الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

محاولة لقراءة الممارسة الصفّية لزياد خداش

المصدر: "النهار"
ديمة محمود – شاعرة من مصر
محاولة لقراءة الممارسة الصفّية لزياد خداش
محاولة لقراءة الممارسة الصفّية لزياد خداش
A+ A-

هل كان السيد زياد خداش القابع في رام الله والذي تتنازعه موهبته القصصية ووظيفته كمعلم كتابة إبداعية، يتأرجح بين ذاتين إحداهما ناضجة أكثر من المألوف لتطفح بالإبداع وتمسك بأدوات السرد ومفاتيح الحكاية من إلى، والثانية طفلية تتعمد أن تخرج من قوالب الرجولة والهيبة والجأش والصرامة لتنطلق على سجيتها بـ(تكّة) تارة وبتصنع اللطف ومجاراة عقلية التلاميذ الصغار تارة أخرى.  

هل كان الرجل يخدعنا بلعبه مع تلاميذه حين ينامون على الصخرة في الصف المدرسي أو حينما يهتفون معاً حرية حرية أو يطيّرون البالونات لحبيباتهم الأوائل وغير ذلك.

 طيب لو كان يخدعنا ويستعرض بصورهم، فهل معقول أن هؤلاء الأولاد وفي مراحل مختلفة كما يبدون في مرات التصوير كلهم قادرون على هذا (التصنع) المظنون به - وبهذه الحنكة والمهارة في التقمص .

ما الذي سيدفع أديباً مرموقاً وقاصاً ماهراً في الأرض المحتلة لأن يصدّر لنا (ما قد يعتبره أحدهم - بطولاته) وقد نال منزلته باستحقاق كقاصٍّ فلسطينيّ في العصر الحديث

هل تسرع خداش في صعوده إلى الطاولة ضيقة المساحة، والعرض خصوصاً، ولم يحسب حساباً لاختلال اتزانها بسبب إيقاع حركة الرقص وفارق الكتلة الجسمية بينه وبين الصبي، أم إن هذا وجهٌ آخر لتهوره الذي أطلق له العنان مذ خرج عن الطور وجنح في ممارساته الصفية.

لماذا لم يفكر خداش بصبغ شعره الأبيض طالما يحمل روحاً قادرة على ممارسةٍ صبيانية متهورة كهذه مع صغاره وليس لديه أسرة تنمطه في هيئة، أم إنه فعلاً شخصان في شخص.

هل يعاني خداش بعد يوم صاخب كهذا، بالذات، حين يحتسي نرجيلته مع مهيب البرغوثي ليلاً في مقهى رام الله، أيُّ مارد عليه أن يقشره كي ينقلب للمرة الثالثة لحالة الصعلوك بعدما عايش خلال النهار حالتي المعلم والمهرج/ الطفل أم إن الكافكاوية المفرطة تسابق نفسها داخله فتقفز بمهارة بين حالات التحول دونما عناء وبشكل روتيني وبسيط أكثر مما نتوقع .

جوهر الأمر يكمن في الشغف ...

ذلك الوِرد الفياض الذي يتفجر بسخاء وينهل منه زياد خداش في ذاته حتى يكاد أن يعتقد أنه سيغرقه فيغدق منه على (أولاده) بشراهة ثم يعتريه ويعتريهم النهم فتعود الدائرة ثانية...

رغم استمرار زياد في نجاحة كأديب: لا يملّ

 ورغم استمرار زياد في روتين (الوظيفة): لا يملّ

 ورغم أن أبناء رام الله هم أيضاً يعاصرون أبناءنا (سريعي الملل) ولديهم من وسائل الترفيه ما لديهم: لا يملون

نجاح زياد كأديب لا يعتبره مهمة مطلقة في الحياة تعطل رغبات وطاقات أخرى لديه.

 لا يعتبر زياد لكونه معلماً وظيفة فقد تخلص من هذه العباءة منذ قرر أن يعيش أجواء مارقة مع طلابه تقفز على كل مألوف ورتيب وكل ما يمت للعملية التعليمية بصلة .

 الخيال الذي يستخدمه زياد في كتابة القصة هو ذاته الذي يقامر به مع طلابه، وهو ذاته الذي من خلاله أوحى لطلابه بإعمال خيالهم: أي إن المرونة والمتعة سيدتا الموقف.

 وهؤلاء الصبية مفقود الأمل أن يملوا من مناكفة الجندي الإسرائيلي إن لزم الأمر، فكيف ستنقطع أنفاسهم أمام الإبهار الذي يقدمه معلمهم.

هل شاء زياد خداش أن يجعل من عشقه لفلسطين وجهاً حياً يمسكه بيد في منجزه الإبداعي مع طلابه بينما تمسك يده الثانية وجه حبيبته السورية التي لطالما حدثنا عنها حتى علق وجهها في أذهاننا.

هل كان لاختيار خداش لرقصة لا تمت للدبكة الفلسطينية بصلة مغزىً أم إن استدراج الصبي ليتفوق على أستاذه في الرقصة كان وراء ذلك كله بحسٍّ حانٍ من المعلم الذي يأبى حينها أن يتفوق على نفسه ويوسع الرقعة البيضاء لمن هم أبناؤه الذين أنجبهم إبداعه وجبروته الاختلاقي الباهر.

هل هذه الطاقة التي تصلنا في مقاطعه مع طلابه مفتعلة؟؟!!

 قطعاً لا، وأكاد أجزم أن طلاب زياد خداش في رام الله حالياً هم الأحرار الوحيدون في بلادنا بملء كيانهم في هذا العالم.

أخيراً ... لا أزال أبتهل إلى الله أن يعيدني ولو لساعة من الزمن تلميذة في صف معلمه زياد خداش شريطة أن يكون في رام الله...

شكراً زياد خداش وطلابه.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم