السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

طرابلس بين عاصمة اقتصادية مرجوّة وواقع اجتماعي كارثي

المصدر: "النهار"
د.أيمن عمر- باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية
طرابلس بين عاصمة اقتصادية مرجوّة وواقع اجتماعي كارثي
طرابلس بين عاصمة اقتصادية مرجوّة وواقع اجتماعي كارثي
A+ A-


                              

عاشت طرابلس لأكثر من خمس سنوات حالة من الفلتان الأمني أثّرت على كل نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فازدادت نسبة البطالة والعديد من المؤسسات والشركات أعلنت إفلاسها وخلت شوارعها من الزائرين من خارج المدينة. فقل تدفق الأموال في دورتها الاقتصادية. وهي مازالت إلى الآن تعاني التداعيات الكارثية لهذه الأحداث على الواقع المعيشي والاقتصادي، ناهيك عن خسارة الكثير من العائلات ابناءها، إما قتلاَ أو سجناً أو تهجيراً، ففقدت طرابلس طاقاتها الشبابية والعلمية الفعالة، بالإضافة إلى غياب مشاريع الدولة التنموية المتوازنة وما توفّره من فرض عمل كريمة وتأمين بنى تحتية ملائمة لجذب رؤوس الأموال والاستثمارات. كل هذه العوامل جعلت الوضع الاقتصادي والمعيشي في طرابلس كارثياً بكل ما للكلمة من معنى. ويؤكد هذا الواقع دراسات البنك الدولي بتصنيفه طرابلس المدينة الأكثر فقراً على ساحل المتوسط، واكثر من نصف سكانها يعيشون تحت خط الفقر.

التقرير الأخير للبنك الدولي في العام 2017 حول طرابلس والصادر تحت عنوان "فرص العمل لشمال لبنان"، يقول إن الشمال يضم الاكثرية المطلقة من عدد الفقراء في لبنان، ما يعادل نحو 290 الفاً أو ما نسبته 36 في المئة من عدد اللبنانيين، وهو معدل أعلى بكثير من المعدل الوطني. ويلفت التقرير إلى أن نحو 90 في المئة من العاملين في العاصمة الثانية، يعملون في قطاع غير رسمي (أو غير قانوني). وهم غير مسجلين في الضمان الاجتماعي، ويشكّلون نحو 38 في المئة من القوة العمرية العاملة من سكان طرابلس. ويقول التقرير إن الشمال يواجه ضعفاً قوياً في الاقتصاد الذي يراوح ما بين زراعي وعقاري (يتركز ذلك في الأقضية المحيطة بطرابلس، فيما الصناعة والتجارة والخدمات مركزة في العاصمة الثانية)، معطوفاً على أوضاع سياسية واجتماعية غير آمنة، وهو ما جعله بيئة لـ"تهريب الاستثمارات والكفاءات إلى الخارج". كما أن ضآلة مشاريع الاستثمار تتسبب في خفض نسبة التوظيف، بحيث يفوق عدد طلبات العمل حجم العرض. فهناك 54 في المئة من الموظفين يعملون لصالح شركات لا يتجاوز عدد عمالها 9 أشخاص، و41 في المئة يعملون لصالح شركات لا يتعدى عدد عمالها 5 موظفين. وحتى إن توافرت فرص العمل من قبل شركات القطاع الخاص، فهي دون مستوى كفاءة معظم طالبيها. ويرى التقرير أن من أسباب الضعف أيضاً، عدم التوافق بين الشهادات التعليمية وبين فرص العمل المعروضة. ويشدّد على وجوب إزالة هذا المعوق، وصولاً إلى توفير إنتاجية أكبر وأفضل. ويتطرّق إلى مسألة مهمة، وهي أن البحث عن سوق العمل يعتمد بالدرجة الأولى على المعارف الشخصية. فيما النظرة الايجابية لهذا الأمر، تكمن في مرونة العمال الذين يوافقون على أعمال حتى بغير الشهادات التي يحملونها.

ووفق إحدى الدراسات ترتفع نسبة الأميّة في محافظة الشمال (بما فيها محافظة عكّار الحالية) إلى 8%، علماً أن نسبة بيروت هي 5.6%. وفي بعض أحياء طرابلس، تأتي الأرقام مختلفة. إذ يصل معدّل الأمية إلى 23% في القبّة و20% في أبي سمرا و8% في المدينة القديمة.

وقد أظهرت دراسة International Poverty Center حول النمو وتوزيع الدخل في لبنان أن الفقر ترتفع نسبته في مدينة طرابلس لتشمل 57% من مجمل سكانها. في حين أن نسبة العمالة لدى الأطفال دون سنّ 18 عاماً هي 13% في لبنان، تضمّ الفيحاء 3/1 من مجمل الأطفال العاملين في لبنان. وفي دراسة أعدتها "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (الإسكوا) بالتعاون مع "برنامج الامم المتحدة الإنمائي" ووزارة الشؤون الاجتماعية، عام 2015، للبحث في مستويات المعيشة لعاصمة الشمال طرابلس، ظهرت أرقام مروعة عن حجم الفقر داخل أحياء المدينة وأزقّتها. وبحسب دراسة الاسكوا فقد تخطت نسبة الذين يعيشون ضمن ظروف صعبة، 75% من عدد سكان مدينة طرابلس الذين يبلغ تعدادهم نحو 600 الف نسمة، حيث ترتفع النسبة إلى 90% في بعض الأحياء، مثل باب التبانة وحي التنك ومنطقة السويقة، بالاضافة إلى أن نحو 23% من السكان يقبعون تحت خط الفقر حيث يبلغ دخلهم اليومي أقل من دولارين. وتعتبر باب التبانة أكثر المناطق في طرابلس تقدماً ضمن مؤشر الحرمان بنسبة 91 % استناداً إلى تقرير الألفية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

 واستناداً إلى دراسة لمؤسسة البحوث والاستشارات، فإن حوالى 73% من الأسر في طرابلس لا تملك أي نوع من التغطية الصحية، فيما تبلغ هذه النسبة أقصى مستوياتها في مناطق التبانة، إذ تقدّر بـ90%. وتكثر أعداد الوفيات. إذ بيّنت إحدى الدراسات أن نسبة وفيات الأطفال دون الخمس سنوات بلغت 53 وفاة بين كل ألف طفل. وأفادت آخر دراسة عن الفقر في طرابلس قامت بها "الأسكوا" بالتعاون مع المعهد العربي لإنماء المدن أن نسبة الفقر والحرمان في باب التبانة 78% من العائلات، و52% من العائلات في التبانة في حالة فقر مدقع وحرمان شديد. وبحسب تقرير مجلس الإنماء والإعمار والبنك الدولي تنخفض نسبة الالتحاق بالمدارس في منطقة التبانة لدى الذكور من 95% في المرحلة الابتدائية إلى 32% في المرحلة المتوسطة إلى 4% في المرحلة الثانوية؛ فيما تصبح النسب 92%، 52% و14% على التوالي لدى الإناث.

 وبحسب تصنيف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي دراسة "الإسكوا" فإن أكثر من 80% من الآباء والأمهات لم يتّموا التعليم الثانوي، و22% لم يتّموا التعليم الابتدائي، وهناك 10% من السكان لم يرسلوا أولادهم إلى التعليم. كذلك فإن نسبة البطالة بين الشباب الطرابلسي تعدت 50%، أما ارتفاع هذه النسبة فيعود إلى سببين، الأول دخول العمالة الأجنبية إلى السوق المحلية بأسعار زهيدة، ومنافسة بعض الحرف والتجارات الصغيرة، وثانياً تدني نسبة التوظيف في القطاعات العامة والخاصة إلى أقل من 300 فرصة عمل في العام الواحد. وما يزيد الطين بلة، أن المدينة لم تشهد طوال عشر سنوات ماضية، أي مشروع إنمائي واقتصادي.

فهل تصلح المبادرة التي أطلقتها غرفة التجارة والصناعة في طرابلس في العام المنصرم بجعل طرابلس عاصمة لبنان الاقتصادية، الأمر الذي أفسدته جولات القتال وتآمر السياسيين عليها؟


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم