الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"إهانة" الشعراوي... عملية نحت "رمز" جديد لم تعد سهلة

المصدر: "النهار"
القاهرة- ياسرخليل
"إهانة" الشعراوي... عملية نحت "رمز" جديد لم تعد سهلة
"إهانة" الشعراوي... عملية نحت "رمز" جديد لم تعد سهلة
A+ A-

واكتسبت السجالات زخماً خاصاً، وسط وجهتي نظر رئيسيتين تتجاذبان قطاعات واسعة من المصريين. إحداهما تميل إلى فكرة تنقية وجدان المواطنين، والمناهج الدراسية، من الشخصيات التي نحتت صورتها من الوهم والأكاذيب التاريخية، واختيار "رموز حقيقية" بديلاً لها، كي تنهض الأمة، مثلما نهض الغرب بعدما أعاد بناء تصوراته وأفكاره. ووجهة النظر الأخرى تدعو لاحترام الرموز الوطنية والتاريخية، وتجريم إهانتها، حفاظاً على الهوية المصرية، وللإبقاء على شعور المواطنين بالانتماء لبلدهم، وخاصة الشباب. 

ونشر موقع "اليوم السابع"، مؤخراً، استطلاعاً للرأي يشير إلى أن 61% منهم أيد فكرة إصدار قانون لتجريم إهانة الرموز التاريخية، فيما رفض 37% منهم هذا الطرح، وأعرب 2% عن عدم درايتهم بالقرار المناسب.

وكانت جامعة دمنهور شهدت، مؤخرا، غضباً طلابيا ضد كتاب "دراسات في تاريخ العرب المعاصر" الذي شارك في تأليفه الدكتور أحمد محمود رشوان، مدرس التاريخ بقسم المواد الاجتماعية بكلية التربية في الجامعة، ووردت في أحد فصوله عبارة تصف الشعراوي بأنه أحد أكبر "دجالين" اثنين ظهرا في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (إلى جانب الداعية عمرو خالد). وعلى أثر الضجة التي وقعت، أحالت إدارة الجامعة رشوان على اتحقيق، وأوقف عن العمل.

الشعراوي كرمز

وتفتح هذه الواقعة المجال للمقارنة بين عملية تكوين أو نحت صورة الرموز داخل عقلية المواطنين، في الماضي والحاضر. وحين ننظر إلى الماضي فقد كانت تتم بعيداً عن الأضواء، والنقاشات العامة، ثم ترسل الصورة جاهزة، من الجهة المسيطرة، التي هي غالباً الدولة، أو رجال الدين، إلى عقلية المواطنين، وتكتمل ملامحها المرغوبة بمرور الوقت، وتأخذ هالة من القدسية، تجعل الاقتراب منها بالنقد أو التصحيح مخاطرة غير مأمونة العواقب.

لكن في عصر تداول المعلومات، وتعدد مصادرها، بات الأمر مختلفا إلى حد كبير. لا توجد صورة واحدة للشخصيات العامة. وعلى سبيل المثال، فإن الإنترنت يكشف صوراً ذهنية متباينة للشيخ الشعراوي، انطبعت في عقول المصريين، وهم يعبرون عنها كتابة، وقولاً، ومشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن تلك الصور:

عالم الدين الذي قال الحق عند "سلطان جائر"، ويذكرون له ما قاله في أيامه الأخيرة للرئيس الأسبق مبارك قبل أن يثور عليه المصريون بسنوات: "إذا كنت قدرنا فليوفقك الله ... وإذا كنا قدرك فليعينك الله على تحملنا".

والداعية الإسلامي الذي يبدأ حياته بقصيدة مديح للملك فاروق الذي أزيح عن الحكم في ثورة 23 تموز 1952.

والشيخ "النوراني" الذي يمسك بكتاب الله ويقول خواطره القرآنية، التي يسرت على قطاع كبير من المصريين فهم القرآن بعبارات سلسلة.

والداعية الذي يدخن لمدة 50 عاماً، ويخالف ما يعلمه للناس من أن التدخين حرام شرعاً، أو في أيسر فتوى مشهورة، فإنه مكروه.

تنقية الرموز

وإذا كان هناك تباين في صور الشيخ الشعراوي بأذهان شرائح من المصريين الذين عاصروه، تكونت نتيجة تدفق المعلومات عبر التقنيات الحديثة، إلا أن هناك صورا متطابقة في عقلية المصريين لشخصيات ورموز تاريخية أخرى، ومنها القائد صلاح الدين الأيوبي على سبيل المثال، وهو ما جعل المجتمع ينتفض من هول الصدمة حين وصفه المفكر والأديب المصري يوسف زيدان، في أحد لقاءاته الإعلامية، بأنه "سفاح".

ويؤكد زيدان لـ"النهار" أنه لا يريد هدم الرموز الوطنية والتاريخية كما يصوره البعض، ولكن تتلخص وجهة نظره في أنه "من الأولى أن تتم تنقية الرموز الحالية، واختيار رموز حقيقية، ساهمت في النهضة والعلم والتنوير، لا شخصيات صنعت من الوهم والأكاذيب التاريخية، وبعضهم سفاحون ومجرمون".

ويعمل الأديب المصري على تحقيق المخطوطات والوثائق التاريخية، وتجاوز ما حققه منها 30 ألف ورقة، وهو ما أتاح له الاطلاع على معلومات عن شخصيات ووقائع تاريخية لم تتح لغيره من المواطنين البعيدين عن هذا المجال.

حرية التعبير

ويقول النائب البرلماني أحمد الطنطاوي لـ"النهار": "بداية كل مواطن له الحق في التعبير عن وجهة نظره ونقد أي شخص، خاصة إذا كان شخصية عامة، أو مسؤولاً. هذه هي القاعدة الأساسية. وهي محمية بالقانون والدستور. وهنا، يجب أن نفرق بين النقد، والاعتداء بالألفاظ. فحين تصف شخصاً بأنه فاشل، فهذا في إطار النقد المشروع لأدائه، أما إذا وصفته بأنه لص، فهذا تعدي على سمعته، وهي جريمة في حقه".

وأضاف الطنطاوي: "وبالنسبة للشخصيات التاريخية، فمن حقنا أن ننتقدها أيضاً. فعلى سبيل المثال، قد يرى باحث أو كاتب أن صلاح الدين لم يكن رجلا عظيما، هذه وجهة نظره، ومن حقه التعبير عنها، فقد يكون مفهوم العظمة لديه له مواصفات تختلف عن مفهوم غيره للعظمة، أما أن يصفه بأنه سفاح، فهذا تجاوز في حق شخصية تاريخية ساهمت في تشكيل وجدان المصريين. وفي رأيي فإن صلاح الدين هو شخصية عظيمة، وما أحوجنا إليه اليوم لنسترد القدس".

وبالنسبة للشيخ الشعراوي، يقول إنه "يمثل من وجهة نظري أعظم داعية إسلامي في العصر الحديث، وهو من علماء الدين المجددين، الذين ينطبق عليهم الحديث النبوي الذي يقول بأن الله يبعث على رأس كل مائة عام شخصية تجدد للأمة الإسلامية دينها. لهذا فإن التعدي على هذه الشخصيات، أو حتى التشكيك فيها، يمثل تعديا على رموز شكلت وجدان المصريين".

وبخصوص أهمية وجود قانون لتجريم التعدي على هذه الرموز، يرى النائب "أنه لا حاجة لمثل هذا التشريع، حيث إن القوانين الحالية تكفل تحقيق هذا الغرض، وسواء كانت الشخصية معاصرة، أو تاريخية، فإن القانون يكفل ذلك".

فقدان الهوية

ومن زاوية التأثير النفسي على المواطنين يقول جمال فرويز، استشاري الطب النفسي لـ"النهار": "إن ما يحدث من إهانة للرموز الوطنية والتاريخية والدينية لا يجري تلقائيا، إنه ليس سلوكا فرديا من بعض الأشخاص، ولكنه أمر منظم تديره أجهزة أمنية، تقول لهذا هاجم هذه الشخصية، ولذاك هاجم تلك، إن الهدف النهائي من ذلك الهجوم والتشويه والتشكيك، هو أن يتم التأثير على الشعور بالانتماء لدى الشباب تجاه وطنهم، وأن يشعروا بأن تاريخهم ورموزهم لا شيء، أو شيء مزري، ومن ثم لا يشعرون بالغيرة على وطنهم".

ويضف عالم النفس المعروف: "أن شعور الشباب بفقدان الانتماء تجاه وطنهم ورموزه لن يجعلهم متحمسين للدفاع عنه، لو قامت حرب على سبيل المثال، فلن يدافعوا عنه بأرواحهم، لأن الأمر قد أصبح بالنسبة له لا يستحق. الشعارات التي يطلقها الساسة لا تفيد في ترسيخ الشعور بالانتماء، الشعور بالانتماء ينتج من إدراك مدى عظمة الوطن ورموزه، وأن كل شيء حتى الروح تبدو رخيصة من أجل الدفاع عنه".




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم