السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

برلين ٦٨ - غاس فان سانت لم يذهب بعيداً على قدمي يواكين فينيكس

المصدر: "النهار"
برلين ٦٨ - غاس فان سانت لم يذهب بعيداً  على قدمي يواكين فينيكس
برلين ٦٨ - غاس فان سانت لم يذهب بعيداً على قدمي يواكين فينيكس
A+ A-

مع “لا تقلق، لن يذهب بعيداً على قدميه”، نكتشف مواهب لم نكن نعي أنّ غاس فان سانت يخفيها في داخله، أهمها روح الخفة والسخرية التي تضرب حتى في اللحظات الحالكة والحرجة. مع العلم أنّ مخرج “فيل” لم يكن يوماً من مناصري الصوابية الأخلاقية ولم يذعن في حياته إلى “السنتيمانتالية” الهوليوودية التقليدية.  


جديده المعروض في مسابقة الدورة الحالية من #مهرجان_برلين السينمائي (١٥ - ٢٥ الجاري) يُنيسنا قليلاً كارثة فيلمه السابق الذي كان له نصيبه من التهييص والشجب عندما عُرض قبل ثلاثة أعوام في #مهرجان_كانّ. إنّه عن فصول من سيرة رسّام الكاريكاتور الأميركي جون كالاهان (١٩٥١ - ٢٠١٠). في الحادي والعشرين من عمره، تعرّض كالاهان إلى حادث سير جعله مقعداً. وقع الحادث بعد خروجه من بار مخمراً برفقة رجل تعرف إليه فسلّمه القيادة، وكان أقل حظاً من السائق الذي خرج ببعض الجروح الطفيفة. عندما تسمّر على كرسيه المتحرّك، بدأت تنمو عند كالاهان موهبة الرسم، ليس أيّ رسم بل رسوم كاريكاتورية هزلية من النوع الـ”تراش” البسيطة جداً التي تنطوي على بعض الخطوط الصريحة والواضحة. وكان يسخر من مواضيع تُعتبر خطوطاً حمراء في المجتمع الأميركي، منها الإعاقة الجسدية التي صارت تعرف اليوم بالحاجات الخاصة. رسمه لأشخاص يعانون اعاقات كان يثير الغضب، ولكن في المقابل كان هناك مَن يمتدحه على جرأته، لا سيما أنّها كانت جرأة تسعى إلى فصل الاعاقة عن الشفقة. من فكره الحرّ وروحه الخفيفة، يستلهم غاس فان سانت روحية فيلمه الذي لا يقع أبداً في البكائيات والبؤس والعاطفة الجياشة.

 كان غاس فان سانت على وشك أن يؤفلم سيرة كالاهان الذي عرفه شخصياً في بورتلاند منذ ثمانينات القرن الماضي، قبل ٢٠ سنة. اقترح الفكرة يومها روبن وليامز الذي مثّل في “غود ويل هانتينغ” لفان سانت، وكان يرغب في ان يضطلع بدور كالاهان من باب توجيه تحية إلى صديقه الممثل كريستوفر ريف الذي أصيب بالشلل بعد سقوطه من الحصان، الا أنّ المشروع لم يتحقّق وحاول إحياءه مراراً في العقود الماضية ولكن بلا نتيجة. وشاء القدر أن يبصر الفيلم النور بعد موت الاثنين، أي كالاهان (٢٠١٠) ووليامز (٢٠١٤).  


بقميصه الهاواي الملوّن وانحناءة رأسه وتمسّكه بالحياة وصموده، يطلّ كالاهان علينا وهو يحاول إخضاع نفسه لعلاج التخلص من الإدمان على الكحول، وسريعاً يصبح مستحيلاً التفكير في الفيلم من دونه. خلف هذا الوجه الذي نرتاح اليه أكثر كلما أنعمنا النظر اليه، يوجد يواكين فينيكس في دور صعب ومركّب. دور استعدّ له عبر مطالعة كتاب سيرة كالاهان عدداً لا يحصى من المرات. فينيكس يصبح شخصاً آخر ولكن يظلّ في داخله مكان لفينيكس وسخريته الهدّامة وأشيائه العظيمة. هنا عبقرية هذا الممثل الذي ينبغي ألا ننسى أنّه وقع في أيادي أمينة أوصلته إلى شاطئ الأمان. صحيح ان الفيلم يعتمد على الأداء في المرتبة الأولى، الا انه أيضاً يحمل بصمات غاس فان سانت، كسيد حرفة وصنعة، ولكن رغم خروجه عن النصّ، ثمة انطباع يصعب التخلّص منه وهو بلادة اخراجه. إخراج فان سانت يفتقد إلى اللمسة التي صنعت أهم أفلامه، من "البحث عن فوريستير" إلى “بارانويد بارك”، وهذا رغم ان السيناريو بليغ جداً في تشابك الأزمنة بسلاسة لا مثيل لها، وربط الجانب البسيكولوجي (النقص العاطفي عند كالاهان جرّاء تخلّي والدته عنه) بالجانب المهني في حياته. يصوّر فان سانت كالاهان بشيء من عدم الاكتراث، كأنّ ما يراه الأخير في الفنّ من مشروع تثبيت كيانه، بات عند مخرجنا الكبير تحصيلاً حاصلاً منعه من الذهاب بعيداً.   

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم