الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ماكرون في روسيا ... الجودو وكرة القدم في السياسة الدولية

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ماكرون في روسيا ... الجودو وكرة القدم في السياسة الدولية
ماكرون في روسيا ... الجودو وكرة القدم في السياسة الدولية
A+ A-

فجأة، وجد الأوروبيّون أنفسهم أمام خلافات جدّيّة مع حليفهم الأميركيّ أكان على مستوى انسحاب واشنطن من الاتّفاق النوويّ مع إيران أم على مستوى التهديد بفرض رسوم جمركيّة على بعض الصادرات الأوروبّيّة. وفيما يتعلّق بالمسألة الأولى، قد تتعرّض شركات أوروبيّة للعقوبات الأميركيّة في حال أبقت علاقاتها التجاريّة مع الإيرانيّين. لهذا تحاول مجموعة الثلاث، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، أن تحمي الاتّفاق النوويّ وتحمي نفسها في الوقت عينه من مواجهة تداعيات القرار الأميركيّ. وتمرّ إحدى وسائل حماية هذا الاتّفاق عبر الروس.

لكنّ هذا يخفّف في المحصّلة من نفوذ الأوروبّيّين في التفاوض مع موسكو. فقد أظهرت هذه الزيارة بطبيعة الحال تنازلاً في الشكل عن إبداء موقف أوروبّي صلب تجاه قضيّة سالزبوري. علاوة على ذلك، أعلنت هولّندا وأستراليا منذ يومين أنّهما تحمّلان مسؤوليّة إسقاط الطائرة الماليزيّة "أم أتش 17" فوق أوكرانيا سنة 2014 للدولة الروسيّة. اتّهام رفضته موسكو بشدّة. وقد يظهر ذلك ضعفاً آخر في التماسك الأوروبّي تجاه السلوك الروسيّ.


بين الصداقة والحاجة

خلال المنتدى، تبادل الرئيسان عبارة "عزيزي فلاديمير" و "عزيزي إيمانويل". وكما نجح ماكرون في بناء صداقة شخصيّة مع الرئيس الأميركيّ دونالد #ترامب، يحتمل أن يكون في إطار محاولة بناء علاقة مشابهة مع بوتين. لكنّ المشكلة تكمن في أنّ العلاقة الشخصيّة مع ترامب لم تساعده في كسب موافقته على عدد من الملفّات، آخرها الاتّفاق النوويّ. لذلك، لا يودّ ماكرون تكرار الفشل في استثمار العلاقات الشخصيّة مع الكرملين. لكنّ البعض يرى أن لا دور للصداقات الشخصيّة في بناء العلاقات السياسيّة لدى ماكرون. فقد نقلت الإذاعة الوطنيّة الأميركيّة "أن بي آر" عن الباحثة إيزابيل فاكون من "مؤسسة الأبحاث الاستراتيجيّة "الفرنسيّة قولها: "ليس هنالك من صداقة. قال فريق ماكرون دوماً إنّه يجب عليك أن تتحدّث إلى الجميع، إنّه أساس الديبلوماسيّة".

في جميع الأحوال، لا تعني الأوضاع التي تعيشها #أوروبا أنّ #روسيا ليست بحاجة إلى الانفتاح عليها من قبل بعض دولها على الأقلّ. وفقاً ل "أن بي آر" أيضاً قالت المحلّلة السياسيّة الروسيّة تاتيانا ستانوفايا: "بالنسبة إلى الكرملين، إنّ الواقع البسيط في أنّ ماكرون قد أتى (إلى روسيا) هو مهمّ، بما أنّه كانت هنالك شكوك حول حصول هذه الزيارة من الأساس. إنّ مجرّد واقع أنّ القادة الأوروبّيّين لا يرفضون الحوار هو مهمّ بالنسبة إلى الكرملين".


كرة القدم والجودو في السياسة الدولية


خلال المنتدى الاقتصاديّ، لفت ماكرون النظر إلى إتقان بوتين للجودو محاولاً تطبيقها في المجال السياسيّ: "نعلم جميعنا ذوقك بالجودو، عزيزي فلاديمير – إنّه مرتكز إلى التحكّم بقوّة الشخص نفسه واحترام قوّة الخصم. دعنا نحاكي هذه المبادئ في الساحة الدوليّة. دعنا نلعب لعبة تعاونيّة، لعبة مشتركة". وما كان من بوتين إلّا أن أجاب: "وصل العالم إلى وضع حيث يلعب الجميع كرة القدم فيما يطبّقون قواعد الجودو. هذا ليس كرة قدم وليس جودو. إنّه الفوضى وحسب".

بالحديث عن الرياضة، تستعدّ روسيا لاستضافة كأس العالم في كرة القدم الذي ينطلق أواسط الشهر المقبل، مناسبة رياضيّة تفتخر موسكو بتنظيمها خصوصاً أنّ مناسبة كرويّة كهذه يمكن أن تكسر العزلة الدوليّة التي تعيشها البلاد. وقد وعد ماكرون بأنّه سيعاود زيارة روسيا في حال تأهّل منتخبه إلى الأدوار المتقدّمة من هذه المسابقة، في تناقض واضح مع ما أعلنه المسؤولون البريطانيّون عن مقاطعتهم لحضور النهائيّات. وبتنظيم مسابقة كأس العالم وباستضافة ماكرون ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الذي حضر أيضاً المنتدى الاقتصاديّ، بإمكان روسيا الإشارة إلى أنّها حقّقت الكثير في الفترة الماضية لتخرق العزلة.

كان هنالك محاولة لإيجاد بعض القواسم المشتركة في الكلمتين اللتين ألقاهما الرئيسان خلال المنتدى. فقد وصف ماكرون روسيا بأنّها "جزء لا يتجزّأ" من أوروبا، مشيداً بقيم التعاون والتعددية والسيادة لكن منتقداً في الوقت عينه سياسات الانعزاليّة والحمائيّة. وافق بوتين على هذه النظرة منتقداً أيضاً "العصر الجديدة من الحمائيّة". وتحدّث عن تقويض الأسس التي قام عليها المجتمع الدوليّ خلال العقود الماضية قائلاً: "اليوم لا نراقب وحسب تآكل، بل تدمير، هذه الأسس". وأضاف: "خرق القواعد هو القاعدة الجديدة".


"روسيا ليست فقط بوتين"

لقد كان شعار المنتدى الأساسيّ "خلق اقتصاد من الثقة". ترى روسيا أنّه لا يمكن بناء هذه الثقة كاملة قبل اتّخاذ أوروبّا بعض الإجراءات من بينها إلغاء العقوبات المفروضة عليها، وهو أمر بدأ يطالب به البعض داخل الاتّحاد الأوروبّي نفسه. في حديث إلى شبكة "سي أن بي سي" الأميركيّة قال رجل الأعمال الفرنسيّ جان باسكال تريكوار الذي كان حاضراً المؤتمر إنّ لديه شكوكاً حول فاعليّة هذه العقوبات. وأضاف تريكوار، الرئيس التنفيذي لشركة "شنايدر إلكتريك" إنّ "العلاقات التاريخيّة والاقتصاديّة بين الدول الأوروبّيّة وروسيا تسبق العقوبات. العقوبات لا تساعد، في الواقع العقوبات تصعّب كل شيء، ليس هنا فقط بل في جغرافيّات أخرى".

والتقى الرئيس الفرنسيّ بألكسندر تشيركاسوف المسؤول عن "ميموريال"، أقدم منظمة حقوقية غير حكومية في روسيا إضافة إلى ناشطين آخرين. بالنسبة إلى الفيلسوف الفرنسيّ ميشال إلتشانينوف، إنّ "ماكرون يمكنه إظهار أنّ روسيا، بالنسبة إليه، ليست فقط قادتها، بل أيضاً مجتمعها المدني"، بحسب ما قاله لوكالة "رويترز".

لا شكّ في أنّ الكثير يتغيّر على مستوى التوجّهات الفكريّة في أوروبّا تعكسه أو تحرّض عليه الإدارة الجديدة في واشنطن. خلال الفترة المقبلة، قد يكون مصير الاتّفاق النوويّ أحد أبرز المحطّات التي تساعد في تجسيد هذه التغيّرات سياسيّاً. ليس معلوماً بعد ما إذا كان بعض من في الإدارة الأميركيّة قادراً على دفع ترامب إلى تفادي إمكانيّة تقارب أوروبّي روسيّ محتمل.







الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم