الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ما تخبّي، إحكي

المصدر: "النهار"
ندى أيوب
ما تخبّي، إحكي
ما تخبّي، إحكي
A+ A-

لم تنسَ ريم ذاك اليوم الذي قررت فيه إنهاء حياتها. لم يكن يوماً عادياً. كيف تخبر والديها بأنها تريد الموت للتخلص من ألمها الذي لا ينتهي، وأن فكرة #الانتحار تستولي عليها. كثرٌ مثل ريم سيطرت عليهم "أفكار سوداء" ومنهم من حاول فعلاً. البعض نجح وآخرون لم يفلحوا، إلا أن قلةً امتلكت شجاعة البوح بالمشاكل وما يرافقها من مشاعر حزنٍ وألم قبل أن يتطور  الأمر ويضحي مرضاً نفسياً يمهّد لمشروع انتحار.  لأن المرض النفسي "ضعف شخصية" في بلادنا، والتحدث عنه "تابو". ولأجل هؤلاء جميعاً تحرك ناشطو وسائل التواصل الاجتماعي موجهين رسالة مزدوجة تحت وسمَي "embrace" و"SuicideAwareness".

"ظاهرة صامة" لكنها خطيرة يذهب ضحيتها 12 شخصاً شهرياً في لبنان، وللمفارقة تحاول النساء الإنتحار مرتين أكثر من الرجال. إلا أن الرجال يموتون بنسبة توازي ضعف نسبة النساء. ولمن يجهل، هناك خط ساخن لتقديم المساعدة. يكفي طلب الرقم: 1564.


كسر "التابو"

استأثرت أخبار الانتحار بحيّز مهم في وسائل الإعلام اللبنانية في الأيام الأخيرة. "شاب ينهي حياته ببارودة صيد في منطقة الشياح لأسباب عاطفية". "فتاة ترمي بنفسها من شرفة منزلها الزوجي في عين الرمانة". أما الحادثة الأشد وقعاً فكانت "انتحار" طالب داخل المجمّع السكني للجامعة اللبنانية في الحدت، والوسيلة جرعة كبيرة من الأدوية والعبارة الأخيرة "أنا آسف لكن وداعاً". الأمر استدعى من ناشطي مواقع التواصل إعادة تفعيل وسمَي "embrace# و SuicideAwareness# موجهين رسالتين، الأولى تحث المصابين بالأمراض النفسية على إخراج ما بداخلهم من مشاعر جاثمة على أنفاسهم وأجسادهم وعقولهم، تثقل كاهلهم، مبدين استعدادهم الكامل للاستماع إليهم وتفهمهم كخطوة أولى لكسر "حاجز صمت" كرّسه المجتمع الذي يعتبر الحديث عن الأمراض النفسية أمراً معيباً. ولهذا المجتمع تحديداً كانت الرسالة الثانية، فدعوه إلى تقبّل المرضى النفسيين والكف عن نعتهم بـ"المجانين" أو الاستهزاء بألمهم أو اتهامهم زوراً بأنهم يبحثون عن استعطافٍ في مكانٍ ما.





الوسم كانت قد أطلقته جمعية "embrace" قبل عامين بهدف التوعية على الأمراض النفسية، لكون 90 في المئة من حالات الانتحار هي نتيجة لمرض
نفسي شديد يمكن معالجته في حال لم يخجل منه المصاب ويعتبره "تابو" ويستعين بطبيب مختص، على حد قول ميا عطوي المعالجة النفسية وإحدى مؤسسي جمعية "embrace "، التي تشير في حديث لـ"النهار" إلى أن "واحداً من كل أربعة أشخاص في لبنان معرضون للإصابة بمرض نفسي، ويحتاجون إلى علاج في مرحلة من مراحل حياتهم". بالتزامن مع حملتها، خصصت الجمعية خطاً ساخناً (1564) لدعم الأشخاص الذين يمرون بأزمة نفسية أو تتملكهم أفكار الانتحار. أربعون متطوعاً جاهزون لتلقي الاتصالات ومدربون على كيفية مساعدة المريض، بدءاً من جعل الأمر طبيعياً بالنسبة اليه، وصولاً إلى استخلاص نقاط القوة لديه، إن كانت اجتماعية أو عائلية، وإرشاده إلى كيفية البناء عليها. تتعاون الجمعية مع شبكة اختصاصيين نفسيين موزعة في المناطق، ومتطوعوها يرشدون المتصلين إلى أقرب اختصاصي إلى مكانهم. 



كثيرون، برأي عطوي، "يخفون حالتهم النفسية و"أفكارهم السوداء"، إما لخجلهم من المجاهرة بها، وإما لجهلهم بما يجب عليهم فعله والى من يتوجهون. ولإرشادهم وجد الخط الساخن". هؤلاء ضحية مجتمع يربط #المرض النفسي بالإرادة الشخصية للفرد، كما أظهرت دراسة أجرتها جمعية "embrace" بأن 72 في المئة من اللبنانيين ينظرون إلى هذا المرض على أنه "ضعف في الشخصية". وترد عطوي الأمر الى "غياب التوعية على وجود الأمراض النفسية والإصابة بها شأنها شأن أي مرض جسدي". 

أربعة أمراض 

اكتئاب، اضطراب ثنائي القطب، فصام وإدمان. أربعة امراض قد ترسم لك طريق الموت، وما عليك سوى ايلائها الأهمية كأي مرض عضوي لاستدراك الأمر قبل فوات الأوان.
يتصدر الاكتئاب دوافع الانتحار، تؤكد عطوي، ومن عوارضه الأساسية "النظرة المتشائمة للمستقبل، تراجع في الدراسة في مرحلة المراهقة او في الانتاجية المهنية في مراحل عمرية أخرى، عوارض تؤثر على الحياة العائلية والعلاقات الشخصية وتحديداً الجنسية منها، حيث يفقد المصاب المتعة كفقدانها في ممارسة الهوايات أيضاً، انعزال اجتماعي، قلة تركيز وكثرة أخطاء. مزاج حزين يسيطر على معظم ساعات النهار وأيام الاسبوع ليرخي بظلاله على كافة جوانب الحياة، وعند امتداده لفترة أسبوعين أو أكثر على الشخص زيارة معالج نفسي".

في الدرجة الثانية يأتي اضطراب ثنائي القطب وهو مرض ينتقل معه المصاب من حالة فرح شديد إلى حزن شديد والعكس صحيح بشكل مفاجىء وسريع.

وبالانتقال الى مرض الفصام تقول عطوي "يشعر المصاب بهلوسات وتسيطر عليه أوهام كأن يسمع اصواتاً تدعوه الى أذية نفسه وتتهيأ له أشياء لا وجود لها". وبدوره الإدمان على الكحول والمخدرات يعد "مرضاً نفسياً يجعل الشخص عرضة للانتحار عبر جرعة زائدة إما عن طريق الخطأ أو العمد".

نربط الكآبة بشكل تلقائي وبديهي بأحوال البلد الاقتصادية والسياسية والظروف الاجتماعية للفرد، لكن المفاجئ كان تأكيد عطوي عدم صحة هذا الربط "هي عوامل مساعدة تعزز المرض ولا علاقة مباشرة لها بالتسبب به. بعضنا يولد ولديه استعداد للاصابة بالأمراض النفسية نتيجة عوامل وراثية وخربطة بيولوجية كالخربطة في كيماويات الدماغ في الفصام مثلاً. والبعض الآخر يصاب بالكآبة من دون أن يتعرض لضغوطات حياتية. ومرد ذلك إلى الاستعدادات البيولوجية لديه والعكس صحيح". تبرهن عطوي كلامها بالاستعانة بإحصاءات أظهرت أن أعلى نسب الانتحار سجلت في بلدان متقدمة لا تمر بأزمات متكررة، وتحظى شعوبها بأفضل الخدمات... السويد مثالاً".

هم لا يريدون إنهاء حياتهم. جُلّ ما في الأمر التخلص من ألم يرافقهم كظلهم أينما حلّوا. يبحثون عن حلول، يعيشون صراعاً داخلياً بين رغبة بالحياة تقابلها رغبة شديدة في الخروج من "ثقب أسود" من الأحزان يبتلعهم يوماً بعد آخر فيرتسم أمامهم الانتحار على هيئة "خلاص زائف". 

منتحر كل يومين ونصف 

في مسيرة الكون، أمر طبيعي أن يخطف الموت أحدهم. لكن أن يوقّع الإنسان شهادة وفاته بنفسه، فذلك هو المثير، واعتاد الناس منذ زمن سماع قصة رحيل شخص قرر أن يودع الحياة على طريقته، ليسجل بذلك حادثة انتحار جديدة. أما في لبنان فيسجل وفق إحصاءات الجمعية "انتحار شخص كل يومين ونصف اليوم" تقول عطوي، أي بمعدل 12 لبنانياً في الشهر الواحد. ولأن بعض العائلات تفضل التعتيم على انتحار أبنائها، لا تصرّح عن سبب الوفاة. ويرجّح أن تكون النسبة أعلى من ذلك. المنتحرون إذاً لم يزدد عددهم كما يخيّل إلينا، إلا أن تسليط الضوء إعلامياً واجتماعياً على هذه الظاهرة في الفترة الأخيرة، أوهَمَنا بذلك.

ما الفئات العمرية الأكثر عرضة؟ تجيب عطوي "بين عمر 15 و29 عاماً، لكون الأمراض النفسية تظهر في هذه المرحلة وتلعب ضغوطات المراهقة والانتقال من مرحلة حياتية إلى أخرى وما يرافقها من تأثيرات، دوراً مساعداً في الإقدام على فعل الانتحار. كما لاحظنا تسجيل حالات بين عمر الـ40 و50 عاماً عند الرجال تحديداً". اللافت أن "النساء يحاولن الانتحار مرتين أكثر من الرجال، من دون أن ينجحن بسبب استخدامهن وسائل أقل عنفاً من الرجال الذين يموتون بنسبة توازي ضعف نسبة النساء، مستعينين بأدوات عنيفة وقاتلة كالسلاح".

وأنت... هل فكرت يوماً في وضع حدّ لحياتك؟ قد تكون فعلت، وربما لا. البعض نجحت محاولاته، ورحل إلى عالم آخر، بينما فشل البعض الآخر في ركوب قطار الموت. وأنت ماذا تريد؟ الخيار بين يديك. فالعب أوراقك كلها... وبعد كل ليلٍ، ثمة فجر جديد!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم