أرشيف "النهار" - هنري بركات: رجل الاخراج الصعب ونقيضه الشعبي

قامة سينمائية كبيرة هوت. رجل الاخراج الصعب ونقيضه الشعبي غاب مع سره. هنري بركات، اللبناني الاصل والجذور، المصري الحرفة والانتاج، العالمي الشهرة والاعتراف، صاحب الارث المهيب (سبعة وثمانون فيلماً في نصف قرن)، الرائد والمؤسس، رجل المهنية واللباقة من الطراز الاول، الملهم والمعلم لاجيال لاحقة ابدعت وتجاوزت الى روح العصر. مع صلاح ابو سيف الذي سبقه رحيلاً تقاسم نجومية السينما الشعبية ونجاحاتها الكبرى، هو في الخط الرومنسي والغنائي والعاطفي الميلودرامي الذي تخللته اقتباسات ادبية واعمال مهمة جداً وبارزة (مثل "ليلة القبض على فاطمة" البديع) وابو سيف في خط السينما الواقعية التي منحته لقب "ابو الواقعية" الشهير، رغم ان في انتاجه ما يماثل اعمال بركات الشعبية والغنائية والميلودرامية. السينما تبيع الاحلام الجميلة للناس. تلك كانت عقيدة هنري بركات السينمائية، ايمانه واقتناعه، ولم يدنُ من السياسة او من الايديولوجيات الكبرى اذ لم يكن يرى للسينما دوراً تغييرياً او ثورياً، بل كان يعتقد ان تبني القضايا الجادة يفرغ السينما من هدفها الحقيقي: الترفيه. ولم يهمل مع ذلك التلميح الى القضايا الوطنية في بعض افلامه، لكنه عبر عنها في شكل عرضي، عام وشامل، ولم يتناولها في مواقف جلية مثلما فعل زميلاه صلاح ابو سيف ويوسف شاهين انهماكاً بها والتزاماً. ظلت السينما لهنري بركات وسيلة بيع احلام للناس ورواية قصص مؤثرة او مفرحة في اسلوب شاعري تميز بها، ولم يتجاوز ذاك الفهم لدور الفن السابع ورسالته الى طرح المسائل المعقدة او الذهنية او التجريبية. همه كان امتاع الجمهور الواسع، البلوغ السهل اليه، والتسرية عنه بالقصص والحكايات الجميلة المؤثرة. رحلته ولادة بركات كانت في حي شبرا عام 1914، في عائلة بورجوازية محافظة من اصل لبناني، ونشأ بين...