الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

اقتصاد البيئة والكلفة الاقتصادية للنفايات

المصدر: "النهار"
د. ايمن عمر- باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية
اقتصاد البيئة والكلفة الاقتصادية للنفايات
اقتصاد البيئة والكلفة الاقتصادية للنفايات
A+ A-

يعرف علم الاقتصاد على أنه: " العلم الذي يبحث في الاستخدام الأمثل للموارد المادية والبشرية بهدف تحقيق أكبر ربح ممكن ، أو إشباع الحاجات الإنسانية بأقل تكلفة ممكنة". فالمفهوم الكلاسيكي لعلم الاقتصاد لا يأخذ الجانب البيئي بعين الاعتبارفي النشاط الاقتصادي، فالاستخدام الأمثل للموارد وفق المفهوم الكلاسيكي يعني الموارد التي تقيّم نقدياً في السوق ، وتستخدم في العملية الإنتاجية ، ولا تعتبر الموارد الطبيعية أصولاً إنتاجية . ومع التدهور الذي أصاب البيئة نتيجة هذا النمط الاقتصادي، خصوصاً بعد دق ناقوس الخطر،بدأ التوجه إلى نمط اقتصادي حديث يراعي البيئة يطلق عليه "الاقتصاد الأخضر أو الاقتصاد البيئي" كتوليفة تجمع بين الهدف الاقتصادي مع المحافظة على البعد البيئي . ومنه ظهر ما يسمى بعلم اقتصاد البيئة ، الذي يعني تسخير علم الاقتصاد بغية الاستخدام الأمثل للموارد البيئية بكل أبعادها ، بهدف تعظيم الربح وإشباع الحاجات الإنسانية بأقل تكلفة " اقتصادية وبيئية ". هناك ثمّة تناوب بين النمو الاقتصادي والتدهور البيئي, ففي حين يؤدي التدهور البيئي لآثار سلبية على النمو والنشاط الاقتصادي, فإن هذا النشاط نفسه سبب في هذا التدهور. كما أن التراخي في الرقابة على التلوث البيئي سيؤدي بشكل غير مباشر لكبح النمو المستقبلي نتيجة للأضرار الناجمة للتدهور البيئي على أنشطة اقتصادية كالزراعة والسياحة وقطاعات الصحة والبنية التحتية. ولقد أدى مزج البعد البيئي بالإطار الاقتصادي إلى تغير مفهوم التنمية الاقتصادية من مجرد زيادة استغلال الموارد الاقتصادية النادرة لإشباع الحاجات الإنسانية المتعددة والمتجددة إلى مفهوم "التنمية المستدامة " والتي تعرف بأنها التنمية التي تفي باحتياجات الحاضر دون التعدي على حق الأجيال القادمة في تحقيق متطلباتهم.

النفايات: الموت البطيء

على الرغم من وجود أزمة فعلية للنفايات منذ سنين في لبنان، لكنها لم تظهر إلى العلن إلا في العام 2015. توجد النفايات في كلّ المناطق اللبنانيّة حتى قبل إقفال مطمر الناعمة – عين درافيل. وقد تحوّل لبنان بفعلها مكبّاً واسعاً تتجمّع فيه شتى أنواع الأوساخ بطريقة عشوائيّة، باعثة جملة من الجراثيم والأوبئة والأمراض التي تهدّد الصحّة العامّة للمواطنين. محيطنا وما يحتويه أصبح عنصراً أساسياً للتسبّب بالأمراض السرطانيّة وغير السرطانيّة مثل الحساسيّة، الأمراض الجلديّة، الأمراض التنفسيّة والرئويّة، الإسهال والالتهابات، الأوبئة المختلفة مثل الملاريا والتيفوئيد والكوليرا وأخيراً الكوكزاكي (من الفيروسات التي تسبّب الإسهال لدى الأطفال). نسبة الديوكسين المسرطِن ارتفعت في أجواء المناطق التي تشهد عمليات حرق للنفايات. البعوض والحشرات شكلت إمارات في بعض شوارعنا، مياهنا الجوفية في خطر، أما الأنهر فباتت مزينة بسدود سامة ومسرطنة، حتى الهواء النظيف سلبته منّا سياسة العجز والفشل وبات كريهاً ومضراً. إنّ حرق النفايات مستمر، وهو بدوره يحمل سموماً ومعادن ثقيلة . النفايات مكوّنة من مواد عضوية تتفكّك، وأخرى لا تتفكّك كالبلاستيك والزجاج والحديد، والمكوّن الثالث هي مواد سامة التي تنتجها المعامل والمستشفيات، وبعد تساقط المطر على النفايات تتشكل الرواسب السامة وتصل عبر المجاري والأنهر والسواقي إلى البحر وهنا المشكلة. ان المواد السامة من النفايات ستقضي على الثرورة البحرية. المواد العضوية عندما تصل إلى البحر وتبدأ بالتفكك، تتحول إلى ما يشبه السماد العضوي، وذلك يؤثّر على نسبة الاوكسجين في المياه، ومن شأنها تشجيع تنامي الطحالب والبكتيريا، ومن المعروف أن الطحالب تسحب الاوكسجين من المياه ليلاً ما يضرّ بالثروة البحرية. المياه الجوفية في وضع كارثي، ولم نستطع أن نستبق الكارثة، اليوم اصبحنا نسمع بأمراض جرثومية لم نكن نسمع بها من قبل، والتسمم غذائي كان شائعاً بالصيف لكننا بتنا نسمع به في فصل الشتاء، ما يؤكد ان الوضع كارثي. تتسرّب رواسب النفايات وجراثيمها إلى المياه الجوفيّة، مع كميّات الأمطار الكثيرة التي تتساقط في فصل الشتاء، وتالياً ستتلوّث المناطق الزراعيّة الساحليّة التي تُروى من هذه المياه.

الحل الأمثل لمعالجة النفايات

تندرج معالجة النفايات في إطار سياسات التنمية المستدامة، وهي اليوم مقياس لسلامة البيئة والإدارة الرشيدة. من طرق التخلص منها ما يلي:

- الترميد : وهي عملية حرق المواد العضويّة في النفايات الصّلبة وتحويلها إلى رماد، وغاز، وحرارة، ويُستفاد من الحرارة الناتجة عن الحرق في إنتاج الطاقة الكهربائيّة. من مزايا ترميد النفايات أنّها لا تلوّث المياه الجوفيّة، وأنَّ المحارق لا تشغل حيزاً كبيراً من الأرض، في المقابل فإن المحارق مُكلفة نوعاً ما، كما أنها تلوِّث البيئة، وتخلِّف ما يقرب من (10%) من النفايات التي لا يمكن حرقها، والتي يجب التخلص منها بطريقة أخرى.

- الدفن أو الطمر : من طرق التخلّص من النفايات الصّلبة بطرحها في مدافن، أو حُفَر يتم تجهيزها لهذا الغرض، إذ تُبطَّن الحفر بالطين والبلاستيك لضمان عدم وصول السَّوائل التي ترشح من النفايات إلى التربة، وتُجمع المواد الراشحة، وتُعالج بمواد كيميائيّة حتى لا تلوِّث مصادر المياه. عند امتلاء هذه الحفر تُغطى بطبقة من التربة والطين لمنع وصول مياه الأمطار إليها، ويمكن الاستفادة من المنطقة باستخدامها كمناطق للتنزه أو كمناطق للترفيه.

- إعادة التدوير : أي إعادة استخدام المخلّفات لإنتاج مواد جديدة، ومن مميزات هذه الطريقة أنها تقلل من الحاجة إلى موارد جديدة، كما أنَّ الطاقة اللازمة لإعادة تدوير المواد تكون أقل من الطاقة اللازمة لإنتاج منتج باستخدام مواد جديدة، والأهم من ذلك كله أنَّ إعادة التدوير تقلل من كميّة النفايات التي تتطلب التخلّص منها بالحرق، أو الدفن.

- تحويل النفايات إلى أسمدة عضويّة: تعتمد هذه الطريقة على تجميع بقايا فضلات المطبخ، وتركها مكشوفة لتبدأ البكتيريا الهوائيّة، والحشرات، والديدان، والفطريات بتحليل المواد العضويّة فيها، مع الحرص على تقليب الفضلات بين فترة وأخرى للسماح للأكسجين بالتخلُّل بين الفضلات حتى لا تلجأ البكتيريا للتحلّل اللاهوائي الذي يُنتج غاز الميثان، وغازات أخرى تسبب رائحة غير محببة. عند انتهاء عملية التحلل تتحوّل الفضلات إلى سماد حيوي - يُسمى أحياناً الذهب الأسود- يمكن خلطه بالتربة، أو وضعه حول النباتات.

- التفكك الحراري: هذه التقنية الشائعة عالمياً يبدو أنها الحل لمشكلة المطامر العشوائيّة والمضرّة للبيئة والحل لمشاكل معامل التسبيخ القائمة. بداية ان المعمل الذي يلغي المطمر، الذي باستطاعته معالجة العوادم كلياً يجب أن يتضمّن الآتي: 1- غرفة أساسية تتألف من طبقتين الاولى لحرق النفايات والثانية لحرق الانبعاثات تحصل بداخلها عملية التفكك الحراري. 2- مجموعة من الفلاتر والأجهزة والمفاعل الكيميائية التي تقوم بتفكيك الغازات وتقنية الانبعاثات التي تضمن احترام أعلى المعايير البيئية Norm 2000/76 EU.

أعلن مجلس الوزراء أنه قرر اعتماد معامل التفكك الحراري لمعالجة النفايات في جميع المناطق، وسيتم تحديد مواقعها. فهل ستتخذ قرارات عملية لمعالجة هذه الكارثة البيئية أم أن الموت البطيء قادم لا محالة؟؟؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم