السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

هل يتحقّق قريباً مشروع ماكرون بإنشاء مبادرة التدخّل الأوروبّية؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
هل يتحقّق قريباً مشروع ماكرون بإنشاء مبادرة التدخّل الأوروبّية؟
هل يتحقّق قريباً مشروع ماكرون بإنشاء مبادرة التدخّل الأوروبّية؟
A+ A-

يبدو أنّ الفكرة تلاقي قبولاً من دول أوروبّيّة بارزة مثل بريطانيا التي أعلنت عبر مساعد وزير دفاعها فريديريك كورزون أنّ "لندن متحمّسة لدعم" خطّة الرئيس الفرنسيّ، "من أجل نظام أمنيّ ودفاعيّ مشترك وأكثر كفاءة عبر أوروبّا". وفي حديث إلى "وكالة الصحافة الفرنسيّة" أوائل الشهر الحاليّ، أشار كورزون إلى أنّ مبادرة التدخّل "ستساعد بالطبع في تحقيق ما نتطلّع إليه وهو شراكة عميقة ومتميّزة مع زملائنا الأوروبّيّين في الدفاع والأمن". من بين مميّزات هذه الفكرة التي يسعى الفرنسيّون إليها هو القدرة على إقامة تعاون عسكريّ مع البريطانيّين الذين سيغادرون الاتّحاد الأوروبّي قريباً. بذلك، يكون لهذه المبادرة القدرة على توسيع الإطار العسكريّ ليشمل الدول غير الأعضاء في الاتّحاد.


"الاستقلاليّة الاستراتيجيّة"

مبادرة التدخّل لن تكون الأولى من نوعها على مستوى التنسيق الأوروبّي العسكريّ المشترك. في أواخر السنة الماضية، وقّعت خمس وعشرون دولة أوروبّيّة على معاهدة دفاعيّة مشتركة تُعرف ب "التعاون المنظّم الدائم" أو اختصاراً "بيسكو" تهدف بشكل أساسيّ إلى تخفيف اعتماد أوروبّا على حلف شمال الأطلسي "ناتو" للدفاع عن أمنها. يقول الدكتور سفين بيسكوب، مدير برنامج أوروبا في العالم ضمن معهد "إيغمونت" الملكي للعلاقات الدوليّة إنّ "إدراج هدف ‘الاستقلاليّة الاستراتيجيّة‘ ضمن الاستراتيجيّة العالميّة للاتّحاد الأوروبّي خطوة معنيّة بالمستقبل إلى حدّ كبير". وأشار في مجلّة "الناتو" إلى أنّ الرئيس الأميركي دونالد #ترامب "عازم على تعزيز" اتّجاه الاستراتيجيّة الأميركيّة إلى الهادئ، متحدّثاً أيضاً عن ازدياد انعدام الثقة بين بعض الدول الأوروبّيّة وتركيا الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي.


إحباط

لكنّ "بيسكو" لم ترضِ طموحات ماكرون. يُحتمل أن يكون من بين الأسباب اقتصار الأهداف ضمن هذا التعاون على المجال الدفاعيّ، كما يقول البعض. إلى جانب كلام المسؤول البريطانيّ لوكالة الصحافة الفرنسيّة، برز تقرير لبول تايلور في مجلّة "بوليتيكو" بنسختها الأوروبية ينقل عن مصادر قولها إنّ وزراء الدفاع في فرنسا والمملكة المتّحدة وألمانيا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا والبرتغال والدنمارك وأستونيا سيوقّعون الشهر المقبل رسالة يتعهّدون فيها بتطوير ثقافة استراتيجيّة مشتركة وتبادل التحليلات حول بؤر الأزمات التي قد تستدعي التدخّل.

يشرح تايلور أنّ ماكرون أصيب بالإحباط من الطموحات الصغيرة للتعاون الذي أنشئ بإصرار من ألمانيا وطالب بإدخال دول أخرى من خارج الاتّحاد الأوروبّي والناتو. تريد فرنسا أيضاً إشراك دول أخرى في تحمّل أعباء العمليّات العسكريّة داخل أفريقيا. وعبر إدخال أستونيا في المبادرة، ضمن الفرنسيّون أن يكون لديهم دولة من الاتّحاد الأوروبّي واقعة على الحدود الشرقيّة للقارّة مع #روسيا. لكن في الوقت نفسه، يرى التقرير أنّ ألمانيا "غير مرتاحة" للمبادرة لأنّها قد تشكّل منافساً ل "بيسكو" ولأنّها تطلق مباشرة أسئلة عن التفويض القانوني والموافقة البرلمانيّة.

بالفعل، هنالك العديد من التساؤلات التي تثيرها المبادرة، كما يحصل بشكل عام مع أيّ مبادرة إقليميّة جديدة. فحتى "بيسكو" قوبلت ببرودة من قبل "الناتو" حين أنشئت أواسط كانون الأوّل الماضي. سفين بيسكوب نفسه، كان قد كتب في موقع "إيغمونت" في شباط الماضي أنّ الولايات المتّحدة والناتو يشعران بالقلق تجاه خطط الدفاع الأوروبّيّة وهذه "أخبار جيّدة" لأنّ الأمر يعني أنّ "بيسكو" تتمتّع بالقوّة لتحقّق إنجازاً معيّناً وإلّا لما كان هنالك من داعٍ للقلق بحسب تعبيره.


غياب الوضوح الفرنسيّ

لكنّ الأمر لا يرتبط بالاختلاف العابر للأطلسي فقط، لأنّ الأخير يطال وجهات النظر داخل أوروبّا. يرى نك ويتني من "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجيّة" أنّ غياب اليقين والتردّد يسيطران على الأجواء بالنسبة إلى أهداف هذه المبادرة إضافة أيضاً إلى الدول المشاركة فيها. فمن بين الأسئلة التشكيكيّة التي تُطرح: "ألن تقوّض (المبادرة) الناتو؟ أليست هذه مجرّد مؤامرة فرنسيّة لتقديم أجندتها الوطنيّة الخاصّة بها (إلى الواجهة)؟ وفي جميع الأحوال، ألا يجب على مبادرة كهذه أن تُتّخذ تحت مظلّة بيسكو؟"

 يضيف ويتني ثغرة أخرى في المقترح تتمثّل في غياب الوضوح لدى الطرح الفرنسيّ للمبادرة، على الأقلّ خلال الخطاب الذي ألقاه ماكرون. فهو تحدّث عن أنّ "أوروبّا بحاجة لإنشاء قوّة تدخّل مشتركة، موزانة دفاعيّة مشتركة وعقيدة مشتركة للتحرّك". لكنّ توصيفه للمبادرة جاء حاملاً طموحاً أقلّ يتمحور حول "تطوير ثقافة استراتيجيّة مشتركة".


مشروعه قد يبصر النور ... ولكن

يمكن أن يكون ماكرون من خلال غموضه يهيّئ الأوروبّيّين تدريجيّاً للقبول بفكرة التدخّل العسكريّ الخارجيّ في بعض الأحوال، خصوصاً أنّ هذه الفكرة لا تزال تلقى معارضة شعبيّة وقياديّة في أوروبّا بعد الأحداث التي أعقبت التدخّل العسكريّ في أفغانستان. لكن في جميع الأحوال، يبقى أنّ بين خلفيّات تأسيس "بيسكو" و"مبادرة التدخّل الأوروبّي" تشكيكاً متبادلاً إلى حدّ ما بين قوّتين أوروبّيّتين بارزتين. قد يكون مرجّحاً إنشاء تحالف الدول العشر في إطار مبادرة التدخّل الأوروبيّة أوائل الشهر المقبل، فيتحقق مشروع الرئيس الفرنسيّ بطريقة من الطرق، لكن بحسب الأستاذة المشاركة للعلاقات الدوليّة والدراسات الأوروبّيّة في جامعة "جون هوبكينز" أليس بانييه، فإنّ تلك المبادرة قد تطرح أسئلة أكثر ممّا قد تجد أجوبة...




الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم