استنتاج أوروبي يشعل الانتقادات... أربعة تقارير أوّلية عن الانتخابات: ما قالته ولم تقله!
4 تقارير أولية عن يوم الانتخابات. 3 بعثات دولية واوروبية وعربية، وجمعية وطنية. في الاوراق، تقويم لمجريات العملية الانتخابية، مخالفات وتجاوزات ومشاهدات و"اوجه قصور"، عشرات منها هنا او اقل هناك، او حتى شبه غائبة، اضافة الى توصيات واضحة برسم السلطات اللبنانية اتفقت خصوصا على وجوب ان تكون "هيئة الاشراف على الانتخابات مستقلة، تتمتع بموارد مناسبة وفریق عمل دائم ومیزانیة مستقلة"، وضرورة ادخال "اصلاحات" على قانون الانتخاب الجديد، في مجالات عدة.
في المشهد الانتخابي الضاغط في 6 ايار، شكّل نحو 1518 مراقبا، لبنانيا واجنبيا، عيون اللبنانيين وآذانهم في مراكز الاقتراع وخارجها. في التوزيع، شارك نحو 1345 مراقبا لبنانيا من الجمعية اللبنانية من اجل ديموقراطية الانتخابات (LADE)، 132 من البعثة الاوروبية لمراقبة الانتخابات، 31 من البعثة الدولية لـ"المعهد الديموقراطي الوطني"، و10 خبراء من "الشبكة العربية لديموقراطية الانتخابات".
فريق كبير، متنوع، مستقل، وايضا متعدد الجنسيات. وعصارة جهوده تقارير صارحت اللبنانيين في مجريات يومهم الانتخابي والقانون الذي اقترعوا على اساسه. وكان لها وقع في ما قالته، وفي ما لم تقله أيضا. علامة فارقة: استنتاج للبعثة الاوروبية اعجب ادارة الانتخابات. غير انه ترك ذيولا في اوساط المجتمع المدني، بما استدعى اخذا وردا وتوضيحا.
تقاطع... تباعد
قراءة في التقارير الاربعة. اين تتقاطع؟ هل تتباعد او تتناقض؟ وكيف تتكامل؟
في الشكل، تتشارك كلّها في العنوان نفسه تقريبا: تقرير تقويمي او اولي او تمهيدي عن الانتخابات النيابية، مع تفاوت في الحجم او عدد الصفحات. غير انها تتمايز في مضمونها وطريقة عرضه. وبموجب ذلك، يتقدم تقرير "الجمعية اللبنانية من اجل ديموقراطية الانتخابات" الى الطليعة، لما يتضمن من "مخالفات ومشاهدات" منوّعة وامثلة عنها وامكنتها واعدادها، مع نسب توضيحية عن مدى احترام قانون الانتخاب وموجباته، لا سيما سرية الاقتراع والتأثير على الناخبين واخطاء لوائح الشطب...
كذلك، يتفرد التقرير في تحديد أبرز أعداد المخالفات. مراكز اقتراع غير مؤهلة لاستقبال ذوي الحاجات الاضافيّة: 242. تخويف أو ضغط على ناخبين/ات داخل مركز الاقتراع أو في محيطه: 222. تداول ورقة اقتراع رسمية خارج قلم الاقتراع: 33. شراء أصوات ناخبين/ات: 11. تدخل موظف/ة رسمي/ة أو القوى الأمنيّة لمصلحة مرشح/ة أو لائحة ما: 22. وقوع أعمال عنف داخل مركز الاقتراع وفي محيطه: 34... أعداد معبّرة، تضيف اليها الجمعية لائحة بمخالفات الفرز وعملية التصويت.
واذا كانت الجمعية ركّزت تقريرها أساسا على تفاصيل ومعلومات وارقام ونسب حول تجاوزات شهدها 6 ايار، فقد جاءت التقارير الثلاثة الباقية اكثر عمومية على هذا الصعيد: ففي وقت اشارت البعثة الدولية لـ"المعهد الديموقراطي الوطني" وبعثة "الشبكة العربية لديموقراطية الانتخابات" إلى عدد من هذه المخالفات وسجلتها وتشاركت في بعضها، آثرت البعثة الاوروبية تجنّبها كليا، بما شكّل افتراقا لافتا عن البقية أثار علامات استفهام.
مراجعة لاوراق الجمعية والبعثتين الدولية والعربية، وفيها مخالفات جامعة: "خرق المادتين 95 الفقرة الرابعة (سرية الاقتراع(، و96 الفقرة الاولى (اقتراع ذوي الحاجات الخاصة)". وهناك ايضا اخرى مشتركة تقاطعت في التقارير: عدم احترام فترة الصمت الانتخابي، استخدام الهواتف الخلیویة داخل أقلام الاقتراع، تنظیم حملات انتخابية على مقربة من مراكز الاقتراع ومشاهدة وسائل دعایة داخلها، اقتراع أشخاص لم يدمغوا اصابعهم بالحبر السري، تأخير في افتتاح اقلام الاقتراع في الوقت المحدد بعد السابعة والنصف صباحا، وتمديد الانتخابات الى ما بعد الـساعة 7 مساء، حصول ناخبين على المال مقابل التصویت للائحة معینة...
قانون الانتخاب تحت الضوء
تجاوزات وثّقتها الجهات الثلاث بوضوح. أضافت اليها اخرى او لم تضف، أثنت او انتقدت حيث استوجب ذلك، في رأيها. وفي خضمها، حاز قانون الانتخاب الجديد على اهتمام، عبر تقويمه ايجابا ام سلبا. "القانون في صيغته النهائية جمع بین التمثیل النسبي، وتوزیع المقاعد على أساس طائفي، واعتماد الصوت التفضیلي على نحوٍ یحافظ على استمرار الوضع السیاسي الراھن... قانون الانتخاب الجدید يمثّل خطوةً إلى الأمام حتماً، لكنه یعتمد أیضاً صیغةً معقدةً لإدارة الانتخابات تتضمّن ثغرا عدیدة محتملة، الأمر الذي یزید إمكان تفسیر طریقة تطبیقه بأكثر من وسیلة"، قالت البعثة الدولية.
من جهتها، سجّلت البعثة العربية "نقاطا سلبية عدة في القانون تعتبر اخلالا للمعايير الدولية على اصعدة عدة، منها عدم اعتماد المعايير الدولية والمعايير الموحدة لتوزيع الدوائر الانتخابية اذ لم تراع عدالة التمثيل بين المواطنين/ات والتنوع وفقا لما جاء في اتفاق الطائف ولم ترتكز على مبدأ العيش المشترك المذكور في الدستور. افراغ مبدأ النسبية من مضمونه من خلال توزيع الدوائر واعتماد الدوائر الكبرى والصغرى. اعتماد صيغة متحركة للحاصل الانتخابي وغير متكافئة ومرتفعة جدا في بعض الحالات. الانفاق الانتخابي المرتفع الذي يتنافى مع مبدأ المساواة والعدالة...".
واذا كان قانون الانتخاب الجديد "مثيرا للجدل" وسبق ان سجّلت الجمعية اللبنانية "ملاحظاتها العديدة عليه"، على قولها، فقد رأت البعثة الاوروبية انه "اظهر تناقضات ملحوظة في عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد، نظرا الى التوزيع الثابت للمقاعد على الطوائف، والذي لا يتوافق مع التركيبة السكانية المتغيرة في مختلف المناطق".
هيئة الاشراف "المحدودة الصلاحيات"
الى جانب كلام مشترك على السقف المرتفع جداً للانفاق الانتخابي وغياب الظهور الاعلامي المتكافئ بين المرشحين، استوقفت مسألة اخرى الجهّات المراقبة للانتخابات: هيئة الاشراف على الانتخابات التي "كانت محدودة الصلاحيات، بحيث لم تتمكن من ممارسة دورها في شكل فعال. كذلك، حدّ وضعها القانوني تحت وصاية وزارة الداخلية والبلديات من استقلاليتها في شكل كبير"، بتعبير البعثة العربية.
ولا يختلف ما سجّلته البعثة الدولية بهذا الخصوص. "كلّفت الهيئة بمهماتها في أیلول 2017... لكن لم یسند اليها العدد الكافي من الموظفین والموارد الذي یتناسب مع صلاحیاتها الموسّعة. كذلك فإنّ میزانيتها محدودة وتأخر التمویل المخصص لها من وزارة الداخلیة والبلدیات. نتیجةً لذلك، لم تتمكن سوى من تقدیم توجيهات قلیلة الى المرشحین والإعلامیین في ما یخصّ أدوارهم، وقوّضت قدرتها على المراقبة إلى حدّ كبیر".
كذلك، لاحظت البعثة الاوروبية الامر نفسه. "الهيئة أعطيت صلاحيات قليلة في قانون الانتخاب الجديد، ولا تزال تعتمد مالياً على الحكومة، ولا صلاحيات لها لاجراء تحقيق في الانتهاكات أو الفصل فيها أو فرض عقوبات عليها، مما جعل مراقبة تمويل الحملات والانفاق الانتخابي امرا صعبا".
اتفاق على توصيف واقع الهيئة ودورها المحدود. والتوصية دولية-عربية مشتركة: اخضاع مسؤولية ادارة الانتخابات "لهيئة إشراف مستقلة تتمتع بموارد مناسبة وفریق عمل دائم، وبمیزانیة مستقلة. في المقلب الاوروبي، لا توصية مفصّلة بهذا الشأن، بل اكتفاء بتسجيل ملاحظات، "مع دعوة وجهتها رئيسة البعثة العضو في البرلمان الاوروبي من اسبانيا السيدة ايلينا فالنسيانو، في بيان، الى تعزيز صلاحيات الهيئة في مجالي الرقابة والمعاقبة".
في المقابل، اتفق الافرقاء على وجوب "ادخال اصلاحات على قانون الانتخاب، لا سيما لجهة اعادة توزيع الناخبین لكلّ مقعد، لتحقیق تمثیل متساو لهم في البرلمان، وتنظيم اكثر لتمويل الحملات الانتخابية وتعزيز تمثيل المرأة... غير انه كان هناك تفاوت في توصيف اليوم الانتخابي. عملية تصويت "جيّدة" معظم الاحيان، "هادئة" عموما، وفقا للتشخيص الدولي، رغم ما افيد عن "حوادث عنف متفرقة بين الحين والآخر واشكالات". "اوجه قصور" لفتت اليها البعثة الدولية، لكنها لم تخلّف في رأيها "تأثیراً كبیراً على محصّلة الیوم الانتخابي".
استنتاج استوجب توضيحا
ومن نتائج البعثة العربية، كان هناك "ضعف في ادارة العملية الانتخابية، بدءاً من التصويت حتى مرحلة الفرز". اما بالنسبة الى البعثة الاوروبية، فقد "قامت جميع دوائر الإدارة الانتخابية بعملها بطريقة شفافة ونزيهة عموما". استنتاج لافت جعل وزير الداخلية نهاد المشنوق يتباهى في تغريدة بـ"اشادة الاتحاد الاوروبي بدور وزارة الداخلية في ادارة العملية الانتخابية"، وفي الوقت نفسه اشعل انتقادات حادة للبعثة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولتهذيبها المفرط في تقريرها.
استنتاج اقل ما يمكن القول فيه انه يتعارض مع عشرات الانتهاكات والمخالفات التي اوردتها تقارير الجمعية اللبنانية والبعثتين الدولية والعربية. اي منها لم يصف ادارة الانتخابات بالشفافة والنزيهة او الحيادية. استنتاج اوروبي استدعى توضيحا من الاتحاد الاوروبي في لبنان- ردا على سؤال وجهته المرشحة جمانة سلوم حداد بهذا الخصوص- ان "تقرير البعثة أوّلي، وسيتم النظر في كل الشكاوى القانونية بعناية".
اعلان آخر من البعثة. "سنبقى في لبنان لمراقبة اي نزاعات او شكاوى قد تُقدَّم بعد الانتخابات، وفقا للقانون. ويأتي ذلك ضمن منهجية المراقبة النزيهة لبعثة الاتحاد في ارجاء العالم".