الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"الرأس المطلوب" يتحدث لـ"النهار" من قصره عن المخدرات والهروب و"جبل الحقيقي"

المصدر: "النهار"
فرح الحاج دياب
"الرأس المطلوب" يتحدث لـ"النهار" من قصره عن المخدرات والهروب و"جبل الحقيقي"
"الرأس المطلوب" يتحدث لـ"النهار" من قصره عن المخدرات والهروب و"جبل الحقيقي"
A+ A-

قصرٌ كالحصنِ الحصين، يُطلّ بقرميده الأحمر من بين المنازل المتواضعة في إحدى القرى البقاعيّة. يحتضنهُ سورٌ شاهق ببوّابة خشبيّة عملاقة، تركنُ أمامه سيّارات سوداء فارهة بلا لوحات. خارج القصر رجلان اثنان يعملان في الحديقة، أيديهما خالية من أي سلاح، وصدراهما خاليان من أي جعبة عسكريّة.

الرأس المطلوب
يبدو كلّ ما في القصر عالقاً في ساعة زمنيّة معطّلة. لوحةٌ سرياليّة عملاقة تستند بكسل إلى الحائط. مذياع أثري بفوّهة كبيرة، سيفٌ كُتب على غمده "ربي انصرني على القوم المفسدين" مرصعٌ بأحجار الجاد والياقوت والفيروز. باشقٌ ضخم محنّط في زاوية الغرفة، تحملق عيناه المتحجّرتان بكل ما حوله.  الأثاث الفخم يلقي الرهبة على المكان الهادىء بحذر. حتّى الآن، هذا القصر يشبه قصر"جبل شيخ الجبل" لا سيما بالدرج الحلزوني.
 يبدو الجميع متصالحين مع أسمائهم الغريبة، أحدهم ينادونه "البرغي"، وآخر "الشّاكوش"... وبين المطرقة والسندان دُقت شريعة العشائر. يحضُر "المعلّم"، فيصمت الجميع احترامًا فهو رأس العشيرة، ورأسه مطلوب بعشرات مذكرات التوقيف.


"هيدي ما حدا سبقك عليها يا جبل"
يُبدي إعجابه بمسلسل "الهيبة"، في موسمه الأوّل معتبرًا أنّه أنصف جانبهم الإنساني وعملهم على مساعدة النّاس والمحتاجين، ثم يستدرك ساخرًا "بس أكبر نكتة سمعتها بحياتي انو تاجر مخدّرات مطلوب بينزل من الضّيعة عبيروت ليتعشا مع نادين نجيم وما حدا بقللو وينك". ويضيف "هيدي ما حدا سبقك عليها يا جبل". إلّا أنّه يظهر الكثير من الإستياء إزاء الموسم الثاني "العودة" "أحداث المسلسل معيبة جداً، وتهين نصف مليون مواطن من أهل البقاع، ليست من عادات وتقاليد عشيرتنا أن ترتكب المجازر وتسفك الدماء بهذا الشكل الوحشي"، ويختم "عملونا دواعش ونحن مش عرفانين".
"المعلّم" الذي بالكاد يجتاز مفترق قريته يؤكّد أنّه من المستحيل أن يتمكّن أي مطلوب من الخروج من منطقته، مهما بلغ حجم التعاون والرشاوى بينه وبين أفراد الدّولة، ويُكمل "لولا التعاون بين التاجر ع.ع.م. وبين ملازم أوّل في قوى الأمن، كان يقلّه بسيارة الدّولة إلى بيروت  للحؤول دون توقيفه على الحواجز مقابل مبالغ تتراوح بين 2000 و 4000 دولار، لما كان يحلم بأن يتحرّك "فشخة"، مشيراً إلى أنّه في نهاية المطاف ألقي القبض عليهما وسُجنا معاً.

حياة التجار
الحياة التي يعيشها التجّار تختلف عن تلك التي يصوّرها مسلسل "الهيبة"، الذي يغري الشّاب ليصير جبلًا، أو صخرةً، أو بحصة، ويغري الفتيات ليقعن بغرام تاجر ممنوعات ويهربن من منازل ذويهم خلسة لأجله. وليس المطلوب بطبيعة الحال ان يتحوّل مسلسل الى نسخة طبق الأصل عن الواقع. حينها سيحضر سؤال الابداع والخيال بشكل ملح.
في الجزء الأوّل، صوّر المسلسل المطلوبين على ان في امكانهم زيارة جامعة الفتاة التي يحبّون مثل صخر، والجّلوس في الكافيتريا. وفي الجزء الثاني، بدا ان في امكانهم إقامة عرس يجمع عشرات المطلوبين ليرقصوا ويزغردوا بكل وقاحة، ثم يرتكبوا مجزرة في وسط ساحة القرية، بينما عناصر قوى الأمن ستأتي في اليوم التالي لتأدية واجب العزاء وتناول بعض معمول الرحمة ثم يرحلون.

"لم استطع أن أحضر عرس ابنتي"
 الحياة الوردية في خيال كاتب المسلسل هي حقيقة مرّة في الواقع، إذ أنّ هؤلاء يعيشون البؤس رغم ثرائهم الفاحش، يقول "المعلّم": "لم استطع أن أحضر عرس ابنتي، كنتُ في الجرد أسمع صوت الموسيقى التي يحملها الليل نحوي، في ذلك اليوم شعرت أنني ضعيف، ضعيف جدًا، شعرت بالحسرة والعجز لأنني لم أكن قادرًا على أن أتواجد إلى جانب ابنتي في يوم زفافها".

"أنا لا أبكي"
"متى بكيت"؟  يتلقّف السّؤال بعنفوان ويجيب مكابرًا: "أنا لا أبكي". ولكن، لا شكّ أن المطلوبين وتجّار المخدّرات يبكون أيضاً، فهم عالقون بين ماضيهم وواقعهم ومستقبلهم المجهول القابع على كفّ عفريت، غير قادرين على الخروج من مستنقع الممنوعات الموحل الذي غرقوا فيه.
يلقي"المعلّم" اللوم على الدولة المقصّرة بحقهم وحق أهالي البقاع، "لا مجال للتراجع، ولا خيار آخر، إمّا التّجارة أو الموت"، أمّا خيار السِّجن، فمحذوف من قاموسه كلّيًا "أنا لا أقتلُ ظلمًا، فليسجن القتلة وليس أنا". ويضيف "في برقبتي كتير عالم محتاجين، وأنا ما بترك أهلي يموتوا من الجّوع".

"سلاحنا لدعم المقاومة"
"من انتخبتم"؟ يجيب بأنّ كل من كان قادراً على الإقتراع انتخب المقاومة "سلاحنا هو لدعم المقاومة ولدينا أمل كبير بأنّ مذكرات العفو ستصدر بحق أبنائنا عاجلاً أم آجلاً، حينها لن يفكّر أحدهم بالتورط في أي عمل يدينه القانون".
كلّما مرّت عشر دقائق تطلب زوجته من العاملتين الأثيوبيتين إحضار صنف جديد من الضيافة. تعلّق بحزنٍ: "ليت حياتنا كما في الهيبة، نحن لا ننام مطمئنين، ننام عيناً مغمضة والأخرى مفتوحة حتى أقصاها"، وتضيف "لا أكلنا متل العالم ولا شربنا متل العالم".
تسخر السّيدة الأربعينيّة من كون "أم جبل" تشجّع أبناءها على الخوض في تجارة السلاح والمخدرات، تؤكّد السّيدة أنّها تشجع إبنها الشّاب على إكمال دراسته "نحن حاطينو بأحلى جامعة، ما بدنا اياه يوسّخ ايديه ويقضي حياتو متخبي، ما في أم بالدني بتحب ابنها يكون تاجر خارج عن القانون".

تفتيش شكلي؟
من الأخبار الشائعة هناك، أنّه قبل أي عمليّة مداهمة يتّصل أحد عناصر قوى الأمن بالمعلّم، لينذره بأنّ عمليّة الدهم قريبة، فيختفي جميع المطلوبين بلمح البصر، لتصل القوى الأمنيّة وتفتّش شكليًا ثم ترحل. هذه الرّواية التي يتداولها البسطاء من أهالي القرية، يؤكّدها صاحب أحد المحال، مضيفاً "المنطقة تعيش وضعاً مستقراً، عمليات الأخذ بالثأر بدأت تختفي شيئاً فشيئاً، وفي حال قرر أحدهم الأخذ بالثأر اليوم، فلا يزج أبناء العائلة جميعاً في المصيبة، إنّما يستهدف القاتل فقط".
"الله يعمي عنو"، هكذا تدعو له سيّدة ثمانينيّة مقعدة، فهو سند عشيرته وحاميها من الفقر والجّوع، وكافل عدد من أيتام المنطقة الذين يزورهم بين الحين والآخر، إنّه رجلٌ محبوب بين أهله، رغم أنّه غير قادر على مقابلتهم جميعًا كما يفعل "جبل" خوفًا من "فسديّة" قد ترسم نهاية مسيرته التجارية.

"الشاكوش"
يؤكّد "المعلّم" أنّه يدعم الجّيش اللبناني ويحبّه، قائلًا "يتركونا بحالنا ويروحوا يكمشوا الإرهابيين". يقاطعه "الشّاكوش": "نحن نبيع المخدرات خارج لبنان فقط، هم يصدّرون لنا الدواعش، ونحن نصدّر لهم المخدّرات". وردا على سؤال عن كيفية ايصال الحشيشة إلى الخارج، يقول ساخراً "هناك الكثير من السماسرة وكلهم يرتشون، ومعظم الحالات التي يُلقى فيها القبض على أحدنا، يكون هناك من غضب عليه وقرر حرق ورقته".

داخل القصر
نساء المطلوبين لسن بحاجة لمفاوضة أزواجهن لتُسجّل المنازل بأسمائهن، فهذا القصر كلّه بإسم زوجة "المعلّم" المضيافة، تحسّبًا لأي مصيبة قد تقع فجأة فوق رؤوسهم، فإذا ألقي القبض على "المعلّم"، لا تستطيع "الدّولة" وضع يدها على أيّ من أملاكه لأنّها ليست بإسمه.
أموال، قصور، سيّارات، سلاح، رجال، قوّة... وحين تسأله "بماذا تحلم"؟ يلتقط نظراته الشّاردة بحزنٍ ويجيب: "أحلم بأن أقضي يوماً على شاطىء البحر مع عائلتي تحت أشعة الشّمس".
لا شكّ أنّه حلمٌ مستحيل... بل أكثر من مستحيل، لأنّ تجّار الظلام ومهما كانت ذرائعهم بالحرمان واهمال الدولة كثيرة ليبرروا عملهم، فإنهم لن يبصروا الشّمس يومًا، ولن يكون لديهم هيبة ولا هم يحزنون.

احتجاج وتحرك
كاتب مسلسل "الهيبة" هوزان عكّو الذي اتُهم بباقتباس مسلسل"أبو هيبة في جبل الحلال"، الذي قدّمه الراحل المصري محمود عبد العزيز عام 2014،  أكّد في احدى مقابلاته أنّ قرية الهيبة هي تجسيد لقرية لبنانيّة افتراضيّة، مضيفاً حينها أنّه قام وفريق عمله بزيارة احدى القرى البقاعيّة المشابهة ليستمد الأفكار من واقعها.
الجدير بالذّكر أن ناشطين بقاعيين بدأوا بالتعبير عن غضبهم الشديد، ومن بينهم الإعلامي حسين شمص الذي أكّد في حديث له مع "النهار" أنّه أجرى أمس سلسلة اتصالات مع محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، ورئيس المجلس الوطني للإعلام  عبد الهادي محفوظ  تمحورت حول مسلسل الهيبة مؤكّداً أنّ خضر أبدى تفهمه لحالة الاستياء من مضمون المسلسل واعداً بمتابعة الموضوع بأسرع وقت مع المعنيين لوضع حد له كما شدد محفوظ على ضرورة إلتزام الاعلام بالمبادئ الاخلاقية والمهنية". وكان المحامي أشرف الموسوي أعلن عبر "النهار" عن اتجاه عدد من الناشطين والمحامين للتحضير لشكوى قضائية تطالب  بايقاف المسلسل. وردّ رئيس مجلس ادارة "الصباح إخوان" (الشركة المنتجة)، المنتج صادق الصبّاح، قائلاَ لـ"النهار" ان "حوادث المسلسل وشخصياته وجغرافيته من وحي الخيال ولا صلة لها بالواقع".

غريبٌ كيف أن...

ليس هدف هذه المقالة محاكمة مسلسل "الهيبة" أو نقده. فللأمر سياقات أخرى. غريب كيف ان جلستنا مع "الرأس المطلوب" تحوّلت فضفضة منه تقارن بين واقعين درامي وحقيقي. رأى الرجل في نفسه "جبل شيخ الجبل" رغم اختلاف انواع التجارة بين الرجلين. أسقط الكثير من "جبل" على حاله. الأمر لا يتعلق حصراً بالدراما لا بل انه لصيق بأبعاد شديدة الصلة بالواقع، بدءاً من تشريع الحديث عن قانون العفو الى فتح النقاش حول الأسباب العميقة التي دفعت أناساً للخروج عن القانون. النقاش فتح. الضجيج كثير. الاضواء مسلطة بقوة. وان كان للدراما دور في ذلك. فالأمر حميد.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم