الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الجـــرائـم البـيـئـيـة: دراســة ميــدانيــة وقـــانـــونيــــة

المصدر: "النهار"
Bookmark
الجـــرائـم البـيـئـيـة: دراســة ميــدانيــة وقـــانـــونيــــة
الجـــرائـم البـيـئـيـة: دراســة ميــدانيــة وقـــانـــونيــــة
A+ A-
اضافة الى ما نشهده يوميا من حرائق تلهب جبالنا الخضراء وتحوّل "قطعة السماء" واحات رمادية سوداء، وإضافة الى ما ساهم به الإنسان في عصرنا من تغييرات فيزيائية وكيميائية وبيوكيميائية في التربة واستغلال الأرض بشكل سلبي، وجراء استئصال الزراعات الضارّة والممنوعة، نتج من مفرزات حقل الصناعات المتعددة بواسطة الشركات الصناعية المحلية، والعملاقة المتعددة الجنسية، انبعاثات ومخلفات في قدر مهول من التلوث في الهواء، الماء والتربة. أصبحت الصناعة النشاط الاقتصادي الأكثر تسبباً بتلويث مناطق عدة، وخصوصاً تلك التي أفرزت وتفرز الكثير من النفايات التي تشكل مصدرا كبيرا من مصادر الخطر على البيئة والإنسان، لا بل جريمة خطيرة ضد نوعية الحياة La qualité de la vie، اذ تجعل الأرض غير صالحة للعيش عليها، وتؤدي إلى الأضرار بالكائنات والموارد الحية أو غير الحية وتؤثر على ممارسة الإنسان حياته الطبيعية.نشير الى انّ الملوثات كثيرة ومتنوعة المصدر ومختلفة المعاني، إنما لكثرة ما نسمع عن جرائم الإنسان في حق بيئته فان كلمة بيئة صارت، في أذهان البعض، مرادفة للتلوث البيئي، لا سيما تلويث مياه الشرب الذي لولا خطورته المتزايدة، يوما بعد يوم، لم تكن لترتفع الأصوات، تنشأ المنظمات وتنعقد المؤتمرات في أنحاء العالم. يُضاف الى ذلك، اتجار الجماعات الاجرامية المنظمة غير المشروع بالنباتات والحيوانات المنقرضة والإرهاب البيولوجي كتهديد خبيث حقيقي وفوري، والذي له وقع على الدول، المواطنين وقطاع الأعمال في أرجاء العام.عملياً، تشكل صناعة الشركات والنفايات اكبر ملّوث للبيئة وأخطرها على أنواعها: النفايات الصلبة، النفايات السامة والخطرة، النفايات الكيميائية الصناعية. كما أن الصناعات الكيميائية من أسمدة، بترول، مطاط، إسمنت، مبيدات وغيرها من وسائل‏ المواصلات، ومحطات توليد الطاقة، ومن تلف النفايات، تتسبب بتلوث الهواء و تستأثر الدول الصناعية والدول النفطية بنصيب الأسد من الاستهلاك العالمي. وهذا الأمر يترك آثاراً كونية على المناخ، اذ يؤدي إلى ارتفاع في درجات الحرارة، والى التصحر، ويعرّض التنوع البيولوجي La biodiversité لعملية إفناء مبرمجة، وتكمن أهمية هذا التنوّع الكبرى في حفاظه على التوازن اللازم للحياة واستمراريتها بكل ما فيها من أجناس انسانية، نباتية وحيوانية وتخفيف حدة التلوث والمحافظة على خصوبة التربة.كما يؤدي الى فقدان طبقة الأوزون1 تدريجا، تحت تأثير الصناعات‏ الحديثة التي تسبب إنتاجا كثيفا لثاني أوكسيد الكربون، مما يعني زيادة في حرارة الطبقة الدنيا للغلاف الجوي، وتاليا زيادة‏ في حرارة سطح الأرض وحرارة مياه البحار. الأمر الذي يدعو العلماء الى الاعتقاد أنّ جزءا من جليد القطبين سيتعرض للذوبان ليغمر اليابسة بفيضاناته، والى ذوبان الثلوج في العالم، مما يسبب الفيضانات، ويؤدي إلى هلاك المدن والقرى. يعتبر بعض العلماء (لورد ماي رئيس الأكاديمية البريطانية للعلوم "رويال سوسايتي" أنّ عواقب ارتفاع سخونة الأرض تعادل أسلحة الدمار الشامل. كما حذّر العالم البريطاني ديفيد كينغ في كانون الثاني 2004 من أن "تغير المناخ هو المشكلة الأخطر التي تواجه العالم اليوم، إنه أخطر من تهديد الإرهاب"، وأن ازدياد حرارة الأرض يشكل تهديداً خطيراً ليس على الأمد البعيد بل في الوقت الحاضر. في الواقع، تمثّل البيئة بوتقة متكاملة، وأي خطر بيئي لا يتوقف أمام الحدود السياسية للدول، ولا يعترف بالجغرافيا السياسية بل يتخطاها ليصيب الجميع. لذلك، باتت كل الدول المتقدمة تعير قضية البيئة الاهتمام الجدّي لتأمين حياة لائقة لمواطنيها. كما أثّرت الصناعات على الثروة المائية من خلال التلوث المائي لا سيما تلويث البحار، الأنهار والبحيرات مياه‏ الشرب نفسها بسبب النفايات الصناعية، مخالفات المصانع وبقع الزيت والنفط... مما يعني عملياً أنّ مشكلة تلوث البيئة البحرية واحدة من أهم المشاكل التي تواجه المجتمع المحلي والدولي والبشرية بأسرها، فمياه البحار والمحيطات ‏تغطي الجزء الأكبر من مساحة الكرة الأرضية، وهي في تداخلها بعضها ببعض تبدو كأنها وحدة طبيعية واحدة، مما يجعل الأخطار المترتبة على تلوّثها تمتدّ إلى كل جزء منها، فالمحيطات هي رئة الأرض ومصدر للخيرات الغذائية وللمواد الخام، بالإضافة الى الكثير من الخسائر الاقتصادية.واللافت أن بعض الشركات تتبنّى "الشعار البيئي" ظاهريا وتصرّح عن تخصيص الملايين من موازنتها لحماية البيئة انما في الواقع تعتمد ذلك تغطية لإخفاء تعدياتها على البيئة.إضافة الى ما ذكرناه من مخاطر البيئة على صحة الإنسان، يرتب الاعتداء على البيئة تكاليف بشرية هائلة، مما دفع منظمة الصحة العالمية الى التحذير من عواقب تأثير الظروف البيئية على البشر بشكل عام والأطفال بشكل خاص، بعدما تبيّن لها أن المخاطر البيئية تتسبب بما يصل إلى ثلث الأمراض في العالم وثلث وفيات الأطفال والمراهقين. (إذا كان هذا هو الحال في أوروبا فما هو إذن في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، أي في الدول الفقيرة التي لا تستطيع مقاومة مخاطر البيئة).كما أنّ هناك بالتحديد 100 ألف حالة وفاة، وستة ملايين حالة من الحياة الصحية تفقد سنويا، وتعد أجسام الأطفال الآخذة في النمو الاكثر عرضة للتأثر بالأسباب البيئية، وعرضة للمخاطر البيئية. وأشارت المنظمة إلى أن ما يزيد على 40% من الأمراض التي تصيب الأطفال دون سن الخامسة تكون نتيجة الظروف البيئية غير الصحية. تكثر الأمراض التنفسية والتي يزيد تفاقمها تلوث الهواء لدى ما يصل إلى مليوني طفل يوميا. علما أن ما نسبته 5% من الوفيات الناجمة عن الحوادث في البلدان النامية يرجع إلى التسمم بالمواد السامة. هكذا، تؤدي هذه المخاطر إلى القضاء على حياة البشر وإصابتهم بالأمراض المزمنة والفتاكة التي تعطل تقدم الشعوب ونموهاً، فيقتل الإنسان نفسه بنفسه.ويزيد الامر خطورة، أنّ العالم، غير واع والى حدّ بعيد لهذا التهديد ويضاعف دواعي القلق انّ اكثر الحكومات لم تكن الى وقت قريب قد باشرت مكافحة هذا التهديد نظراً الى افتقارها الى الموارد أو المعلومات عن طبيعته.يتجلّى نقص الوعي في ان بلدانا عدة لا تزال غير مهيأة الى حدّ كبير لمواجهة هذا النوع من الاعتداءات فليس هناك مجال آخر من مجالات الإجرام تفتقر فيه الشرطة عامة للخبرة والتدريب بقدر ما تفتقر اليه في الاجرام البيئي. وهو أمر يدل على ‏فشل المجتمع الدولي حتى اليوم في إيجاد الحلول الناجعة والقادرة على التحكم والسيطرة ‏الفاعلة في التقنية المعاصرة وعلى التطور السريع الذي يعيشه العالم، فيدفع الإنسان ثمن حضارته التقنية من حياته، سعادته وصحته... أضف أنّ ما يعزّز ارتكاب هذه الأعمال، عدم وجود علم متكامل يعالج بشمولية قضايا البيئة ‏كما لا تشريعات جزائية دولية تحمي حقوق البيئة، ربما لحداثة هذه الجريمة. إستنتاجاً مما تقدّم، إنّ الخطر الذي وصلت إليه حال البيئة الإنسانية الطبيعية، يستدعي الحزم والسرعة في حماية البيئة. وحده التشريع العقابي، كفيل بتوفير عاملَي الحزم والسرعة المطلوبين، فعليه أن يحدد المسؤوليات والعقوبات المترتبة على انتهاك البيئة، لان الاعتداء على البيئة يشكل جرما يمكن أن يكون‏ اشد واخطر من الجرائم الفردية بنتائجه ومفاعيله. التعاون الدولي لمكافحة الجرائم البيئيةتحتل مسألة مكافحة التلوّث وحماية الموارد الحيّة موقعا مميزا في الاتفاقات الثنائية والإقليمية بهدف وضع التشريعات الوطنية...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم