تُشبه أمي في اختزال الحزن العميق حيال الخسارة. مؤثّرة حين تُرغم نفسها على الحياة وفي داخلها قبر ابنها. لنا ملاحظات على "ومشيت" ("أم تي في") نكتبها في أوانها. تطلّ رندا كعدي بشخصية مارتا لتنقذ المسلسل من دوّاماته الكثيرة. أم بكلّ ما تحتمله الكلمة من جماليات نبيلة. تعانق الدور برأفة، تقدّمه باتقان. ممثلة لا غبار على أدائها.
مارتا كالبساطة الفريدة في أمهاتنا الموجوعات، لكن الضاحكات رغم الألم. ما أجملها أم طوني وهي تحاكي صورة ابن سقط شهيداً. تُنسينا أنّها تمثّل. لا تكترث لوجود كاميرا. تكون الدور بحذافيره، من دون افتعال. حذرة من المبالغة، ومن الإفراط في انفعالاتها. على لسانها، عفوية الشخصية وصدق كلماتها. وفي قلبها حريق. الابن الميت لا يكفّ عن الاشتعال في داخلها. ينغّص عليها ضرورة البقاء حيّة. لأنّها أم عن جدارة. لا تضيّع وقتاً في الشؤون التافهة. من المؤدّيات دور الماما بإقناع. جميلة في محاكاة الفقدان، والتصرّف كأنّه لم يحصل، ولم يكسر ظهرها. هو في الحقيقة هدّها، فتّتها، ولم يُبقِ منها سوى رغبة مستمرّة للبقاء على قيد الحياة. تألّقت في حلقة الأمس أمام انكسار صورة ابنها. تستعيد موته، كأنّه يحدث الآن ويستيقظ فجأة بعد محاولات يائسة لترويض الذاكرة. تبكيه من جديد، بصرخة مَن يصفع الموت ولا يحصل على نتيجة. متألّقة في صراعها مع الاشتياق والتكيّف. لا تترك مجالاً لمستوى آخر غير اللائق بها. المسلسل في كفّ وهي وحدها في كفّ ثانية. مَشاهدها مُنقِذة. تنتشل شيئاً من ركوده. تُخرجه من وضعيته المُعلّقة. رندا كعدي علامة رمضانية فارقة.
Twitter: @abdallah_fatima