الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كيف نحمي شبابنا من المخدرات الرقمية الخطرة؟

أنور يحيي- قائد سابق للشرطة القضائية
كيف نحمي شبابنا من المخدرات الرقمية الخطرة؟
كيف نحمي شبابنا من المخدرات الرقمية الخطرة؟
A+ A-

استهدفت الحرب اللبنانية التقاليد والقيم.. كثرت حوادث العنف..وها هي المسلسلات التلفزيونية والأفلام تظهر شراسة الشباب بالتصدي لفرقاء آخرين، وكم من جريمة اغتصاب أو قتل ارتكبها شبان بعمر دون العشرين؟؟ انتشرت التكنولوجيا وثقافة الإنترنت وبات الأهل قاصرين أحياناً كثيرة عن مراقبة أبنائهم من الاتصالات الخليوية والمراسلات الإلكترونية، والإشارات التي يعجزون عن فك طلاسمها. تفنن بعضهم بأشكال التعذيب قبل قتل ضحية ضعيفة، خائفة بين أيديهم، وكشفت محفوظات الأجهزة الأحاديث والتسجيلات الأخيرة بين الجاني وضحيته!! 

اعتدنا بعملنا البوليسي، لا سيما في الشرطة القضائية، مراقبة مستهلكي المخدرات الملموسة، Tangible من حشيشة الكيف، الكوكابين، الهيروين، حبوب الكابتاغون وغيرها من العقاقير المخدرة والمنشطة والمهدئة والمهلوسة، عبر إخضاع المشتبه فيه الى تحليل معين للتحقق من استخدام هذه المخدرات، وغالباً ما تأتي النتيجة دقيقة تبعاً لكمية المخدر وتاريخ استهلاكها من قبل الشخص.. وقد دلت تقارير الشرطة التونسية إلى اختلاط دم إرهابي تونس الذي قتل 39 أجنبياً وجرح العشرات على شاطئ سوسه عام 2014 بالكابتاغون المخدر، وبينت كاميرات المراقبة كيف كان يتفنن بقتل ضحاياه وهو يبتسم جذلان؟

شهدت مناطق الجبل في صيف العام 2017 عدة حوادث انتحار لدى فتيان في مقتبل العمر. وقد تعاونا مع الهيئات غير الحكومية والمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز والبلديات بإقامة ندوات وقائية في حاصبيا والشوف وعاليه والمتن لشرح مسؤولية الأهل والمدرسة والحكومة بالتصدي لظاهرة تفشي المخدرات بين الشبان وسوء استخدام الخليوي والتي قد تدفع بعضهم الى الانتحار وفقاً لدراسة ميدانية أجريناها بالتعاون مع المجتمع المدني في الجبل.. وكان الأهل الصامت الأكبر الذين يكتمون المعلومات حفاظا على سمعة العائلة وعدم إظهار تقصيرهم بمتابعة أوضاع أولادهم..وتبين وجود برامج غريبة على بعض أجهزة Lap top لضحايا الانتحار، ما يؤكد انخراط البعض بالتعرف الى نوع جديد من المخدرات عبر الإنترنت، ومن الصعب اكتشاف أدلتها إلا بتشريح الجثة، وهذا ما يرفضه الأهل، وتزويد رجال مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في الشرطة القضائية بالهاتف والجهاز المحمول I Pad , Computer, وغيرها.

شهدنا أثناء خدمتنا في الشرطة القضائية عدة حوادث انتحار بالسم، بالرصاص، بقطع الشريان، بالسقوط من مرتفع عال، بالشنق وغيرها، لأسباب متعددة. وبعضهم أدمن مشاهدة برنامج Blue Whale الذي يدفع بقسم من الشبان الى الانتحار تلبية لنداءات غريبة أو لبرامج عبدة الشيطان!

إن المخدرات الرقمية Digital Drugs ترتكز على إخضاع المتلقّي لترددات ونغمات محددة يتم سماعها عبر تثبيت محكم لسماعات الأذنين بدقة متناهية، وحيث تختلف ترددات كل أذن عن الأخرى من جهاز كمبيوتر أو هاتف خليوي، متصلين بجهاز الكمبيوتر أو الهاتف الخليوي أو I Pad، وتختلف ترددات كل أذن عن الأخرى، فالدماغ الذي اعتاد سماع الترددات عينها في كل أذن،عند سماع تسجيلات أو أصوات عادية، يسعى جاهداً للتوحيد بين الترددين، لا سيما عندما يكون الفارق بينهما كبيراً، فيفشل ويضحى بحالة اللاستقرار والضياع، ما يسبب الصرع الشديد لدى الشاب، المستلقي باسترخاء ، ومغمض العينين بعد شرب كمية من المياه وفقا لإرشادات البرنامج. وبعد مرور حوالى الساعة يغرق الشاب بنشوة معينة، وفقاً للجرعة Dose ، التي اختارها، بحيث هناك نشوة تماثل استهلاك الكوكايين، أو الهيروين، أو الحشيشة، كما علمنا من بعض المرجعيات وعبر أقوال بعض الذين خضعوا لهذه التجربة الرهيبة وأقلعوا عنها بعد اقتناعهم بخطورة السير فيها.

ترتكز المخدرات الرقمية على مبدأ الطنين أو النقر بالأذن، وقد استخدمت في أوروبا في العقد الثامن من القرن الماضي لمعالجة أمراض نفسية معقدة ومشاكل عصبية ومستعصية، لكن كما يتم استخدام المورفين المخدر أثناء العمليات الجراحية، ولأهداف طبية إيجابية، فإن استخدام المخدرات الرقمية اتجه نحو أسوأ الطرق، بعيدا من الإيجابية، ونحو الإحباط، وربما التخلص من أزمة عاطفية أو نفسية دقيقة. ولم يبق أمام الشاب إلا سلوك هذا الطريق لتخبئة الكيان في بيئة جديدة تنسيه واقعه الخطر لبرهة ثم تعيده الى مرحلة أشد قتامة، ثم الانتحار !!

إن الحصول على برامج programs المخدرات الرقمية سهل من قبل الشباب الذين يتقنون استخدام الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، لا سيما من ينقلون أجهزة الخليوي المتطورة والدخول الى you Tube المتيسر للجميع. وغالباً ما يتم الدفع عبر بطاقة الائتمان وبعيداً عن رقابة الشرطة، فلا داعي للحصول على الكوكايين والحشيشة عن طريق: delivery والمخاطرة بالتوقيف العدلي من قبل رجال التحري ومكاتب مكافحة المخدرات. فإن ولوج طريق المخدرات الرقمية أكثر أماناً وأرخص تكلفة، وأقل مراقبة من قبل الأهل الذين يفتشون مقتنيات أولادهم بحثاً عن الحشيشة أو الكوكايين والحبوب دون جدوى.

من هنا أضحت مهمة رجال المباحث أكثر صعوبة بحثاً عن مدمني المخدرات الرقمية، لا سيما أن إخضاع المشتبه فيه الى التحليل التقليدي أثبت فشله..إضافة الى قلق الأهل الذين يشاهدون أبناءهم في ضياع وتراجع بنتائج دراستهم، ومعاناة الشباب من أمراض يعجز عن كشفها الطب التقليدي.

من هنا ضرورة التنسيق بين الأهل والمدرسة والشرطة القضائية للتصدي لتنامي موجة المخدرات الرقمية، لا سيما بين الشباب، والحمد لله لا نزال في بداية الخطر، فاذا كانت المخدرات التقليدية تستهدف نشاط وحيوية المستهلك، فإن المخدرات الرقمية تستهدف الدماغ، ضابط إيقاع الحواس كلها، وتؤدي الى تعطيل الأعصاب. وقد تدفع بمستهلكها إلى الهاوية أو الانتحار بسرعة ودون التمكن من الإسعاف.. وقد ذكرت إحدى الدراسات في أوروبا بعد الاستماع الى مدمن مخدرات رقمية، وبعيدا عن الشرطة، بأنه عاش نشوة الكوكايين عبر المخدرات الرقمية، وشعر بانفصال جسده عن رأسه ولو لوقت ليس بطويل!!

إن انفلات التكنولوجيا وتعذر ضبطها لتستخدم ضمن الأصول المشروعة، وبهدف تذليل الصعوبات وتزويد طالب الخدمات بالمعارف اللازمة، يجعل مهام الشرطة المكلفة بإنفاذ القوانين والأنظمة اكثر صعوبة بضبط الأدلة لإدانة المشتبه فيه، وغالباً ما تكون تجهيزات الشرطة قاصرة عن مواكبة التطور التكنولوجي الذي يستوجب التقنيات والفنيين والقوانين المواكبة لتطور الجريمة، ويمنح الجناة فرصاً أكبر للإفلات من الملاحقة، فكيف هي الحال مع المخدرات الرقمية التي لم تلحظها قوانين المخدرات النافذة؟

إننا ندعو إلى سرعة تطبيق قانون المخدرات الجديد الصادر العام 1998، قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، والذي لم تصدر مراسيمه التطبيقية إلى حينه، لاسيما ضرورة تشكيل المجلس الوطني لشؤون المخدرات المؤلف من: 

1- رئيس مجلس الوزراء رئيساً

2- نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً للرئيس

3- وزراء العدل، الداخلية، الصحة العامة، الزراعة، المالية، التربية الوطنية، الشباب والرياضة، الشؤون الاجتماعية، ووزير الخارجية.

إضافة الى أمين عام المجلس بصفة مقرر..لاقتراح التدابير الآيلة إلى التصدي لتفشي المخدرات التقليدية والرقمية بين الشباب في الجامعة والمعهد والتجمعات. هذه الموجة التي تستهدف الشباب الذين يفتقرون الى التوجيه والإرشاد، وفي ظل إعلام همه كسب المال والتطلع الى ما يلفت انتباه الجمهور، من الدعايات ونشر برامج واستقطاب انتباه الجمهور وليس ما يحتاج إليه من ندوات ومحاضرات، وفي زمن أصبحت كل صفحات التواصل الاجتماعي و Google و you tube مباحة بين أيدي أطفال تم تزويدهم بتكنولوجيا الاتصالات وفقاً لطلب الإدارة، وبحيث يتبادلون في ما بينهم وبين الأستاذ الملاحظات والحوارات المعينة، فكيف نوفق بين مهام الأهل لكسب المال اللازم والبقاء المستمر قرب أولادهم أثناء استخدام التكنولوجيا؟؟

إن تركيز الأجهزة الأمنية على التصدي لتنامي الإرهاب وشبكات التجسس وإثارة الفتن التي تستهدف الكيان والوطن، قد يشغلها عن متابعة تطور الجريمة الاجتماعية والمالية والعائلية التي تستهدف المواطن في أمنه، واستقراره، وترابط كيانه العائلي، لا سيما صحة أولاده وانصرافهم نحو تحصين مستقبلهم بالعلم والمعرفة والتربية الصالحة، من هنا ضرورة تعاون الأهل بإعطاء الوقت اللازم للتحدث مع أفراد الأسرة والتأكد من سلامة العلاقة مع الرفاق، وإخضاعهم لجلسات المصارحة للوقوف عما يشغل بالهم ويتسبب بتراجع تفوقهم المدرسي، وتعاون المدرسة بتكريس ساعات الرياضة والنشاط غير الأكاديمي من رحلات وزيارت للمتاحف.. واستقدام أصحاب الخبرة والاختصاص للتحدث الى الطلاب للتوعية والإرشاد، تجنباً لسقوطهم في شرك المخدرات والمنظمات الإرهابية وجمعيات الأشرار، والتنسيق مع الأهل لإنقاذ المنحرف بأول المراحل قبل استفحال الأزمة التي قد تؤدي الى أزمات عصبية أو نفسية قد تدفع بالشاب الى الانتحار.!!

إن حوادث السير القاتلة بين الشبان نتيجة سوء استخدام الهاتف الخليوي أثناء قيادة السيارة، أو لسرعة مفرطة نتيجة تناول مشروبات كحولية أو مخدرات ملموسة أو رقمية تسبب حماساً غير واقعي، أو غيرها!! أو تبادل تسيجيلات وفيديوات يخجل من نشرها الشاب، وقد تدفع به أو بها الى الانتحار عند انكشافها. كلها تستوجب التوعية وتدارك الأهل لعلة الأولاد، باكراً، فهم من يكتشفها أولاً ويرفعون الصوت طلباً للمساعدة، ولكنهم قد يحجمعون عنها محافظة على سمعة أولادهم ومستقبلهم قبل التطلع الى إنقاذهم من شرك المخدرات التي تفتك بهم وبمستقبلهم وسمعتهم!

إن المخدرات الرقمية بدأت تطل علينا ويلجأ إليها بعض أولادنا وبناتنا، مستخدمين التكنولوجيا الحديثة المزودين بها لأمنهم وتسهيلاً للفروض المكلفين بها. فإذا كان الأهل لا يمكنهم مراقبة أستخدام الأولاد للتكنولوجيا على مدار الوقت، لكنهم ضمن التربية الصالحة وإعطاء الأولاد الوقت الكافي في المنزل للتحدث سوية، ومتابعة نشاطهم في المدرسة أو الجامعة وسرعة طلب المعونة الطبية أو البوليسية، قد تكفل الوقاية من شرها ونحصن أولادنا ضد خطرها الأليم، ونضمن مستقبلاً واعداً لهم بصحة وعافية، وغدٍ منتج، ومجتمع محصن ضد سوء استخدام التكنولوجيا!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم