الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

إعادة الإعمار في سوريا... تحدّيات وعِبر

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
إعادة الإعمار في سوريا... تحدّيات وعِبر
إعادة الإعمار في سوريا... تحدّيات وعِبر
A+ A-

وبما أنّ دراسات متعدّدة أظهرت أنّ الحروب الأهليّة باتت أطول وأعنف، فهذا يعني أنّ الكلفة لم تصبح باهظة أكثر وحسب بل يعني أيضاً أنّ هنالك صعوبة أكبر في تحديد إطار زمنيّ لانتهائها. وهذا يضفي مزيداً من الشكوك على إمكانيّة الدول في الالتزام بمساهمات مادّيّة طويلة المدى. من جهة أخرى، تؤدّي التحالفات السياسيّة الدوليّة دورها في عرقلة إعادة الإعمار حيث تبدو الدول الغربيّة متلكّئة في دعم هذا المسار داخل الأراضي السوريّة. بينما تبدي الدول الداعمة للأسد استعدادها لتحمّل جزء كبير من النفقات في هذا المجال، حتى مع معاناتها من صعوبات اقتصاديّة.


نظرة سريعة إلى أفغانستان

مشكلة إعادة الإعمار في سوريا هي جزء من المشكلة نفسها التي تعاند قيام هذه المرحلة في معظم الدول التي شهدت نزاعات داخليّة. لذلك يمكن إجراء مقارنات مع بعض الأمثلة لتفادي الوقوع في أخطاء مشابهة أو حتى لأجل عدم بناء توقّعات واهية لمستقبل البلاد. منذ سنوات كثيرة، كتب البعض عن فشل إعادة الإعمار في أفغانستان. في دراسة (2012) نشرها موقع "غلوبال بوليتيكس" التشيكي، يعرّف توماس فانا هذا المصطلح بأنّه "انتقال معقّد من حالة حرب إلى حالة سلام ذات جوانب أمنيّة واقتصاديّة واجتماعيّة متزامنة، تتجلّى من خلال ضمان سيادة القانون وبناء المؤسّسات الاقتصاديّة وبناء البنية التحتيّة الأساسيّة واحترام حقوق الإنسان".



في ذلك الوقت، ظهر أنّ #أفغانستان بعيدة عن الوصول إلى الحالة التي رغب التحالف الدوليّ برؤيتها في نهاية المطاف حين أطلق عمليّته العسكريّة. فبين سنتي 2002 و 2011 خصّصت واشنطن أكثر من 88 مليار دولار لبناء البلاد لكنّ القطاعات المختلفة ظلّت في حال يرثى لها. أسباب عديدة قدّمها فانا لتفسير الفشل من بينها التنوّع القبَلي في البلاد وغياب المركزيّة وإخفاق التعاون بين الجهات المساهمة في إعادة الإعمار لاختلاف رؤاها حو الحلول التي لم تأخذ بالاعتبار الحاجات الميدانيّة بمقدار ما كانت تميل لأحكامها الأساسيّة حول الموضوع. كذلك شكّل الفشل في الحوار مع المجتمعات المحلّيّة وبروز قطاعات اقتصاديّة للقوى الأجنبيّة منفصلة عن الأعمال المحلّيّة مشكلة بارزة أخرى.


الفوارق المناطقيّة

يبدو تعريف فانا لإعادة الإعمار أكثر من طموح مع تضمين ذلك المفهوم جوانب غير مادّيّة في دول تزداد فيها النزاعات فتكاً والعلاقات الاجتماعيّة شرخاً. ويبقى العامل الأمنيّ من أبرز التحدّيات التي ستواجه الدول الكبرى في مشاريعها المرتقبة. فكما أنّ الوضع الأفغاني الأمنيّ لم يتحسّن كثيراً منذ سنة 2012 حتى اليوم، كذلك يظهر الأمر مشابهاً في #سوريا. يرى الباحث في التطوير المدنيّ وإعادة الإعمار جيوفانّي باغاني أنّ اللاعبين الأجانب والحكومة السوريّة أنفقوا الكثير على الجهود العسكريّة لكنّ إجراءات إعادة التنمية بقيت محدودة. وأضاف أنّ #إيران قد تنخرط في مشاريع قصيرة المدى في سوريا من أجل تعزيز نفوذها لكنّ القوى الدوليّة الأخرى لن تستثمر كثيراً في هذا المجال طالما أنّ الأمن هشّ. وللانقسام الاجتماعي والجغرافي دور بارز في تفادي المشاكل التي كانت موجودة حتى قبل النزاع. فتركيز #دمشق على توجيه جهود إعادة الإعمار باتّجاه المدن سيترك الانقسام المديني-الريفيّ من دون حلّ وكان ذلك من أبرز عوامل المواجهات في حلب بحسب باغاناي الذي نشر دراسته السنة الماضية في "المعهد الأوروبي للمتوسّط" ومقرّه برشلونة.


ما يجهله الإعلام الغربيّ

بالرغم من جميع هذه التحدّيات، يجد البعض في تحليلات أحدث أنّ عمليّات إعادة الإعمار قد انطلقت لكنّ وسائل الإعلام الغربيّة تجهل ذلك بشكل كبير. في مقابلة مع مجموعة "غلوبال ريسك إنسايتس" البريطانيّة خلال شهر شباط الماضي، يشدّد الباحث في الشأن السوريّ والمؤسّس المشارك لشركة "أطلس أسّيستانس" المعنيّة بإدارة المخاطر راسموس جايكوبسن، على مؤشّرات واضحة لتلك الفكرة. ويشير إلى أنّ هنالك أسساً جوهريّة يقوم بها أفراد وشركات وحكومات لإعادة الإعمار. فقد وقّعت #روسيا وإيران و #الصين عقوداً في استثمار الهايدروكاربون والمعادن والاتصالات والبناء والكهرباء وغيرها، مع إقرار دمشق تشريعات كثيرة لإعادة إعمار "فعّالة لكن تحت مراقبة من الدولة".




وأضاف جايكوبسن أنّ التطورات العسكريّة التي صبّت لصالح النظام ستجذب مزيداً من المستثمرين "مع أو بدون انخراط غربيّ". لكن بالرغم من ذلك، يعتقد أنّ هؤلاء المستثمرين لن يكونوا قادرين على تغطية حتى نصف الكلفة المقدّرة لإعادة الإعمار والمقدّرة ب 200 إلى 300 مليار دولار. لذلك، من دون تدخّل غربيّ، قد يستغرق هذا المسار عقوداً من الزمن كما شرح. وأشار إلى أنّ المستثمرين الغربيّين سيكونون بحاجة لإدارة علاقاتهم بحذر مع السلطات في دمشق وكذلك مع الإشارات الصادرة من البيت الأبيض حول تقييد الأسد والإيرانيّين في المديين المتوسّط والبعيد. لذلك قد تكون "البيئة العملانيّة معقّدة" بالنسبة إلى هؤلاء المستثمرين الذين لن يواجهوا مهمة سهلة في المرحلة المقبلة كما شرح. 



إذاً كلّما ازداد العنف الناتج عن وحشيّة الحروب الأهليّة، بات مطلوباً بذل المزيد من الجهود الماليّة والسياسيّة والاجتماعيّة في مقابل ظروف أمنيّة أكثر هشاشة. وهذا يعني أنّ مقاربة المفارقات السوريّة ستصبح أصعب على المجتمع الدوليّ إذا أراد البدء بالتفكير في إيجاد حلول للمرحلة المقبلة.










الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم