الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

التحرير ليس منجزاً

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
التحرير ليس منجزاً
التحرير ليس منجزاً
A+ A-

التحرير في 25 أيار، مثل الاستقلال في 22 تشرين الثاني، ليسا مناسبةً، ولا تاريخاً، ولا ذكرى. فحسب.

إنهما ينصنعان كلّ يوم، ويولدان من جديد كلّ يوم.

ينصنعان، ويولدان، وبلا توقّف.

كالنبع الذي ينصنع، ويولد. وينصنع، ويولد. وإلى ما لا نهاية.

وهما يزدادان. وينموان. وينحفران. ويترسّخان. ويضربان في الأعماق. نزولاً نزولاً حتى الثمالة.

المسألة، مسألة التحرير والاستقلال، ليست مناسبةً، ولا تاريخاً، ولا ذكرى. فحسب.

إنها أيضاً وخصوصاً، مسألة ثقافية. أخلاقية. معيارية. وقيمية.

هي تالياً، مسألة غير منتهية. وغير مكتملة.

تالياً، هي تستمدّ مشروعيّتها، وقيمتها، من حاضرها. ومن مستقبلها.

وبالقوّة نفسها، تستمدّ مشروعيّتها وقيمتها، من استيقاظها غداً. ودائماً. وباستمرار. وبلا هوادة.

وكأنها لم تستيقظ من قبل.

هي هذا الواقع المنجَز، في تاريخٍ ما، في يومٍ ما، لكنْ مقترناً بخياله. بحلمه. وبقدرته على استنطاق فجره الاحتمالي اللامتناهي.

التحرير عندي، هو هذا، كما هو الاستقلال.

أقلّ من هذا المعنى، هما، أي التحرير والاستقلال، يكونان أقلّ.

لذا، هما لا ينفصلان عندي، عن الثقافة. ثقافة التحرير، وثقافة الاستقلال.

بل هما في اللبّ من المسألة الثقافية، الأخلاقية، المعيارية، والقيمية.

في هذا المعنى، هل هما منجزان؟

إذا قلتُ نعم، لا بدّ أن أكون أكتفي. وأطمئن. وأعيش في الذكرى.

لكني شخصياً، لا أعرف أن أكتفي. ولا أن أطمئن. ولا أن أعيش في ذكرى.

بل أبحث. وأتشوّق. وأطمح. وأتوق. وأطالب.

إني أطالب بإنجازهما. أكثر. وأعمق. وأغنى.

التحرير هو تحرير الأرض من.

والاستقلال هو الاستقلال عن.

هذا هو المعنى الأساسي لكليهما.

لكنه معنىً غير كافٍ. إنه معنىً ماضويّ. وناقص.

وأنا أريدهما في الزمن كلّه. ماضياً. وحاضراً. ومستقبلاً.

لأجل ذلك، ليس في مقدور المعنى أن يكتفي. ولا أن يكتمل.

هل في مقدور عمل النبع، أن يكتفي، وأن يكتمل؟

يستحيل.

يستحيل أن يكتفي. يستحيل أن يكتمل.

عندي، أن التحرير يوازي عمل النبع.

عندي، أن الاستقلال يوازي عمل النبع.

والنبع يبدأ كلّ يوم. كما لو أنه لم يبدأ من قبل.

فكيف إذا أريد للنبع (أو إذا أراد لنفسه) أن يتحرّر، وأن يستقلّ؟!

أن يتحرّر من. وأن يستقلّ عن.

التحدّي هو هنا: أن يتحرّر التحرير. وأن يستقلّ الاستقلال.

ولا يكون ذلك، إلاّ بالدولة. وفيها.

لا يكون ذلك، إلاّ بالدولة المدنية، العلمانية، النزيهة، الحرّة، الديموقراطية.

لا يكون ذلك، إلاّ في الدولة المدنية، العلمانية، النزيهة، الحرّة، الديموقراطية.

وهي دولة الإنسان. دولة المواطن.

وهي دولة المؤسسات. لا دولة الأشخاص.

وهي الدولة السيّدة على ذاتها. وبذاتها.

وهي الدولة التي بالدستور، والحقّ.

وهي الدولة التي يُزَجّ فيها بالمسؤول الفاسد السارق الناهب الكاذب... في الحبس.

وهي الدولة التي تفعل هذا كلّه، بقوّة القانون، وبميزان العدل، والقضاء. فحسب.

هكذا يُنجَز التحرير، وهكذا يتحقّق الاستقلال.

وهما، الإنجاز والتحقق، لا ينتهيان. بل يولدان. ويُمتَحَنان. وإلى ما لا نهاية.

[email protected]





حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم