الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

أفكار عن الفردية الإسلاموية والديموقراطية في المركز العربي للأبحاث - بيروت

أفكار عن الفردية الإسلاموية والديموقراطية في المركز العربي للأبحاث - بيروت
أفكار عن الفردية الإسلاموية والديموقراطية في المركز العربي للأبحاث - بيروت
A+ A-

أحيا "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، في مقر فرعه في بيروت، سلسلة من الندوات في عنوان "قراءة سوسيولوجية للتحولات في العالم العربي". وذلك يوم الأربعاء الواقع فيه 21 آذار 2018، فحضرها جمع من الباحثين وأساتذة الجامعات. 

توزعت الندوات على محاور ثلاثة: "صعود الفردانية المرنة"، و"تحولات الحركات الإسلامية"، و"مستقبل الديموقراطية العربية". وقد تخللت الجلسات مداخلات ومناقشات ساهم فيها المشاركون، ما أغنى البحوث والأوراق المقدمة.

افتتح الندوة مدير المركز العربي للأبحاث في بيروت، الدكتور خالد زيادة، فأكّد أهمية موضوعاتها ومساهمتها الغنية في "قراءة الواقع العربي بعد سبع سنوات من المخاضات الصعبة التي عاشتها البلدان العربية، ولا يزال بعضها تعيشها"، معتبرًا أن الدافع إلى هذه القراءات والبحوث التي تقدم بها الباحثون هي "مساهمة أوسع للباحثين في ميدان العلوم الاجتماعية في الواقع المعيش، وفي التفكير واستخدام الأدوات المنهجية في النظر إلى الأحداث".

الفردانية المرنة

في المحور الأول من الندوة بعنوان "صعود الفردانية المرنة"، اعتبر الدكتور أكرم سكرية أن الفردانية شكلت نقيضًا للانتماءات الاجتماعية الأولية المتعارف عليها منذ أمد بعيد، أي العائلة والطائفة والإثنية، وما شابه ذلك. ورأى أن اللافت هو صعود دور الفرد في ظل العولمة الطاغية، وضرب مثلًا سياسيا على ذلك بانتخاب الرئيس الأميركي ترامب والرئيس الفرنسي ماكرون من خارج المؤسسات السياسية التقليدية؛ الأمر الذي يكرس مفهوم "الرجل القوي" في السياسة، ويعيد إنتاجه، تمامًا كما يحدث في روسيا فلاديمير بوتين حاليًا. وتساءل سكرية عما إذا كان العالم أمام "صعود مفهوم الدولة المرنة... يستدعي العودة إلى ظهور أشكال مختلفة من التضامن الاجتماعي التقليدية".

الحركة النسائية والنزوع إلى الفردانية

وعرضت الباحثة بتول يحفوفي باقتضاب مسيرة الحركة النسوية في لبنان وصراعها مع القوى التقليدية. وركّزت على تطوّر مفاهيمها وتجددها بحسب الظروف التاريخية التي مرت بها، وصلة ذلك بمسار نزوع النساء الى الفردية. ثم تناولت إنجازات الحركة النسوية في كفاحها المطلبي بالمساواة المطلقة في الميادين كافة. كما تطرقت إلى محاربة الجماعات التقليدية في لبنان، ولا سيما الحركة الإسلامية، جمعيات حقوق المرأة ونشاطاتها النسوية في لبنان. واعتبرت الباحثة أن نضال الحركة أسفر عن إنجازات عدة، منها التحالف الأخير الذي تولد من أكثر من 200 منظمة مدنية لخوض الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة قريبا. هذا بعدما فشلت الحركة النسوية في انتزاع تشريع من البرلمان اللبناني يخصص لها "كوتا" خاصة بها. وعرضت الباحثة أهم إنجازات المرأة في لبنان، وخصت بالذكر "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة" التي أنشأتها الحكومة اللبنانية لوضع استراتيجيا تهتم بالتشريعات التي تخص مساواة النساء على الصعيد الحقوقي.

فردية ممزقة

الباحث في المركز العربي محمد أبي سمرا، قدم مداخلة عنوانها "فرديّات ممزّقة بلا لغة ولا تاريخ". وهو انطلق من أن النزوع الى الفردية في مجتمعاتنا وثقافاتنا العربية المعاصرة وُلد ولادة عسراء وعسرة، فاتسمت الفردية بالتسلّخ والإحباط والمراوحة، بحثًا عن لغةٍ وتجارب لملء محاولات تلك الولادة من الفراغ والقطيعة، ومن العدم تقريبا. واستعاد في ما قدمه بعضًا من التجارب الكتابية والشهادات والأعمال النقدية المتفرقة، لتقصي طبيعة ذلك النزوع المحبَط وشبه المستحيل إلى ولادة الذات الفردية:

- ملمح من تجربة يسارية لجيل حرب السنتين اللبناني (1975-1976).

- ملمح آخر من ما آل إليه الربيع العربي منذ العام 2011.

- ملامح من صور شخصيات ريفية تعبر عن فردية لا إرادية وقدريّة، تصدر عن هامشيّة تلك الشخصيات، وسقوط نسبها وإمّحائه. وذلك في مرويات أنيس فريحة وسلام الراسي وحسين مروة.

- صورة عن الجنون الفردي لشاعر العذرية قيس بن الملوح، بسبب صدور تتيّمه عشقًا بابنة عمه ليلى عن نفسه وذاته الشخصية، وليس عن أعراف المجتمع القبلي.

- صورة عن خروج شخصيات روائية في أدب نجيب محفوظ الروائي، إلى الاختلاء بنفسها في ما يسمّيه محفوظ الخلاء.

- صورة سريعة لمآلات الفردية في بحث للمؤرخ الاجتماعي إيليا حريق، يعتبر فيه أن نازع الأحزاب الحديثة، من شيوعية وقومية وإسلامية إحيائية، إلى فردية منسلخة عن الثقافة والاجتماع التقليديين في البلدان العربية، لم يؤدِّ إلا إلى الاستبعاد والعداوات ونشوء أنظمة عسكرية.

- صورة الذات والذاتية في أبحاث الكاتب المصري ناجي نجيب في مجال اجتماعيات الأدب العربي المعاصر الذي امتزج في نماذجه الأولى (كتابات مصطفى لطفي المنفلوطي وجبران خليل جبران) النزوع إلى الذاتية والشخصانية في التعبير، بحزن شجي، طروب وسعيد.

الحركات الإسلامية

رئس المحور الثاني من الندوة وعنوان "تحولات الحركات الإسلامية"، الدكتور عفيف عثمان، فأكد في كلمته أن قضية الاستبداد هي قضية العرب الأولى، لكن قبل الشروع في عملية التخلص من الحكم الجائر، "يجب تهيئة الوسائل ووضع مخطط بديل للحكم واضح المعالم يشارك فيه الخاصة والعامة"، موافقًا في ذلك السيد الفراتي في أن العنف ليس هو السبيل إلى التغيير.

أما أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور ساري حنفي، فأكد في بحثه بعنوان "التجديد الإسلامي من الداخل: تكوينات جديدة"، أن هناك ثلاث مقاربات لفهم التغيير المجتمعي: الأولى ماركسية، تبيّن كيف يمكن أن يكون الظلم الطبقي مولداً لحراكات اجتماعية ضد السلطات؛ والثانية، مقاربة هوياتية تبيّن كيف تتشكل الهويات الاجتماعية، بما في ذلك الهوية الفردية التي تتوق إلى التحرر من هيمنة سلطات استبدادية؛ أما المقاربة الثالثة، فهي المقاربة الفيبيرية (نسبة إلى ماكس فيبر) المركزة على دور القيم في تنميط سلوك الفرد والجماعات.

وشدد حنفي على أنه لا يمكن فهم سيرورة التغيير من دون هذه المقاربات الثلاث، فلفهم الإصلاح والتغيير في المنطقة العربية ينبغي أن ننظر إلى الحركات الإسلامية ضمن السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، معتبرا أنه لا يمكن فهم التجديد الديني من دون ربطه بعلم الاجتماع. وأفاض في التحدث عن الاتجاهات التجديدية الدينية الاسلامية في العالم العربي، وحصرها في ثلاثة اتجاهات: اتجاه شبابي تجديدي، واتجاه تجددي اجتماعي، واتجاه تجددي اجتماعيًا ومحافظ سياسيًا.

الدكتور خالد زيادة قدم مداخلة بعنوان "الإسلام المعاصر بين الإصلاحية والاستخدام السياسي"، معقّبًا على بحث الدكتور ساري حنفي، فرأى أن الاتجاهات التي تطرق إليها تنتمي إلى الاتجاه الإصلاحي الذي برز في نهاية القرن التاسع عشر، وخصوصًا مع محمد عبده. لكنه اعتبر أن المنطقة العربية شهدت منذ ما يزيد على القرن اتجاهين إصلاحيين عريضين: "اتجاه إصلاحي يريد بطرائق ومناهج مختلفة أن يقدم للمسلمين إسلامًا متوافقًا مع العصر"، بينما يريد الاتجاه الآخر "أن يجعل الإسلام أداة لبلوغ السلطة أو أداة في الصراعات السياسية". واعتبر زيادة أن عصر الإصلاح، والحقبة الإصلاحية، اللذين استمدا قوتهما من انتشار الأفكار التحريرية في النصف الأول من القرن العشرين قد انتهى. ودعا إلى أن "نقر بأن الإصلاحية في زمنها استطاعت أن تقدم لنا إسلامًا فرديًا متوافقًا مع نزعات الحداثة والتحرر".

الديموقراطية ومعوقات الهوية

في المحور الثالث من محاور الندوة، بعنوان "مستقبل الديموقراطية العربية"، تحدث الدكتور أحمد خواجة عن مستقبل الديموقراطية، مقسمًا بحثه أربعة موضوعات هي، اتساع نطاق الديموقراطية في أنحاء العالم، معتبرا أن شرعية الديموقراطية في انحدار وأن هيبتها بدأت تتأكل في العالم، وتكاد تكون معدومة، ما أدى إلى ترويج أن الديموقراطية لا تناسب بعض الثقافات كنظام للحكم. وتتطرق إلى الربيع العربي ومسألة الانتقال الديموقراطي فرأى ان "سقوط بعض الأنظمة التسلطية، لم تجعل صورة الديموقراطية زاهية، "فتونس لا تزال غارقة في أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وعادت مصر إلى أحضان العسكر بتمويهات مختلفة"، وسوريا غارقة في الدم والمجازر.

الدكتور طارق متري أكد الحاجة إلى "التفكّر في التغييرات التي أحدثها تسارع الزمن من خلال الثورات العربية وما بعدها في ضوء ما سبق من محاولات وإخفاقات وخيبات تعاقبت في سياق زمني طويل". واستعرض الأحداث الكبرى التي زخر بها القرن العشرون بدءًا بـ"النهضة الثقافية إلى التحرر فالاستقلال والثورة من أجل العدالة والوحدة والسعي إلى التنمية"، التي انتهت كلها إلى طغيان الاستبداد الذي عانى منه العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، وانتهاء بثورات الربيع العربي في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. واعتبر متري أن التحول الديموقراطي يقتضي أولًا "وضع القواعد اللازمة لإدارة عملية التحول، ما يعني تغليب الحوار والسعي إلى التوافق وإشراك الجميع في المناقشات العامة حول الدستور، بوصفه عقداً اجتماعياً جديداً، وعدم استعجال صياغته على يد فئة محدودة، أكانت معينة ام منتخبة". وشدد على ضرورة "الحؤول دون سيطرة الجيش على مؤسسات الدولة وحصر مهمته في حفظ الأمن وحماية العملية السياسية من دون تدخل فيها".

وأكد الدكتور بشار حيدر في مداخلته صعوبة التنبؤ بمستقبل الديموقراطية في العالم العربي، كما يصعب تفسير إخفاق التحول الديموقراطي، فهناك من يعزو ذلك إلى الثقافة الإسلامية والبنى المحافظة الذكورية في العالم العربي، وتخلي العالم الغربي عن إنجاز مشروع التغيير الديموقراطي، كما هي الحال في سوريا، وغيرها من التفسيرات التي لا تعدو كونها تفسيرات سطحية لا جذر لها.

وتطرق إلى المشكلات التي تواجه الديموقراطية فيما لو طُبّقت في العالم العربي. واستشهد بتجربتي العراق ولبنان، وهما البلدان العربيان اللذان خبرا التجربة الانتخابية حتى قبل ثورات الربيع العربي؛ هذا باعتبار أن الديموقراطية هي آلية لاختيار السلطة من خلال الانتخاب، وهي تفاقم مشكلة الانتخاب الهوياتي على أسس إثنية أو طائفية أو جهوية، فمثل هذه الهوية تلغي إمكان المحاسبة التي هي من أبرز عوامل الديموقراطية.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم