الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"الناخبون الجدد" في الشوف وعاليه لماذا يصوّتون للمجتمع المدني؟

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
"الناخبون الجدد" في الشوف وعاليه لماذا يصوّتون للمجتمع المدني؟
"الناخبون الجدد" في الشوف وعاليه لماذا يصوّتون للمجتمع المدني؟
A+ A-

48 ألفاً و769 ناخبا جديدا يقترعون للمرة الأولى في الانتخابات النيابية في دائرة جبل لبنان الرابعة. لا يتأثر غالبية هؤلاء بالسياسة، وفق ما تظهر استطلاعات الرأي، بل تجذبهم اهتماماتٌ حياتية مختلفة، وبعضهم لا يعرفون أسماء الوزراء والنواب، ويجهلون شعارات الأحزاب السياسية. وتتعدّد مشاغل الجيل الجديد، ومنها ما يرتبط بشراء منزل وانجاز مشاريع شخصية. وتختلف قيمهم الاجتماعية التي باتت تعتمد على منطق حرية التعبير عن الذات. ولا تهتم فئة كبيرة من الناخبين الجدد بممارسة حقّهم في الاقتراع، وتنبع لا مبالاتهم من اعتبارات عدة، منها قلّة فرص العمل وأفول نجم الخطب الرنانة المبنية على منطق محاربة الفساد والبلاغة في الحديث عن العفّة، والتي باتت تنتج "وشوشات" في صفوف "الزقّيفة" أنفسهم وتثير سخريتهم المستترة.  

ولا يعني ذلك أن "الجيل المقترع الجديد" سينتخب في كليته خارج صندوقة الأحزاب التقليدية، ذلك أن المذهبية والذهنية الريفية والخوف من السير عكس التيارات مسيطرة بقوة. ويبقى أولئك الذين ترعرعوا في بيئة حزبية وانغمسوا في أجوائها، الأكثر قابلية للتصويت للخيارات التقليدية تأثراً منهم بمحيطهم المجتمعي. لكن لا شك في أن خيبة الشباب وبحثهم عن متنفسٍ يشبههم، أسباب فكّكت ارتباط بعضهم العاطفي بالتقليد وجعلهم ينجذبون الى عناصر مجتمعية جديدة ظهرت في فلك الاستحقاق الانتخابي عرفت تحت مسمّى "المجتمع المدني"، تشبههم وتتحدّث عنهم، أو على الأقل تتقن لغة تواصلهم.

وفي المقابل، تتأثر فئة واسعة من الناخبين الجدد بالخيارات التقليدية، وترجع الاسباب الى وراثة النهج السياسي العائلي وقدرة الشخصيات الحزبية على جذبهم مذهبيا وعقائديا وخدماتيا، بحكم تجذرهم في القرى حيث هم، فيما لا يزال البعض يشكك في هوية المجتمع المدني وأهدافه ومدى قدرته على التغيير، وهي تساؤلات مشروعة.

مضت تسع سنوات على ولاية المجلس النيابي الممدد له. كان البلد منقسماً آنذاك بين 8 و14 آذار، وبات اليوم أشبه بـ"خبيصة تحالفات". تحوّلت القضية من انقسام سياسي عمودي الى انقسام بين مؤيدي "التغيير المدني" ومعارضيه. تأثير مواقع التواصل الاجتماعي كان محدوداً وأضحى اليوم جوهرياً. كلّها عوامل أنتجت فرق جديدة في صفوف الناخبين، ينتخبون منهم للمرة الأولى. وبصرف النظر عن حجم هذه الفرقة، لا بد من التوقف عندها وسؤال عناصرها عن الأسباب التي أدت الى ولادتها. تجمّع هؤلاء في الشوف وعاليه تحت سقف لائحتي "مدنية" و"كلنا وطني".

في هذه المقالة، نتوقف عند "مدنية"، إحدى الفرق التغييرية في المنطقة المشكلّة من 8 وجوهٍ مستقلة مرشحة للانتخابات، وهي توالياً: الياس الغريّب، اليان القزي، شكري حداد، مايا ترو، مارك ضو، فادي خوري، مروان المتني ورامي حماده.

لماذا "مدنية"؟

تسأل "النهار" مجموعة شباب يقترعون للمرّة الأولى عن الأسباب التي دفعتهم الى دعم لائحة "مدنية" واتخاذ قرار التصويت لمصلحتها. وماذا عن آراء أصدقائهم ومحيطهم العائلي؟

رامي أبي جمعة (درزي – 30 عاماً، خرّيج الجامعة الأميركية في بيروت):

"حاولنا في خضم المرحلة الجامعية تشكيل مجموعات طالبية دفاعاً عن أولويات محقّة منها تكافؤ الفرص ونبذ الطائفية والزواج المدني. وجدنا أن أفكارنا تطوّرت من خلال مجموعة "مدنية" سعياً الى تنفيذها جدياً في مجلس النواب. لا ترتبط "مدنية" بصبغة حزبية تقليدية، وهذا ما يجذب الشباب اليها. نعيش من دون كهرباء وماء وخدمات، الى جانب معضلة الطائفية التي تفتك بنا، ما يدفعنا الى البحث عن خيارٍ تغييري. يجد بعض أقربائي وأصدقائي في الجبل أن الزعماء مصدر حمايةٍ لهم، وفق مبدأ التخويف من الآخر. لم يصلوا الى درجة وعي تخوّلهم قياس الأمور بشفافية. كما أن عدم حيازة عدد من الشبان شهادات جامعية يقلّص درجة وعيهم ويضاعف ولاءهم للزعيم".

جوانا القزي (مارونية – 26 عاماً، خرّيجة جامعة القديس يوسف):

"قررت التصويت لـ"مدنية" للسبب نفسه الذي حمّسني لدعم لائحة "بيروت مدينتي" البلدية. رأيت فيهم شبابا يحبون وطنهم، ملؤهم التجدد، ويسعون الى تنفيذ مشاريع حقيقية. يؤيّد جزءٌ من أصدقائي "مدنية" ومنهم من لا يزال متأثراً بالأحزاب التقليدية، نظراً الى التربية المنزلية. هؤلاء ورثوا رأيهم السياسي من الأهل، بعكس أولئك الذين كونوا رأيهم السياسي بحرية بعيداً من التعصب العائلي".

هلا الهبر (أرثوذكسية – 27 عاماً، خرّيجة جامعة البلمند):

"قررت التصويت لمصلحة المجتمع المدني قبل التعرّف الى لائحة "مدنية". فقدت الأمل بالأحزاب، ووجدت أن برنامج "مدنية" الانتخابي يشبه تطلعاتي. هم شبّان يشبهوننا ولمست فيهم قدرة على التغيير الحقيقي. يشاركني الرأي أشقائي واصدقائي، وقد اختاروا التصويت لمصلحة "مدنية"، بعدما سئموا الأحزاب وفتّشوا عمن يفكّر مثلهم".

رامي باز (درزي – 30 عاماً، خرّيج الجامعة الأميركية في بيروت):

"تخرّجت في الجامعة الأميركية - بيروت، وحتى اليوم لم أجد عملاً لأنني أرفض الخضوع لمنطق الوساطة. أنفق والدي أموالاً طائلة على تحصيلي العلمي. لا أعي لماذا أحتاج الى تأشيرة من سياسي لأحصل على وظيفة؟ إنه حقّي. لا يمكن الاستعراض والعيش على أمجاد الماضي، ونحن اليوم لا نساوي شيئاً. ليس ممكنا في منزلنا اللعب على الوتر الطائفي. نحن منفتحون وعشنا مع جميع الطوائف، ولا ينجح استخدام شماعة العصب الطائفي لخداعي وإخافتي من بقية المذاهب. اخترت لائحة "مدنية" لأنني وجدت نفسي أصوّت لمشروع. كثيرون من أصدقائي يفكرون مثلي، ومنهم ينجذبون للأحزاب التقليدية. الاعتراضات كبيرة من مناصري الأحزاب في الشوف وعاليه، وأعتقد أن أكثر من نصف الشباب يتجهون اليوم الى التصويت لمصلحة "مدنية".

محمد شلبي (سني – 27 عاماً، خرّيج معهد مهني):

"لا أتبع أي تيار سياسي، ولم أتابع دراستي الجامعية. الواقع الطائفي الذي نعيشه يدفعنا الى تبني خيارات جديدة، ذلك أنه مسؤول عن المشاكل في لبنان. وجدت في لائحة "مدنية" حدا منا. يعبّر المرشحون عنا على أمل أن تتحوّل الأقوال الى أفعال في حال النجاح. لكن تركيبة البلد مبنية على الأحزاب التقليدية، وقد يواجه الفريق المدني الكثير من الصعوبات اذا أراد تأسيس حالة سياسية جديدة".

جوناثان داغر (كاثوليكي – 27 عاماً، خرّيج الجامعة الأميركية في بيروت):

"تحالفات لائحة "مدنية" المستقلة جذبتني اليهم. تمويلهم واضح ومشروعهم معروف. اخترت التصويت للمجمتع المدني بدلاً من الأحزاب، بعدما شاركت في تظاهرات سنة 2015 للمطالبة في جمع النفايات عن الطرق، واذا بالسلطة ترد علينا بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع. سيقترع معظم أصدقائي لمصلحة المجتمع المدني، لكنني أصادف أيضاً بعض الشبان الذين لا يؤمنون بإمكان التغيير، فيجدون أنفسهم مجبرين بالأحزاب، ومنهم من يشككون في المجتمع المدني أو يعتبرونه غير منظم، ومنهم من لا يقترع لعدم اهتمامهم بالسياسة".

جو حلو (ماروني – 28 عاماً، خريج جامعة الروح القدس الكسليك):

أميل الى التصويت للمجتمع المدني وأسعى الى إيصال وجوه جديدة تشبهنا في البرلمان. من هذا المنطلق، قررت التصويت لمصلحة لائحة "مدنية" في الشوف – عاليه. أجد أن أكثرية جيل الشباب بدأت تتأثر بالمجتمع المدني وتعي مصلحتها.

دانا عابد (درزية - 22 سنة، خرّيجة الجامعة الأميركية في بيروت):

وجدت تجانساً بين مرشحي لائحة "مدنية". هي بمثابة نهج سياسي أكثر منها لائحة مشاركة في الانتخابات. وكنت قد تابعت نشاط مارك ضو منذ سنة 2013. تاريخه أبيض ويمثّل طموح الشباب في مسائل تتعلّق بالحرية الشخصية واللاجئين والخصخصة. ينجذب الجيل الجديد الى المجتمع المدني الذي يعتبر بمثابة طرح جديد في منطقة لم تتوافر فيها خيارات متعددة في السابق، وهذا ما يلاقي استحسان المواطن الذي يبحث عمن يمثله. سيصوت أصدقائي أيضاً لمصلحة "مدنية" ولكن يبدو أن كبار السن سيذهبون في اتجاه خيار تقليدي، اذ إن هناك اختلافاً في الخيارات بين الجيل القديم والجيل الجديد.


لماذا الخيارات التقليدية؟

في المقابل، تتجه فئة أخرى من الشباب تصوت للمرة الأولى الى الاقتراع لمصلحة الخيارات التقليدية، وهذا ما عبّر عنه لـ"النهار" رؤساء بلديات عدد من القرى في الشوف وعاليه الذين فسّروا الأسباب التي لا تزال تربط الناخب بالتقليد.

يقول رئيس بلدية دير دوريت أنطوان سعاده في هذا الصدد إن "تأثر فئة من عنصر الشباب بالشخصيات السياسية التقليدية يرجع الى تمتعها بتراث سياسي معيّن، والوضع العام في لبنان يحتم ارتباط الشبان بشخصيات على صلة بالوزارات الخدماتية في البلد، نظراً الى الحاجة الى مساعدتهم. ونجد في فئة أخرى من الشباب حبّا للتغيير، ولكن الطريق متعرّجة أمامهم والجيل الجديد مضعضع ويحتاج الى توجيه جامعي وثقافي، والمجتمع المدني يحتاج الى توحيد".

ويشير رئيس بلدية بعورته عدنان العريضي لـ"النهار" الى أن "تأثر شريحة من الشباب بالأحزاب التقليدية ينتج من العصبية والتبعية التي لا تزال تؤثر في الناس نتيجة الحرب الأهلية، ما يجعلها تثبت على انتمائها الحزبي الذي يعدّه البعض نضاليا، وتجدهم لا يخطون خطوات جديدة، بل يحافظون على مكانهم وانتماءاتهم. صحيح أن جزءا من جيل الشباب لديه توجه نحو شخصيات مدنية، لكن الأحزاب التقليدية لا تزال تشكل أكثرية والمسألة تحتاج الى وقت للتغيير، خصوصاً أن المهلة بين تشكيل اللوائح وموعد الاستحقاق ليست كافية أمام المجتمع المدني للعمل أكثر على صوغ التحالفات وخوض غمار الانتخابات".

من جهته، يقول رئيس بلدية معاصر بيت الدين ناجي عبود إن "تأثر عنصر الشباب من الناخبين الجدد بالأحزاب التقليدية يرجع الى تأثر الشبان بعضهم ببعض. اذ لا يزال المواطن في لبنان يريد ان تصل ربطة الخبز الى منزله، وعليك ان تبادله السلام وتزوره وتتقرّب منه حتى تكسب صوته، وهذا ما يفسّر تصويت عنصر من الشباب الى جانب الأحزاب حيث نجد في القرى تكتلات حزبية، اذ ان الاستمرارية تتم بواسطة حزب أو تكتل معين".


ويرى رئيس بلدية غريفة السابق كامل بو حمدان أن "تأثر شريحة من الشباب الذين يقترعون للمرة الأولى بالأحزاب التقليدية يرجع الى التأثر بالبيئة العائلية. ويقلّد الإبن سلوك الأب بشكلٍ عام، ويلجأ الى مبايعة أي زعيم تختاره العائلة وهو ما يسمّى بوراثة النهج السياسي. وهؤلاء يتأثرون بمقولة أن أي مشكلة تصيب زعيم طائفتهم تصيبهم على اختلاف انتماءاتهم السياسية. فطريقة التفكير متشابهة رغم اختلاف الأحزاب الفاعلة. واذا كانت الأحزاب التقليدية لا تزال تشكّل أكثرية في المنطقة الا ان شريحة واسعة متؤثرة بالمجتمع المدني نتيجة النقص الانمائي وعدم الاهتمام بالقرى".

ويشير رئيس بلدية عيتات صلاح التيماني لـ"النهار" الى أن "ارتباط شريحة من الشبان بالأحزاب التقليدية مرتبط بالتاريخ. ويتحدّث البعض عن المحاسبة والرغبة في التغيير لكنهم يعودون ويصوّتون للخيارات التقليدية. ولكنها المرّة الأولى يدخل عامل المجتمع المدني على الخط والانتخابات تكشف النتائج في ظل معاناة المواطن من الظروف المعيشية الصعبة".

بدوره، يقول رئيس بلدية محطة بحمدون أسطة أبو رجيلي لـ"النهار" إن "تأثر شريحة واسعة من الشباب بالأحزاب في المنطقة يرجع الى الكوادر والتنظيمات والقدرة المالية وعملها على الأرض. فيما تسرع المجتمع المدني في الترشح الى الانتخابات، وكان لديه وقت لبلورة وجهة نظره أكثر وتشكيل قوى ظل".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم