الانتحارية يضعون انفسهم في الاماكن الخطرة وفي اللحظة الملتهبة لعلهم يُقتلون.

ختاما الذكور من اللبنانيين اكثر عرضة للانتحار الناجح من الاناث. فانتحار كل ثلاثة ذكور يقابله انتحار اثنتين، بينما نجد ان عدد ضحايا الانتحار الفاشل من الذكور متقاربة تقريبا مع عدد ضحايا الاناث، عكس الارقام العالمية التي تقول بتفوق عدد الاناث على الذكور في الانتحار الفاشل. وتجدر الاشارة ان في لبنان سجل انتحار اطفال في سن الحادية عشرة ومسنين في الثمانين.

                                                        


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم