الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

العالم يدير ظهره للكرد... وعفرين في قبضة "الملك الضحّاك"

المصدر: "النهار"
محمود فقيه
محمود فقيه mahmoudfaqih
العالم يدير ظهره للكرد... وعفرين في قبضة "الملك الضحّاك"
العالم يدير ظهره للكرد... وعفرين في قبضة "الملك الضحّاك"
A+ A-


ومنذ انطلاق العمليات التركية تجاه المدينة السورية كادت التصريحات العربية والاجنبية ان تغيب كلياً حيال ما يحصل من تهجير واستهداف للمدنيين. عمليات برية وجوية لم تحرك الرأي العام وكأن التخلص من الكُرد بات أولى من القضاء على "داعش". دخول القوات التركية وبعض الفصائل الراديكالية من جنسيات مختلفة كاد يوازي في نظر البعض انتصار سليم الأول على قانصوه الغوري في مرج دابق، ليبدو دخول القوات التركية مستساغاً لدى كثيرين وفق تبريرات مذهبية متطرفة وعنصرية عدائية قومية.  

اختارت الحكومة التركية عفرين على بقية المناطق الخاضعة للادارة المركزية لأسباب عدة، إذ تشكل هذه المدينة عاصمة الكرد الآنية بدل القامشلي، وتعتبر مقراً لرؤوس الأموال الكردية وعاصمة اقتصادية ومصدراً هاماً للاستثمار. كما إن تحييدها منذ بداية الحرب السورية عن اللعبة العسكرية قدر الامكان انعكس ايجابياً على المستوى السكاني والسياسي فيها.

كما اعتبرت ادارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استهداف عفرين بمثابة القضاء كلياً على أي تهديد كردي على الحدود. والانتصار التركي على الكرد قد يؤجج لدى أردوغان مشاعر أخرى تدفعه إلى التمدد نحو جبال قنديل كما جرى في أواخر 2007 لتشكيل شريط حدودي متصل على امتداد التواجد الكردي في سوريا والعراق.

وبين تحرير الارض من الإرهابيين أو ضمها إلى حدود تركيا، آثرت أنقرة رفع الاعلام التركية فوق المراكز الحكومية السورية والتي كانت قد استحوذت عليها الإدارة المحلية وفق عقدٍ اجتماعي معلن من طرف واحد من دون موافقة المركز السوري.

لم ترفع تركيا العلم السوري القديم الذي تعتمده المعارضة ذاك المرفوع على البوابات الحدودية الشمالية في باب السلامة وباب الهوى، ما يشير إلى أن الوجود التركي في الشمال السوري لن يكون لأجل تسليم المنطقة للمعارضة بل بغية التوغل في الشمال السوري لاحتلال أكبر عدد من الكيلومترات تحت مزاعم حماية الامن القومي.




انهيار "قوات حماية الشعب " أمام الهجمات التركية دون أي رادع روسي او حتى سوري حكومي وما يرافقه من صمت على مستوى المجتمع العربي والدولي شكل الضربة الكبرى للكرد السوريين ونكسة كردية أخرى في أقل من سنة بعد الاجراءات العراقية التي تلت استفتاء اقليم كردستان العراق.

لم تشفع مقاومة الكرد لـ"داعش" في كوباني، ولم يشكرهم أحد على تحريرهم الرقة، بل أدار الجميع ظهورهم لحلم كردي بات يتلاشى في سوريا كما في العراق، وكما جرى قبل سبعة عقود من الزمن في مهاباد. ترك الكرد لمصيرهم أمام قوة البطش التركي يؤكد أن كل مزاعم حقوق الانسان التي تدعيها الدول والامم المتحدة ليست سوى حبر على ورق وتسقط حتى اقدام المتغطرسين من الدول.

كما تبيّن أن السند الذي كانت تتكئ عليه "قوات حماية الشعب" وهو العامل الأميركي، هو جدار هش، وأن الولايات المتحدة الأميركية لن تغامر بحليف استراتيجي كتركيا كرمى لعيون "فصيل قومي" لم ينل حقوقه يوماً من التاريخ ولا ضير في ما لو استمر هذا الاجحاف عقوداً أخرى من الزمن.

إن الذخيرة التي تم الكشف عنها فور دخول الاتراك الى المدينة كانت كافية للدفاع عنها أشهراً أخرى، ولكن البنية العسكرية لقوات سورية الديمقراطية اتضحت أنها تعتمد بشكل أساسي على القوة العسكرية الاميركية.

الاحتلال التركي للاراضي السورية قد يكون مؤشراً جديداً لتوغل آخر نحو منبج وبقية مناطق "الادارة الذاتية في الشمال السوري". إن هكذا إجراء قد يعيد خلط الأوراق في المفاوضات وقد يقوض الحضور الكردي ويفقد رونقه ليصبح شكلياً ورمزياً بعدما بات يتردد في أورقة الحرب السورية أن صفقة ابرمت بين الأطراف المتنازعة وتقضي بنقل مسلحي الغوطة الى عفرين هذه المرة، لا إلى إدلب، وأن أنقرة هيأت لاستقبالهم المخيمات لتتسع لآلاف منهم.

ولم تكتف أنقرة برفع العلم التركي والتهجير الديموغرافي للسكان، بل مارست بعض الاعمال الانتقامية كإزالة كل الصور ذات الرمزية الكردية ودمرت تمثال "كاوه الحداد" الذي يتوسط وسط المدينة منذ ست سنوات.

تدمير التمثال ذي الرمزية التاريخية تزامن مع عيد "نوروز" الذي يحتفل به الكرد حول العالم ويعتبرونه عيداً قومياً لهم. وكاوه الحداد هو بطل هذا العيد وبطل الرواية الكردية "الشاهنامة" للفردوسي الذي يروي عن ذاك البطل الذي ثار على ملك ظالم يُدعى "كاوه الحداد" وفي ليلة الـ 21 من آذار اشعل كاوه وشعبه النيران على الجبال واسقطوا ذاك الملك الذي كان يقتل الأطفال. وفي صباح اليوم الثاني اتخذ الكرد عيدهم واعتبروه عيد الأرض وعيد رأس السنة الكردية.

استهداف تركيا لتمثال كاوه ليس انتقاماً من صالح مسلم ولا من عبدالله أوجلان بل هو انتقام من الكرد وكأن المستهدف هو التاريخ الكردي بحد ذاته، وكأن المراد هو تسليم عفرين الى الملك الضحاك مجدداً بعد تهجير الكرد منها وتدمير رمز ثورتهم بعدما اسقطوا مشعل "ازادي" من يده.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم