الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

بائعو الهوى في مصر ينشطون على الإنترنت... قانون أميركي شجعهم

المصدر: "النهار"
القاهرة- ياسر خليل
بائعو الهوى في مصر ينشطون على الإنترنت... قانون أميركي شجعهم
بائعو الهوى في مصر ينشطون على الإنترنت... قانون أميركي شجعهم
A+ A-

شهدت الأيام القليلة الماضية كثافة ملحوظة في بث الإعلانات التي تروج لبائعات الهوى على الانترنت في مصر، بصورة مباشرة، وغير مباشرة أيضا من خلال عرض خدمات المسّاج (التدليك) على يد مدربات محترفات، مصحوبة بصور وعبارات مثيرة ودالة، إضافة إلى أرقام الهواتف الجوالة الخاصة بالمسؤولين عن إدارة هذه الخدمة التي تقدم في الخفاء، نظرا لأنها محظورة وفقا للقوانين المحلية.

ولوحظت هذه الكثافة بعد قرابة يومين من إغلاق موقع الإعلانات المبوبة العالمي "كريغزليست" لقسم Personals بمصر، وهو عبارة عن أبواب كانت مخصصة للتواصل المباشر بين الراغبين في إقامة علاقات عاطفية أو جنسية، مع نظراء لهم، دون أجر في أغلب الأحوال.

وظل Personals يظهر في مصر، حتى أوائل شهر أيار الجاري، على الرغم من إعلان إغلاقه في الولايات المتحدة، على أثر صدور قانون (FOSTA) الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل أسابيع. ويهدف القانون إلى مكافحة تجارة الجنس على الانترنت، والتصدي لتجارة الرقيق الأبيض. وتأثرت مواقع أخرى بالقرار، وفي مقدمتها موقع الإعلانات الإباحية المبوبة Backpage الذي بدأ العمل في العام 2004، وتم وقفه بالكامل بعد القرار الذي أصدره الكونغرس في آذار الماضي.

استغلال للفرصة

ومن خلال محادثات هاتفية مع بعض مقدمي هذه الخدمة، تبين لـ"النهار" أن إغلاق القسم شجعهم على عرض خدماتهم المتنوعة والمدفوعة لراغبي المتعة من العامة، بعدما حجبت المساحة التي اعتادوا على استخدامها للتعارف، بحرية، ودون مقابل. وكان Personals يستقبل مئات الإعلانات يوميا من أشخاص عاديين ومثليين من عامة المواطنين المصريين، والأجانب المقيمين والزائرين لمصر.

واللافت في الأمر أنه بينما وجد العاملون المحليون في مجال الدعارة في إغلاق هذا القسم فرصة لتقديم خدماتهم، حدث العكس تماما في الولايات المتحدة، حيث كشفت تقارير صحافية أميركية مخاوف على مستقبل وظيفتهم، ومصدر دخلهم الرئيسي الذي بات مهدداً حسبما أكدوا بعد صدور (FOSTA).

وهذا المشهد يعيد إلى الأذهان تجارة المجلات الجنسية باهظة الثمن في تسعينيات القرن الماضي، والتي كانت رائجة بين قطاعات من الشباب المصري، ووصل سعر النسخة منها إلى 150 جنيها، قرابة 45 دولاراً أمريكياً وفق متوسط سعر صرف العملة الأميركية في هذه الحقبة الزمنية، فيما لم تكن تساوي أكثر من بضع دولارات في بلدها الأصلي. واختفت هذه التجارة تماما بمصر بعد انتشار الانترنت، وسهولة تصفح المواقع الإباحية مجاناً.

مدربات محترفات

وقال الكابتن عادل، وهو اسم مستعار لأحد المعلنين عن خدمة المساج، في اتصال هاتفي مع "النهار": "إننا نقدم خدمات المساج في منطقة الدقي، ومدينة نصر (بالقاهرة)، وسعر الجلسة في الدقي يبلغ 600 جنيه (الدولار يساوي 17.58 جنيهاً تقريباً)، أما في مدينة نصر فهو 500 جنيه فقط، ولدينا مدربات محترفات في هذا المجال".

وبسؤاله عما إذا كان المساج سوف ينتهي "نهاية سعيدة"، رد قائلا "إنه يتضمن جميع أجزاء الجسم، ما عدا منطقة البوكسر"، وبمداعبته: "ولكن يا سيدي منطقة البوكسر هذه أكثر المناطق التي تتعرض للإجهاد، وتحتاج إلى عناية خاصة"، رد ضاحكا بطرح بعض الأسئلة، ثم قال "اتصل بي قبل أن تأتي بساعة واحدة".

وبالبحث عن رقم هاتفه على تطبيقTruecaller تبين أنه مسجل باسم سيدة تدعى "أم غرام مساج"، وهو رقم حصل على علامة التأكيد الزرقاء، أي أنه مستخدم لفترة طويلة، ومسجل على العديد من الهواتف الجوالة. وعلى الانترنت يوجد الكثير من الإعلانات تحت أسماء متباينة لمراكز صحية، منشورة في مواقع مختلفة، على فترات متفاوتة، تحمل نفس رقم الهاتف، وتعلن عن تقديم خدمات المساج.

وبتكرار ذات عمليات البحث مع العديد من الأرقام المنشورة في إعلانات شبيهة، اتضح أن تجار الهوى كثفوا من دعايتهم خلال الأيام التي أعقبت إغلاق Personals، وأنهم يتبعون أسلوباً مشابهاً للكابتن عادل في ترويج خدماتهم، ويستخدمون أسماء متباينة، ويتخفون من ملاحقة الشرطة بالإعلان عن خدمة التدليك المباحة، ولكن في مراكز مرخصة من قبل السلطات.

وتعلن وزارة الداخلية بصورة مستمرة عن عمليات قبض لشبكات تعمل في هذا المجال، وجزء منها يمارس نشاطه من خلال مراكز صحية غير مرخصة. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن الشرطة المصرية سجلت خلال السنوات الماضية، ما بين 20 إلى 30 ألف امرأة تعمل في التجارة.

تنوع العروض

ومع الانفتاح على العالم الافتراضي، تزايد تنوع رغبات الزبائن الراغبين في إشباع ميولهم الجنسية، وهو ما جعل التجار ينوعون في عروضهم، لتلبية هذا الطلب وجني الأموال من ورائه، فلم يعد المعروض لديهم عاملات جنس فقط كما كان في السابق، ولكن أيضا المتحولون جنسياً، والمثليون من النوعين (الذكور والإناث)، وفي بعض الأحيان القاصرات.

نانا، هي امرأة تعمل في هذه التجارة، ونانا اسمها المستعار الأكثر شهرة على الانترنت، وهي تقول لـ"النهار" بصوت مصطنع عبر الهاتف: "لدينا نساء من مصر، ولبنان، وأوكرانيا، وكذلك لدينا متحولون جنسياً، من نفس البلدان، ونقدم خدماتنا في مقرين اثنين، أحدهما في مدينة أكتوبر، والآخر بمدينة نصر في القاهرة، ويمكن أن يذهب عاملونا إلى مقر الزبائن"، موضحة أن سعر الليلة: "يبلغ في المتوسط 2000 جنيه".

وتعلن نانا صراحة على موقع "كريغزليست"، وموقع "اسكورت سيرف" وغيرهما، عن خدماتها بصورة صريحة، وتستخدم أسماء مستعارة متباينة، ولكن بنفس رقم الهاتف، وتضع صورا حصلت عليها عبر الانترنت، مؤكدة أنها تستطيع "نشر صور حقيقية للفتيات اللواتي يعملن لديها، حتى لا يقعن في قبضة أجهزة الأمن بسهولة".

وأكد ماهر، وهو أحد الزبائن المترددين على مقار بيع الهوى لـ"النهار": "إن الراسخين في هذا المجال غالباً لا يستخدمون الإنترنت في الإعلان عن خدماتهم، ولكن هؤلاء ربما يكونون قادمين جدداً، أو ربما بعض القدامى الذين ركدت بضاعتهم".

وأوضح أن "السنوات الخمس الماضية شهدت إقبالاً ملحوظاً على ممارسات جنسية لم تكن شائعة من قبل، ويمثل المتحولون جنسياً عنصر جذب متزايد للراغبين في خوض تجربة غير معهودة، وهو ما يجعل أسعار خدماتهم مرتفعة نسبياً مقارنة بالنساء، ويميل البعض لعلاقة ثلاثية تضم متحولة جنسياً بجانب سيدة طبيعية، وهذا يكلفه المزيد من المال".

جذور العهر

وتشير بعض الدراسات المنشورة إلى أنه قبل عام 1949 كانت تجارة الهوى مباحة قانونياً في مصر، وتم وقف تراخيص ممارسة العهر التي كانت تمنح للنساء العاملات في هذا المجال في العام سالف الذكر، وتم منع جميع أشكال الدعارة في مصر بحلول العام 1951.

ومن أشهر الشوارع التي ما زال ماضيها الممتد في هذا المجال ماثلاً في أذهان المصريين، شارع كلوت بك في منطقة العتبة بالقاهرة، وجزء من شارع محمد علي بنفس المنطقة، والذي كان مشهوراً أيضاً بالموسيقيين والمطربين والراقصات.

ولكن رغم سحب الغطاء القانوني عنها، إلا أن هذه التجارة لم تتوقف يوما، وظلت تعمل في الخفاء، ولجأ بعض المتعاملين فيها إلى الظهور بمظهر محافظ، تجنباً لإثارة الشبهة حولهم، ولكن في نهاية الأمر يتم كشفهم بواسطة جيرانهم، أو بمعرفة الشرطة التي تتبعهم.

وفي الآونة الأخيرة، ظهرت أصوات تطالب بتقنين ممارسة الدعارة هنا، طالما أنها واقع يصعب إغفاله، حسب وجهة نظرهم. ويبرر هؤلاء طرحهم بأنه سوف يحمي المجتمع من انتشار الأمراض، لأن العاملين بهذا المجال لا يخضعون إلى أي كشف دوري، ومن ثم يمكن أن يصابوا بأمراض، وينقلونها إلى زبائنهم، ومنهم إلى آخرين.

ومن أبرز الداعين إلى تقنين بيع الهوى، الكابتة نوال السعداوي، والمخرجة إيناس الدغيدي، لكن مطالبهم تعرضت لرفض قوي في وسائل الإعلام، وفي الدوائر الاجتماعية المتباينة.

ويرى المناهضون لهذه الفكرة، أن تقنين الدعارة يشيع الفاحشة والرذيلة في المجتمع. والمثير للدهشة أن العاملين في هذا المجال يرفضون هذه الفكرة أيضا، لأنها ستجعلهم يخرجون من السر إلى العلن، وهم يخشون تشوه سمعتهم، والإيذاء المعنوي والاجتماعي الذي قد يتعرضون له.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم