السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

بطاقات هويّة الشيخات الدرزيات معلّقة: هل يكشفن عن وجوههن؟

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
بطاقات هويّة الشيخات الدرزيات معلّقة: هل يكشفن عن وجوههن؟
بطاقات هويّة الشيخات الدرزيات معلّقة: هل يكشفن عن وجوههن؟
A+ A-

هوية الشيخة الدرزية معلّقة. المسألة متأرجحة بين مطرقةٍ وسندان: حقّ وزارة الداخلية في تطبيق القوانين وحقّ رجال الدين في الحفاظ على التقاليد الدينية. الخلاف ترجم على صورة الهوية: على الشيخة أن تكشف عن ثغرها فتظهر ملامح وجهها كاملة. المشايخ يرفضون الطرح. الأسباب يكشف عنها لـ"النهار" رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى. المساعي الهادفة للتوصل الى حلٍّ مشترك عمرها أكثر من سنة. يرويها لـ"النهار" عضو اللقاء الديمقراطي النائب أكرم شهيب. فأي صيغة من شأنها ملاقاة الطرفين في منتصف الطريق؟ وكيف يمكن تطبيق القانون ومراعاة الدين في آنٍ واحد؟

ما يميّز الشيخة الدرزية عن المرأة المحجّبة لدى المذاهب الإسلامية الأخرى، أن حجابها، أو ما يعرف بـ"المنديل الأبيض"، يغطي ثغرها الى جانب شعر رأسها وجبينها. ومن غير المحبّذ أن تتناول الطعام أمام الحضور، أو يتوجّب عليها إخفاء فمها خلف المنديل خلال مضغها الطعام. وغالباً ما تعقد الشيخات خلوةً في الأعراس أو المناسبات الاجتماعية، ويتناولن الطعام في غرفةٍ خاصة بعيداً من الحضور. ولا تصافح الشيخة الدرزية الرجال، باستثناء ما يسمّى بـ"المحرم". ويتشكّل المحرم من المحيط العائلي كالأب والابن والأخ والعم والخال، لا أكثر. وما ينطبق على رمي السلام، ينطبق أيضاً على الكشف عن المنديل. 

ويقول أبي المنى في هذا الإطار إن "المنديل الأبيض الذي يغطي الرأس الى ما دون الأنف، هو بمثابة السمة المتبعة تراثياً وتاريخياً في المجتمع التوحيدي لدى الموحدين الدروز". ويلفت الى أن "السواد الأعظم من الشيخات يضعن الحجاب كاملاً على الرأس ويتلثّمن. والبعض منهن فقط يستخدمن المنديل غطاءً للرأس فقط". ويؤكّد أن "الشيخة لا تنزع حجابها سوى أمام محرمها (الأب، الابن، العم والخال)".

لا يعني التقاط صورة الهوية بحسب القوانين التي تحرص وزارة الداخلية على تطبيقها أن تنزع الشيخة حجابها. بل إن الاجراءات الواجب اتبعها، تقتضي في أن تظهر كامل ملامح وجهها بما فيها الثغر. وتحفظ الشيخة حقّها في عدم الكشف عن رأسها. بما معناه مراعاة الصورة خصوصية المرأة المحجبة بشكلٍ عام. ويأتي هذا الإجراء صوناً لمقتضيات لها علاقة بالحفاظ على الأمن، خصوصاً في السنوات الأخيرة التي شهد فيها لبنان عمليات أمنية لها علاقة بالإرهاب. تغطية الجزء الأكبر من الوجه قد يحول من دون التعرّف إلى الشخص في صورة الهوية، من وجهة نظر أمنية. حتى إن القانون الدولي يحتّم على المرأة الكشف عن ملامح وجهها في صورة جواز السفر. ويذكر أن المشايخ لا يحبّذون سفر رجال الدين الى خارج البلاد.

وهل تبرّر المقتضيات الدينية السماح باستثناءات لمصلحة الشيخات الدرزيات والمنقبات بشكلٍ عام؟ يجيب أبي المنى أن "الشيخة الدرزية مواطنة لبنانية". ويتساءل: "لماذا نريد أن نحرمها من هويتها للتخلي عن التقليد الذي هو فرض موجود؟ ألا أعطيها هويتها الا من خلال نزع الحجاب"؟ ويشرح الأسباب التي في رأيه قد تؤدي الى مشاكل في حال التقاط صور فيها سفور، قائلاً: "الكشف عن ثغر الشيخة في صورة الهوية مسألة قد ينتج منها طلب الكشف عن ثغرها في كلّ مرّة تطلب هويتها على الحواجز الأمنية على سبيل المثال للتأكد من تطابق المستند مع صاحبته. وهذا ما سيؤدي الى مشاكل كبيرة، خصوصاً أن الرجال لا يسمحون بالكشف عن كامل وجه نسائهم".

من جهته، عقد شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن مؤتمراً صحافياً في 19 شباط الجاري تناول فيه موضوع بطاقات الهوية الخاصة بالنساء الملتزمات. واعتبر أن "طائفة الموحدين الدروز، ومنذ ما قبل النشوء الرسمي لوطننا لبنان في العام 1920، لم تكن إطلاقاً طائفة أو مذهباً بالمعنى الضيق، بل كانت طائفة وطنية مؤسسة للكيان اللبناني. كذلك لم تكن يوماً طائفة منغلقة أو متزمتة، بل طائفة محافظة، متمسكة بالأصول التوحيدية، والقيم الأخلاقية، ثابتة على قناعتها بأن الدين لله والوطن للجميع".


وأكّد حسن أن "من التقاليد الراسخةِ في العرفِ التوحيدي، ارتداء الزِيّ الديني بما فيه النقاب للنساء، وعدم السّفور الذي يُعتبَر تقليداً عريقاً، والتزاماً دينياً مرتبطاً بقواعد السلوك والآداب عند المرأة الموحِّدة، ولا يُمكن التنازل عنه. وإنَّ أيَّ شروطٍ بهذا الموضوع تتعلق بنقابهِنَّ هو تعدي على حريتهِنَّ وانتقاص من حقوقهِنَّ وحرمانٌ من هويتهِنَّ". واذ طالب الجهاتِ المعنية بـ"احترام تقاليد وأعراف مجتمعنا الديني واعتماد الآلية اللازمة التي تراعي خصوصية نسائنا المعرّف عنهُنَّ من مشيخة العقل وتُمكنهِنَّ من الحصول على هويتهِنَّ الوطنية على أرضنا الوطنية".

وعلى الصعيد السياسي، عمل شهيب منذ قرابة السنة مع وزارة الداخلية والرئيس الحريري لحلّ المسألة. وعن نتيجة المفاوضات، يقول: "أقصى ما توصلنا اليه الاحتكام الى سيدات من قوى الأمن الداخلي لتصوير الشيخات او المنقبات من الطوائف الاسلامية الأخرى في أماكن يرتحن لها كمشيخة العقل او دار الافتاء او المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى". وهل تناسب صيغة الحل المقترحة تطلعات رجال الدين؟ يجيب أن "مشيخة العقل تتواصل بشكل واضح مع وزارة الداخلية، انما لم نتوصل الى حلّ حتى الساعة".

يحرص شهيّب على تأكيد ضرورة تحقيق ايجابيات في الملف والبحث عن مخرج يراعي البعدين الديني والقانوني. ذلك أن "الموضوع لا يتعلّق بالانتخابات بقدر ما يرتبط بحيازة هوية. ونتأمل التوصل الى حلّ يرضي الطرفين، الايمان والشروط الدينية من جهة والشروط التي وضعتها وزارة الداخلية، من جهة ثانية. شرط ألا تتعارض الشروط بعضها مع البعض الآخر".

وعندما نسأله عن حلٍّ مقترح، يجيب أنه "من الممكن التوصل الى حلّ وسطي بين العينين والأنف". ويعوّل على اقتراح تقنية بصمة العين لو كان بالامكان تأمينها، مشيراً إلى أنها "تقنية متوافرة في الامارات العربية المتحدة ولكن كلفتها مرتفعة وليس من السهل تأمينها في الظروف التي تمر بها البلاد".

ورغم الحاجة الى الهوية للمشاركة في الانتخابات، الا أن الأهم بالنسبة إلى شهيب "حقّ حيازة الشيخة الهوية لأنها انسانة وقد تتعرّض لحادثة تحتم عليها الدخول الى المستشفى على سبيل المثال. وهي مسألة مرتبطة بحياتها اليومية خصوصاً أن لدينا شيخات يعطين دروساً في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعات أخرى، وهن مواطنات صالحات".

من جهته، أكّد رئيس الحزب الديموقراطي وزير المهجرين طلال ارسلان "الرفض الكامل من المشايخ الأجاويد ومن قبلنا تصوير الشيخات سافرات على بطاقة الهوية، وبدورنا أكدنا إخراج هذا الموضوع من الاستغلال الانتخابي الرخيص". وأضاف في موقفٍ أطلقه في مواقع التواصل الاجتماعي: "أناشد الصديق وزير الداخلية نهاد المشنوق وضع حد لهذه المتاجرة واعتماد ما بحثنا به وأكدنا عليه في جلسات اللجنة الوزارية لقانون الانتخاب وتوافقنا عليه وهو بصمة العين التي أصبحت متداولة في كل الدول المتقدمة".

الأمور لا تزال معلّقة حتى الساعة. الاقتراحات كثيرة: بصمة العين والحلّ الوسطي بين العينين والأنف والاحتكام الى نساء لمساعدة الشيخات في التقاط الصور. كيف يترجم الحلّ ومتى؟


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم