الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

شرعية أنظمة أو فوضى

المصدر: "النهار"
رلى دشتي - وزيرة ونائبة كويتية سابقة
شرعية أنظمة أو فوضى
شرعية أنظمة أو فوضى
A+ A-

لا شك إن الفوضى وعدم الاستقرار والإحباط الذي نشهده الآن في عالمنا العربي وتراكم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في الفقر والبطالة والتفاوت في توزيع الدخل، إنما هي نتيجة لتضافر مجموعة من الأسباب الجذرية تتلخص في عوامل عدة تتمحور حول: 

• أنظمة غير مؤمنة بالإصلاح وغير جادة في اتخاذ السياسات الإصلاحية المطلوبة ما لم تجبر على ذلك.

• سوء الإدارة الحكومية وضعف مؤسساتها وغياب الحوكمة الرشيدة.

• مشاكل عميقة في الفساد والمحسوبية.

• نظام اقتصادي غير فاعل وفاسد، وقطاع خاص أجبر على الخمول والاتكالية على الدولة وعدم الإبداع والابتكار.

• منظومة تعليمية غير قادرة على مواكبة تطورات واحتياجات الثورة الصناعية الرابعة.

• ضغوط ديموغرافية (حولت الثروة الديموغرافية إلى عبء ديموغرافي)، وقوه عاملة غير مؤهلة في شتى المجالات التنموية.

فمن غير المقبول للمنطقة العربية التي تعتبر سابع اقتصاد في العالم (2.45 تريليونا دولار)، وتمتلك موارد طبيعية ضخمة (حوالي 50% من احتياطي العالم من النفط الخام، و30% من احتياطي العالم من الغاز الطبيعي، و45% من الفوسفات وموارد منجميه أخرى،)، و200 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، أن يكون حوالي 40% من سكانها فقراء (150 مليون عربي يعيشون في فقر منهم 50 مليون طفل)، و40 مليون عربي يعيشون على اقل من 2 دولارين في اليوم، و90 مليون عربي متأثرين بالحرب مباشرة، ولديها بطالة متعلمين شباب تقارب 30%، و65 مليون عربي لا يقرأ ولا يكتب، وتراجع مستمر في دخل الفرد من الناتج المحلي خلال السنوات الماضية، وارتفاع في الدين العام الخارجي للناتج المحلي حتى وصل إلى حوالي 950 بليون دولار، وتراجع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 60% خلال العشر السنوات الماضية بسبب ارتفاع المخاطر الجيوسياسية وعدم اليقين بشأن الأوضاع السياسية والسياسات الإصلاحية. باختصار إننا ندفع غرامة عالية للحفاظ على الوضع الراهن، وكما قال اينشتاين "إن الاستمرار في تكرار نفس التصرف وتوقع نتيجة مختلفة لهو ضرب من الجنون".

وعليه، فان الخروج من مشاكل البطالة والفقر والتفاوت في توزيع الدخل وما صاحب ذلك من حالة الفوضى وعدم الاستقرار والإحباط، يتطلب حلولاً ناجعة تواكب متطلبات الثورة الصناعية الرابعة وتدفع عجلة التنمية إلى الأمام وتساهم في معالجة التخلف الاقتصادي والإداري وترسخ للانتقال الى الممارسة الديموقراطية الحقيقية. ويمكن في هذا الصدد، تحديد بعض الإجراءات والسياسات الأساسية على النحو الآتي:

• التزام وإيمان الأنظمة والحكومات بالإصلاح ومكافحة الفساد والمحاسبة والحد من المحسوبية

• تطوير نظم الإدارة العامة واعتماد الحوكمة الرشيقة للتكيف مع بيئة جديدة وسريعة التغير ووضع السياسات التي تتكيف مع، وتتمحور حول الإنسان، وتكون شاملة ومستدامة.

• اتخاذ نظرة شمولية لسياسات الإصلاح المالي والاقتصادي مع زيادة الاعتماد على القطاع الخاص باعتباره المحرك للنمو والتحول؛ وكذلك تفعيل وتوسعة دوره داخل الاقتصاد، آخذين بالاعتبار حماية مصالح المواطن وتمكينه من التملك في الأنشطة الاقتصادية التي يتم تحويلها، وسد فجوة عدم الثقة المتزايدة بالقطاع الخاص من قبل المواطن، مع تحديد أولويات للسياسات وتسلسل الإجراءات بطريقة تجنب مخاطر التنفيذ.

• تطبيق حوكمة الشركات وتخفيف المعوقات التنظيمية والمتطلبات الإدارية وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار للتشجيع على استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة.

• دعم وتمويل المشروعات الصغيرة ومتوسطة الحجم وتمكينها من استخدام تكنولوجيات جديدة وتطوير الابتكار في إطار الثورة الصناعية الرابعة التي تهيمن عليها النظم والمنتجات الذكية والبيانات ضخمة الحجم.

• العمل على تغيير منهجي في التعليم بتطوير التعليم بما يخدم الابتكار والتعليم الرقمي والتدريب، ليواكب متطلبات الثورة الصناعية والتي تتضمن مجالات متعددة التخصصات (الإنسان والمجتمع، والطبيعة والتكنولوجيا، واللغة والثقافة)، بالإضافة إلى الاهتمام بتعليم المهارات غير المعرفية non-cognitive skills التي تختص بدوافع القيم والنزاهة والتفاعل المجتمعي والديموقراطي، وإبعاد السياسة عن التعليم.

• تطوير وتحسين أداء ومرونة سوق العمل بما يتماشى مع معطيات ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة والتي تعتمد على الذكاء الصناعي والروبوتات للقيام بالأعمال في شتى المجالات والقطاعات الاقتصادية. بالإضافة إلى العمل على تحسين الإنتاجية من خلال الاستثمار في العنصر البشري وتأهيله للتعامل مع متطلبات بيئة الأعمال التكنولوجية والرقمية، وتطوير مهارات ريادة الإعمال.

• الدفع بالعمل على التكامل في الاقتصاد العربي وتذليل المعوقات لتفعيل السوق العربية المشتركة التي سوف تدخل حيز التنفيذ في 2020.

• التصدي لأزمة نقص وعدم كفاية الموارد المائية من خلال استحداث مواد متقدمة لإنتاج مصادر جديدة للمياه، وإيجاد نظم لامركزية لإعادة استخدام المياه، واستخدام التكنولوجيات الحديثة كأدوات للإنذار المبكر لمتابعة تراجع مستوى المياه في مكامنها الطبيعية، نظراً لتدهور محتوى هذه المكامن.


وفي الختام، فإن النظرة المستقبلية على المدى القصير والمتوسط، تتسم بزيادة المخاوف الأمنية وارتفاع حالة الفوضى والاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي. وإن النمو الاقتصادي البطيء والضيق النطاق هو النتيجة الأكثر احتمالاً في غياب إصلاحات اقتصادية جذرية ومستدامة ومكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة الرشيدة، والتي قد يؤدي التأخير في إنجازها إلى حجب الشرعية عن الأنظمة. 

*ألقيت هذه الكلمة في مؤتمر "فكر" في دبي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم