الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

فجأة وافق الاسد وهرولنا جميعا الى مدريد

المصدر: "النهار"
Bookmark
فجأة وافق الاسد وهرولنا جميعا الى مدريد
فجأة وافق الاسد وهرولنا جميعا الى مدريد
A+ A-
في ما يأتي الحلقة 34 من مذكرات وزير الخارجية الاميركي الاسبق جيمس بايكر التي تنشرها "النهار" و"الشرق الاوسط"، يروي فيها محضري لقاءين مع الرئيس السوري حافظ الاسد الذي أعطى موافقته اخيراً بعدما كادت الامور تصل الى حافة الخلاف النهائي والرفض، خصوصاً في ما يتعلق بعمل اللجان المتعددة. أما على صعيد الفلسطينيين فتوصلت المحادثات المتعددة الجانب وعبر اكثر من جهة الى اقناعهم بتقديم عشرة اسماء "مقبولة" للمشاركة في مؤتمر السلام الذي تقرر بعد بحث وعرض لاعتبارات متعددة ان تكون مدريد مقره. ومع ان كل خطوة كانت تسبقها عرقلة فقد تقدمت الجرافة وفتحت الطريق. وهذا الجزء الثالث والاخير من الفصل 27: في الخامس عشر من تشرين الاول الساعة 45ر12 ظهراً، زرت الرئيس حافظ الاسد ثانية على أمل حل ما تبقى بيننا من خلافات. بدأ اللقاء على نحو ودي بأطروحة من الاسد حول حالات الحساسية التي يشعر بها. وتبع ذلك تجاذب في اطراف الحديث حول عملية تثبيت مسؤولي الحكومة الكبار في الولايات المتحدة. وقد لاحظت أن مصدر الصعوبة في هذه المسائل يقترن عادة بالاهمية التي ينطوي عليها المنصب. قلت: "كلما تسلق القرد الى مكان اشد ارتفاعاً، أمكن رؤية مؤخرته اكثر"، ابتسم الاسد وقال: "هذا صحيح". ولكن سرعان ما حل الملل عندما طرح الأسد اربعة عشر تغييراً يريد ادخالها على رسالة الضمانات. وكان أهم هذه التغييرات يتعلق باجتماعات اللجان المتعددة. فعرضت عليه لغة جديدة بغية تلطيف الاختلافات بيننا. ودعت الصياغة الجديدة المشاركين لعقد لقاءات من اجل تنظيم عمل اللجان المتعددة خلال اسبوعين وليس البدء بعقد الاجتماعات المتعلقة بها مباشرة. وعندما استكملنا مناقشتنا في تلك الامسية بعد استراحة خمس ساعات، رفض الأسد الفكرة. لقد كان يريد صياغة تقول ان اللجان المتعددة لن تبدأ قبل ان "تنهي اللجان الثنائية عملها بنجاح". وكنت أعلم ان هذا البند بالذات سيكون سبباً في ارجاء العملية الى اجل غير مسمى. حاولت التوصل الى حل وسط آخر: يمكننا ان نشير ايضا الى ان السوريين غير مرغمين على المشاركة، وذلك بتغيير الصياغة من عبارة "الافرقاء" الى عبارة "الافرقاء الذين سيشاركون في المفاوضات المتعددة الطرف". قال الأسد: "لا أريد الدخول في حقل الغام كهذا لا يمكن ان تعمل فيه كاسحات الألغام، اننا في سوريا لا نستطيع الموافقة على شيء من هذا النوع ما لم تكن لدينا نتيجة ملموسة نقدمها لشعبنا. اننا لا نستطيع التحرك حتى خطوة واحدة في هذا الاتجاه". قلت: "لست اطالبك بأن تفعل شيئاً". قال: "لا أستطيع حتى ان أتحرك بالكلمات. لا أستطيع حتى ان اقول أنني موافق. ان فعلت ذلك أكون مسؤولاً امام شعبي". أحسست أن الوضع كان يتدهور، وقد عزز الأسد شكوكي عندما أنهى الحوار. قال: "لقد عدنا الآن الى حيث بدأنا. لا نستطيع التحرك وفق هذه الشروط. وعلى أية حال فنحن نجعلك تشعر بالنعاس". آنذاك لم اكن صاحياً كل الصحو بل مفعماً بالغضب. واخيراً قلت: "لقد تعلمت شيئاً عن العقلية العربية من خلال تعاملي مع عملية السلام. فأنتم العرب، خلافاً للغربيين، لا يمكنكم السير على طريق ما لم تعرفوا الى أين سينتهي. ولكن اذا لم نبدأ بالسير على ذلك الطريق فلن نتمكن من الوصول الى نهايته، او في ما يتعلق بهذه المسألة، الى أي مكان". عدت الى الفندق واستبدلت ملابسي ثم جمعت طاقم الموظفين في الساعة الواحدة والنصف حول مائدة الطعام في داخل جناحي بالشيراتون. قلت شاكياً: "المسألة مع الرجل اشبه بخلع الاضراس. لا شيء سهلاً. يحسب المرء ان الاتفاق قد تم ولكن هناك دائماً شيء آخر يحتاج الى المعالجة". ساورنا الشك في ان يكون السوريون قد وضعوا اجهزة للتنصت، فخفضت صوتي: "سأوضح ذلك...". حركت يدي وكأنني أقوم بممارسة تكنيك صيد السمك: "علينا اصطياد الأسد للعملية اذا كنا نريد النجاح. وهذا ما سنفعله". وأضفت انني اذا لزم الامر فسأستسلم في ما يتعلق باجتماعات اللجان المتعددة. قد تحرن اسرائيل. ولكني شعرت بأن شامير لا يمكن ان يخرج من العملية بسبب اللجان المتعددة اذا وافقت سوريا على الاجتماع باسرائيل وجهاً لوجه. في برقيتي للرئيس لاحظت ان الاسد اخفق في فهم ان اجتماعات اللجان المتعددة قد تشجع على قيام اسرائيل بتقديم تنازلات ملموسة، فالاجتماعات ستبرهن ان العرب مستعدون للتعامل مع الاسرائيليين كشركاء اقليميين. كتبت: "ان الاسد غير معني بهذه الحقائق. انه يريد ببساطة الاستمرار في عزل اسرائيل والتأكد من عدم وجود فوائد اقليمية تجنيها حتى ينسحب الاسرائيليون من الجولان. ولعل ضعفه لا قوته، هو الذي يدفعه الى مقاومة فكرة اللجان المتعددة، وخصوصاً لأنه يخشى ان يتصل العرب الآخرون باسرائيل ويشرعوا في عقد الاتفاقات معها، وبذلك يقللون من حاجة اسرائيل ودوافعها لاستجابته. لقد انهيت كما يمكن ان تلاحظ، يوماً آخر، ممتطياً القلابة الدائرة ROLLER COASTER في مدينة ملاهي الشرق الاوسط، ولست اعتزم ركوبها لوقت اطول مما فعلت". اختتمت برقيتي بفكرة شخصية خطرت لي في ما بعد. كان الرئيس يمزح معي لاعوام حول خصائص السياسة الضرورية ولكن المرهقة بين آن وآخر. وكان يعتمد في ذلك على مثال مؤتمرات الجمهوريين الشبان. وقد اردت ان اطلع صديقي على هول الساعات الثماني التي قضيتها في المصارعة بالأيدي مع الأسد. فكتبت هذه الملاحظة: "كانت هذه الساعات مسلية كمؤتمر الجمهوريين الشبان". وكانت هذه الملاحظة الديبلوماسية التي كنت أعلم انها لا تحتاج الى ترجمة الخبراء. في صباح اليوم التالي بذل طاقمي جهداً كبيراً من اجل انهاء صياغة مسودة اخرى لرسالة الضمانات ورسالة الدعوة، على نحو كنا نأمل ان يرضي الاسد، في ما يتعلق باللجان المتعددة. وقد فشلت محاولاتهم اثنائي عن عزمي على التضحية باللجان المتعددة. قلت قبل وقت قصير من لقائي بالاسد ثانية: "علينا ان نكون مستعدين للانحناء". وبعد قدر لا بأس به من الاخذ والرد حول أمور تتعلق بالصياغة، اعتبرت انها غير جوهرية، بدأ الأسد يشعرني بالانهاك. قلت وأنا احس بنفاد الصبر: "سأعطيكم شيئاً في الرسالة الفلسطينية، حول هذه المسألة بالذات". وفجأة، على غير توقع، ثار شيء في داخلي نتيجة لدفع الأسد الامور الى حافة الهاوية، ولشعور شديد بالتعب تسبب في احساسي بلحظات من الدوار...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم