الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الاستقالة والحبس لا يكفيان: إهانة الكرامة لا ثمن لها

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
الاستقالة والحبس لا يكفيان: إهانة الكرامة لا ثمن لها
الاستقالة والحبس لا يكفيان: إهانة الكرامة لا ثمن لها
A+ A-

أمس الجمعة 2 آذار 2018، أعرب وزير الداخلية نهاد المشنوق عبر "تويتر" عن اعتذاره من الفنان زياد عيتاني، بعد انكشاف فضيحة تلفيق تهمة التعامل مع إسرائيل، الكاذبة في حقّه، وبعد التشهير بسمعته، وإلقائه في السجن منذ تشرين الثاني الفائت.  

قال وزير الداخلية: "كل اللبنانيين يعتذرون من زياد عيتاني. البراءة ليست كافية. الفخر به وبوطنيته هو الحقيقة الثابتة والوحيدة. والويل للحاقدين، الأغبياء الطائفيين، الذين لم يجدوا غير هذا الهدف الشريف، البيروتي الأصيل، العروبي الذي لم يتخلَّ عن عروبته وبيروتيته يوماً واحداً".

وردّ وزير العدل سليم جريصاتي على تغريدة المشنوق بالقول: "الشعب اللبناني لا يعتذر من أحد، ولا يليق بأيّ مسؤول تقديم أوراق الاعتماد الانتخابية من طريق طلب مثل هذا الاعتذار، وإعلان البراءة أو الأدلة من اختصاص القضاء وحده، الذي يلفظ أحكامه وحيداً باسم الشعب اللبناني".

عجباً، كيف يستفيق هؤلاء من نومهم الكهفيّ؟!

على كلّ حال، "هيدا حكي فاضي"، أجاء من هذه الجهة أم جاء من تلك. وإن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أن "دولة القانون"، بـ"وجهيها"، بل بـ"وجوهها"، في حالٍ من الانحطاط المثير للازدراء والشفقة.

إنها حقاَ لـ"دولة فاشلة".

أنتظر بفارغ الصبر أن تنكشف الحقيقة الكاملة في هذه المسألة، وأن تتحدد المسؤوليات فيها، وأن يُرفَع الغطاء عن كلّ مسؤول، كبير، أو صغير، أو متوسط الحجم، أو غير ذي حجم، وغير مرئي، في هذه القضية المخزية.

أذكر تماماً أني لم أفتح فمي، تهيّباً، يومَ سيقت تهم التخابر والتعامل مع العدوّ في حقّ الفنان زياد عيتاني. فاكتفيت بمخاطبة نفسي متسائلاً بذهول وانصعاق: لا أصدّق. هل يُعقَل؟! ثمّ دعوتُ الأقربين والأبعدين إلى الكفّ سلباً أو إيجاباً عن التعليق، وممارسة التحفظ، لأن "المسألة في يد القضاء"، ولأن كلاًّ منا، ولا بدّ، عاجزٌ، موضوعياً، عن إبداء الرأي في قضية كهذه، إذ لا يملك الواحد منا فيها أيّ خيطٍ يوصله إلى قرينة أو إلى برهان أو إلى حقيقة دامغة.

لن أقول شيئاً في شأن ما جرى ويجري بين أمن الدولة وفرع المعلومات.

لكني كمواطن، أشعر بالعار، والذل، والإهانة، والانسحاق.

بل أشعر بأن المواطن اللبناني، كلّ مواطن، في "دولة القانون" هذه، وفي "عهد دولة القانون" هذا، هو محض نكرة فحسب. بل دمية. بل حشرة. بل لا شيء.

وعليه، في مقدور "دولة القانون" هذه، الآن، وأكثر من أيّ وقت مضى، وخصوصاً عشية الانتخابات النيابية المقبلة، أن تتلاعب بالقانون، وأن تستخدمه في غير غايته، للانتقام والترهيب والتخويف والتخضيع والتطويع والترغيب و... التزوير.

في مقدور "عهد دولة القانون" أن تباشر قواه الاستخباراتية والأمنية والقضائية، وأجهزته الحقيقية والافتراضية، تركيب الملفات، وتلفيق التهم، في حقّ أصحاب الرأي والموقف، الأحرار، العلمانيين، المدنيين، الاعتراضيين، المستقلين، وفي حقّ المرشحات والمرشحين من أمثالهم، الذين يرفضون الدخول في جمهرة القطعان، قطعان قوى السلطة، وأزلامها، ومريديها، والمستفيدين منها.

لو كنتُ رئيساً للجمهورية، أو رئيساً للسلطة التنفيذية، أو رئيساً للحكومة، أو لو كنتُ وزيراً للعدل، أو وزيراً للداخلية، أو وزيراً للدفاع، أو وزيراً لحقوق الإنسان، أو وزيراً لمكافحة الفساد، أو وزيراً في المطلق، أو مسؤولاً أمنياً، وقضائياً، أو سوى ذلك من مسؤولين ومسؤوليات، لكنتُ قدّمتُ استقالتي على الفور، ووضعتُ نفسي في تصرّف القضاء... إذا صحّ أن "مؤامرةً" ما، مركّبة، مقصودة، مدبّرة، وعن سابق تصوّر وتصميم، قد ارتُكِبت في حقّ زياد عيتاني، أو في حقّ غيره.

الإنسان المُهان في كرامته، في وجوده، في شرفه، في سمعته، في حياته، يجب أن تُرفَع عنه الإهانة.

كيف؟

في رأيي، لا تكفي الاستقالات، ولا السجون.

"الردع" العلني بآلياته القانونية والقضائية والعدلية والأمنية، يجب ان يأخذ مجراه... وصولاً إلى العقوبات المادية والمعنوية القصوى.

إذا صحّ أن زياد عيتاني بريء، فيجب "الانتقام" القانوني والمعنوي من المجرمين. جميعاً، ولا استثناء.

أما المجرمون فيجب ذكرهم بالأسماء جميعاً، من أعلى الهرم إلى أسفله.

المجرمون يجب أن يكونوا عبرةً لمَن يعتبر، ولمَن لا يعتبر.

أما إهانة الكرامة البشرية، كرامة المواطن، في "عهد دولة القانون"، فلا ثمن لها. ولا تعويض.

إننا لفي عارٍ عميم!

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم