الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

اصطباغ البردوني بالأحمر أقفل مكب حزرتا العشوائي

المصدر: زحلة – "النهار"
دانييل خياط
اصطباغ البردوني بالأحمر أقفل مكب حزرتا العشوائي
اصطباغ البردوني بالأحمر أقفل مكب حزرتا العشوائي
A+ A-

ربّ ضارة نافعة. فقد أدى تلوث مياه نهر البردوني بصباغ احمر السبت الفائت، الى التخلص من كارثة بيئية أخرى تتمثل بمكب النفايات العشوائي التابع لبلدية حزرتا، الواقع على تلة اعالي مجرى النهر، إذ طلبت وزارة البيئة من بلدية حزرتا، في كتاب رسمي، إقفال مكب النفايات المذكور.  

نبدأ الحكاية من أولها. فيوم السبت الفائت، تدفقت مياه البردوني حمراء، فأثيرت ضجة كبيرة في البلدات الواقعة على ضفة النهر من مدينة زحلة الى بلدتي قاع الريم وحزرتا. وما زاد الامور توتراً، هو تدفق كيل الانتقادات والاتهامات المتبادلة من ساسة ومرشحين للانتخابات، بلديات، وحتى مواطنين عاديين، ركبوا جميعهم موجة التلوث الظاهر للنهر لتصفية حسابات خاصة بهم، عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، على طريقة "مش رمانة، بل قلوب مليانة".

فمن وما الذي تسبب بتحوّل مياه البردوني الى الاحمر؟ وكيف؟

سلسلة استقصاءات قامت بها "النهار"، الى جانب المعلومات من مصدر قضائي مشرف على التحقيقات التي تولتها القوى الامنية ووزارة البيئة، أفضت الى ما يأتي:

المواطن ا.ت من بلدة قاع الريم، كان قد اشترى بالمزاد العلني عبر دائرة التنفيذ في البقاع، مبنى كان يشغله معمل حلويات في بلدته، وأقفل ابوابه عام 2001. ولما رغب في اصلاح المبنى وترميمه بغرض إشغاله، باشر تعزيل المبنى المهجور من مخلفّات المعمل القديم، بدءا من المستودع السفلي في المبنى المؤلف من ثلاث طبقات. فأحضر عمالا نقلوا الموجودات في المستودع الى شاحنة بيك- آب، ومن ثم جرى استسهال التخلص منها في مكبّ النفايات العشوائي للبلدة المجاورة في حزرتا، والكائن الى جانب الطريق العام بين قسمي القديمة والجديدة. وكان من بين نفايات المعمل المهجور علب كرتون احتوت إحداها على كيس فيه اقلّ من كيلوغرام من الصبغة الحمراء على شكل بودرة، كانت تستخدم في صناعة السكاكر. بعد رمي تلك النفايات، حضر عاملان من بلدية حزرتا في مركبة الى المكب، وعثرا في النفايات المرمية على كيس الصباغ في احدى علب الكرتون، وعبثا بها، فتلوثت ثيابهما وايديهما وصندوق المركبة. ولما حاولا الاغتسال وغسل الآلية من جدول مياه عند مدخل بلدة حزرتا القديمة، جرت المياه حمراء بفعل ذوبان البودرة الملوِّنة. وحاولا تنظيفها فزادت الامور سوءا، وجرت المياه الملوثة طبيعيا الى النهر الذي شهد مجراه تدفق موجة مياه حمراء لم تطل مدتها.

قامت القيامة ولم تقعد. وبناء على التحقيقات جرى استدعاء ثلاثة اشخاص، هم عاملا بلدية حزرتا، والمالك الجديد لمبنى الحلويات، وجرى التحقيق معهم، وأطلق الثلاثة بعد الاستماع الى افاداتهم، لعدم وجود "نيّة جرمية"، بل جلّ ما تسبب بالحادث الذي هدرت به وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي كان "تصرفا صبيانيا" وإهمالا وعدم مسؤولية، سواء في التخلص من النفايات أو في العبث بها. وفي إجراء اضافي لتهدئة الخواطر، ختم مستودع المعمل مصدر النفايات بالشمع الاحمر موقتا.


وفيما تلهّت البلديات بتقاذف التهم، والعاملون في السياسة والطامحون الى دخول ناديها بـ"القنص" لتسجيل النقاط على أبواب الانتخابات، زاد الرأي العام الامور تأزما بكلام غير مسؤول على المنابر المفتوحة لمواقع التواصل الاجتماعي. وبقي سؤال معلقا: ما هي المادة التي لوثت النهر؟

تشير كل الافادات والتقديرات الاولى الى أنها من الصباغ الذي يستخدم في تلوين الحلويات، وبالتالي لا يفترض ان تكون مؤذية لصحة الانسان، ولا سيما ان المعمل الذي كان يستخدمها لتلوين السكاكر بنكهة الفريز، كان يصدّر إنتاجه الى دولة في الخليج، الى جانب مرور نحو 17 عاما على اقفال المعمل. ولكن الجزم بتركيبة هذا الصباغ وآثاره على صحة الانسان يبقى رهن صدور نتائج تحليل العينة التي اخذت من البودرة لدى المختبر المركزي.

وفي تطور جديد في القضية، فتح اصطباغ البردوني بالاحمر العين على مكب بلدة حزرتا العشوائي المتوارث بين مجالسها البلدية، و"المحمرّة العين" منه اصلاً، بخاصة عندما كان يشتعل في الماضي، فتختنق بدخانه حزرتا تارة وقاع الريم طورا، وصولا الى مشارف وادي العرائش بحسب اتجاهات الرياح وقوتها.

ففي الاول من الشهر الجاري، وجّهت وزارة البيئة كتابا الى بلدية حزرتا طلبت فيه إقفال مكب النفايات التابع لها، وجاء في الكتاب: "بناء على خريطة الطريق لمكافحة تلوث نهر الليطاني وبحيرة القرعون (موضوع قرار مجلس الوزراء رقم 32 تاريخ 9 ايار 2014) والتي يشكّل موضوع النفايات الصلبة احد ابرز عناصرها، لاسيما ما يعود الى إقفال المكبات العشوائية واعادة تأهيلها، وفق المخطط التوجيهي الذي نشرته وزارة البيئة عام 2017 ووافق عليه مجلس الوزراء بموجب قرارة رقم 70 تاريخ 15/2/2018، وذلك استنادا الى قراره السابق رقم 45 تاريخ 11/1/2018 الذي وافق بموجبه على ملخص السياسة المستدامة للادارة المتكاملة للنفايات الصلبة، جئنا بهذا الكتاب نلفت انتباه بلديتكم الكريمة الى ضرورة مباشرة عملية إقفال المكب العشوائي في حزرتا انسجاما مع ما جاء اعلاه، وتفاديا لحوادث مماثلة لتلك التي شهدها اصطباغ نهر البردوني باللون الاحمر في 24/2/2018، والتي سهّل وجود هذا المكب حدوثها، علما ان الاقفال هذا يتطلب امورا ثلاثة: توافر بديل، حيث، وبعد مراجعة بلدية زحلة، أفادتنا عن استعدادها لاستقبال النفايات في مطمر زحلة الصحي لقاء المبلغ الذي تدفعه البلدات المجاورة، أي 13 دولارا للطن الواحد. إقفال المكب وفق الشروط الهندسية المناسبة، والتي حددّها المخطط التوجيهي المذكور اعلاه، والتي ستحاول الوزارة مساعدتكم في تأمين التمويل اللازم لتنفيذها من خلال إحدى الجهات المانحة. التقيّد بالتعميم رقم 8/1 تاريخ 16/11/2015 المعدّل بالتعميم رقم 7/1 تاريخ 16/11/2017 حول ارشادات الادارة المتكاملة للنفايات المنزلية الصلبة، وتكليف الشرطة البلدية المراقبة وضبط المخالفات، بما في ذلك منع الرمي العشوائي، وذلك تحت طائلة الملاحقة القضائية على إعتبار الفعل جرم جزائي كما ورد في الفقرة 5 من ملخص السياسة المستدامة للادارة المتكاملة للنفايات الصلبة (...) وإننا نعوّل على مجلس بلديتكم الكريم في الحرص على منع نشؤ مكب جديد لدى إقفال المكب المذكور".

ومع بدء إغلاق ملف مكب نفايات حزرتا العشوائي، يبقى مفتوحا التحقيق في تكوين المادة التي صبغت النهر، علما ان التلوث الاخطر لمياه البردوني على الصحة، هو ما لا تراه العين وفق كل التحاليل والتقارير.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم