الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أردوغان في بريطانيا ... لماذا تسعى لندن لتعزيز علاقتها بأنقرة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
أردوغان في بريطانيا ... لماذا تسعى لندن لتعزيز علاقتها بأنقرة؟
أردوغان في بريطانيا ... لماذا تسعى لندن لتعزيز علاقتها بأنقرة؟
A+ A-

تبرز شريحة من البريطانيّين معارضتها للزيارة بسبب التحوّلات التي لا تزال تركيا تشهدها منذ الانقلاب الفاشل في تمّوز 2016. وقد انعكس ذلك تقلّصاً في الحرّيّات العامّة وحرّية الصحافة وتوسّعاً لصلاحيّات أردوغان في الحكم، الأمر الذي يتعارض مع القيم البريطانيّة بحسب ما يراه معارضو الزيارة. وكان آخر تطوّر في هذا المجال اعتقال 300 عنصر من الجيش للاشتباه بصلتهم بجماعة الداعية فتح الله غولن. وسيلتقي الرئيس التركي بالملكة إليزابيت الثانية إضافة إلى رئيسة الوزراء تيريزا ماي التي أعلن ناطق باسم مكتبها أنّ هدف اللقاء سيتمحور حول إظهار "العلاقة الوثيقة" بين البلدين. وكانت ماي قد زارت تركيا السنة الماضية حيث وقّعت مع أردوغان على اتفاق عسكريّ لتطوير الأسطول الجوّي التركيّ بقيمة قاربت 135 مليون دولار.


انتقاد بريطانيّ لأوروبا

تمتّع المسؤولون البريطانيّون لفترة طويلة بنظرة مشجّعة لأنقرة. فرئيس الوزراء السابق دايفد كاميرون انتقد خلال زيارته تركيا في تمّوز 2010 معارضي انضمام البلاد إلى الاتّحاد الأوروبّي. حينها، أعرب كاميرون عن موقفه قائلاً: "أعتقد أنّه من الخطأ وحسب القول إنّ تركيا بإمكانها حراسة المخيّم لكن يجب عدم السماح لها بالجلوس داخل الخيمة"، في إشارة إلى دورها العسكريّ الكبير على حدود أوروبّا كعضو في حلف شمال الأطلسي. وكان ذلك الانتقاد موجّهاً بشكل مبطّن إلى حلفائه الفرنسيّين والألمان، ممّا يشير إلى المدى الذي يمكن أن تذهب إليه بريطانيا في الدفاع عن علاقتها مع تركيا.


مليار دولار من العقود العسكريّة

سبق أن أوضحت لندن مؤخّراً مدى دعمها لأنقرة خلال عمليّتها العسكريّة في عفرين التي اعتبرتها "مصلحة مشروعة في ضمان أمن حدودها"، وهو موقف مختلف بشكل واضح عن نظرة دول غربيّة أخرى وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة إلى حربها في شمال سوريا. ويمكن للعلاقات العسكريّة أن تتصدّر واجهة الأسباب التي تشرح متانة العلاقات بين البلدين. فقد ذكر موقع "ميدل إيست آي" أنّ بريطانيا باعت أسلحة بما يزيد عن مليار دولار إلى أنقرة منذ محاولة الانقلاب. وشملت الصفقات عربات مسلّحة وصواريخ وطائرات من دون طيّار ومقاتلات ومروحيّات إضافة إلى أسلحة خفيفة وذخائر. كما شملت صفقات مع شركة "بي آي إي سيستم" البريطانيّة كي تبني تركيا مقاتلة محلّيّة الصنع، بحسب ما ذكره الموقع نفسه. لكن قد تشكّل العلاقات العسكريّة أيضاً تجسيداً لقناعة لدى الدولتين بأن لا بديل عن التعاون بينهما بالنظر إلى مشترَكات تاريخيّة وحاليّة كثيرة.


أكبر من إمكانيّة الانفصال عنها

لم تقف #بريطانيا مع #تركيا فقط في قضيّة الانضمام إلى الاتّحاد الأوروبّي أو في قضيّة بيعها أسلحة بمئات الملايين بما فيها نقل تكنولوجيا التصنيع أو في الدفاع عن عمليّاتها العسكريّة. إنّ بريطانيا قد التزمت الصمت أيضاً إزاء تجاوزات أردوغان في الداخل خلال المرحلة التي تلت الانقلاب الفاشل كما كتبت صحيفة "دايلي أكسبرس" البريطانيّة. ونقلت الأخيرة عن زويا ميرال، باحثة في مركز التحليل التاريخيّ وأبحاث النزاع التابع للجيش البريطانيّ قولها: "الموقف البريطانيّ هو أنّه فيما هنالك تطورات مقلقة بشكل واضح داخل تركيا، فإنّ الانخراط ليس فرديّاً. إنّه واقع أنّ تركيا كبيرة جدّاً كي يتمّ الابتعاد عنها".


وضع مربح للجميع؟

قدّرت تركيا المواقف البريطانيّة. فيوم أمس السبت، أعلن الوزير التركيّ لشؤون الاتّحاد الأوروبّي عمر جليك أنّ الاتّحاد سيخسر الدور الاستراتيجيّ للمملكة المتّحدة بعد البركزيت. وأضاف خلال الندوة السابعة للمنتدى التركيّ البريطانيّ المشترك "تاتلي ديل" (اللسان العذب) أنّه سيستحيل على الاتّحاد الأوروبي التكيّف مع النظام الدوليّ المتغيّر من دون تركيا والمملكة المتّحدة، وفقاً لما ذكرته صحيفة "حرييت" التركيّة. وكان الوزير البريطاني للشؤون الأوروبّيّة والأميركيّة ألان دانكن حاضراً الندوة. يأتي تمتين العلاقات بين هاتين الدولتين في إطار ما يراه بعض المراقبين كضرورة لفتح حوار بين لندن وأنقرة في عصر الاستعداد للبركزيت. في آذار 2017، أعدّ الديبلوماسيّ التركيّ السابق سينان أولغن دراسة نشرها معهد "بروكينغز" الأميركيّ شدّد من خلالها على أنّ الحوار المشترك الذي يركّز على السياسات التجاريّة والأمنيّة يمكن أن يساعد في خلق وضع مربح للندن وأنقرة لكن أيضاً لبروكسيل وواشنطن.


استعداد دائم

على أيّ حال، لم يخف الرئيس التركيّ أهمّيّة هذه الصلات بالنسبة إلى بلديهما. فخلال مؤتمر صحافيّ عقده في مطار أتاتورك قبل توجّهه إلى بريطانيا، وصف أردوغان بريطانيا بأنّها "شريك وحليف استراتيجيّ". وأشار إلى أنّ بلاده تريد الاستمرار بالعلاقات الاقتصاديّة مع بريطانيا من دون انقطاع بعد البركزيت. وذكرت صحيفة "دايلي صباح" التركيّة أنّ عدداً من الوزراء يرافقون الرئيس التركيّ الذي من المتوقّع أن يلتقي بكبار المسؤولين التنفيذيّين لعدد من الشركات البريطانيّة المهمة. وسيكون لافتاً للنظر إلقاؤه كلمة في مؤسّسة الرأي الملكيّة البريطانيّة "تشاتام هاوس" حيث سيدعو المتموّلين للاستثمار في تركيا.

لا شكّ في أنّ الخطوات المشتركة بين بريطانيا وتركيا تؤكّد يوماً بعد يوم أنّ علاقاتهما تتّخذ طابعاً استراتيجيّاً. حين كانت التوتّرات بين ألمانيا وهولندا في أوجها مع الأتراك على خلفيّة منع مسؤولين في أنقرة من تنظيم تجمّعات انتخابيّة في هذين البلدين خلال شهر آذار 2017، اتّخذت بريطانيا مساراً مختلفاً عن شركائها الأوروبّيّين. وفضلّت تطوير علاقتها بتركيا وحضور مؤتمر "تاتلي ديل" السادس الذي شارك فيه وزير خارجيّتها بوريس جونسون والذي شكر خلاله أردوغان بريطانيا على "النموذج الاستثنائيّ" الذي قدّمته.

وهذا يعني بطريقة واضحة أنّ مخالفة كاميرون للفرنسيّين والألمان حول رفضهم دخول تركيا إلى الاتّحاد الأوروبّي لم تكن حدثاً عابراً. وكأنّ بريطانيا مستعدّة دائماً للسير بعكس التوجّهات الأوروبّية حين يقتضي الأمر ذلك، من أجل الحفاظ على علاقتها بتركيا.








الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم