السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

من يتذكر الفيضان المرعب لـ"أبو علي"... توسعة النهر أنقذت المنطقة من كارثة

المصدر: "النهار"
طرابلس _ رولا حميد
من يتذكر الفيضان المرعب لـ"أبو علي"... توسعة النهر أنقذت المنطقة من كارثة
من يتذكر الفيضان المرعب لـ"أبو علي"... توسعة النهر أنقذت المنطقة من كارثة
A+ A-

بين الحين والحين، تتدفق السيول المنحدرة من جبال الأرز في الوادي المعروف بوادي قاديشا، عابرة العديد من البلدات قبل وصولها إلى طرابلس حيث يكتسب نهر "قاديشا" اسم نهر "أبوعلي".


ولأنه "أبو علي"، لقب القبضايات المحلية الطرابلسية، يؤثر كثيرون القول أن "أبو علي" ثار، ويعرف أنه ارتفعت سيوله إلى مستوى عالٍ غير معهود، يخيف بهديره كل ما يحيط به، لكن، في العام ١٩٥٥، تكاثرت السيول، وأحدثت طوفانا دخل المنازل المحيطة بالنهر، وقضى على مجتمع، هادىء، جميل، وذهب ضحية الفيضان مئات الأشخاص، ووصلت السيول يومئذ إلى أحياء بعيدة في المدينة. 


وعندما وصل ابن طرابلس رشيد كرامي إلى رئاسة الحكومة أوائل الستينات، وكان في حلف مع الرئيس الراحل فؤاد شهاب في حقبة هي أكثر فترة شهد فيها لبنان تحسنا في مؤسساته، وبناه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، أمن كرامي مشروعا لتوسيع النهر منعا لحدوث فيضان آخر. 


جرت توسعة النهر بتعميق ممره، وتوسعته، ما يزيد على الخمسة عشر مترا، بارتفاع تسعة أمتار، هي بنظر خبراء تلك المرحلة كافية لأي فيضان يمكن أن يتسبب به نهر بحجم نهر قاديشا، مهما كبر حجم الفيضان. 



أسباب الفيضانات تختلف باختلاف المرحلة. في أواسط الخمسينات لم يكن معروفا الكلام عن الاحتباس الحراري، والخلل الناجم عنه في أحوال المناخ. وما سبب الفيضان الكبير، على ما يذكر متقدمون في السن، أن السيول احتقنت عند مدخل النهر أول مدينة طرابلس بأشجار جرفتها السيول، وعندما بلغت السيول ارتفاعا كبيرا، لم تعد الأشجار تمنع عبورها، فانجرفت معها، وتحت قوة ضغطها، فحدث الفيضان، متسببا بكارثة لن تنساها طرابلس.


أوائل التسعينات، فاض نهر أبو علي، على ما يذكر الشاب سعد حافظة (٣٧ عاما) المقيم قرب قلعة طرابلس، مباشرة فوق النهر، ويعمل سائقا لشاحنة. في ذلك الفيضان، كما يذكر سعد، أن السيول بلغت ارتفاع مترين ونصف المتر في سياق المعابر الجديدة للنهر، وكان ذلك أكبر ارتفاع بلغه النهر بعد توسعته. ويعتقد سعد أن النهر لو لم تجر توسعته، لأحدث فيضان أوائل التسعينات كارثة أكبر من الأولى الخمسينية.




الفيضان المتكرر


لا يتذكر سعد، ولا احد آخر، اسباب فيضان ذلك التاريخ. وبالأمس، تكرر الفيضان في النهر، كما في العديد من الأنهر اللبنانية، خصوصا الشمالية، والمعروف بحسب مراكز رصد جوية عدة، ان أمطارا معتدلة الحرارة تساقطت في كل لبنان، وعلى المرتفعات بصورة متواصلة لأكثر من أربع وعشرين ساعة، فتسببت بإذابة طبقة خفيفة من الثلوج، قليلة التجمد، على ارتفاعات من ١٢٠٠ متر وما فوق، تساقطت قبل أيام قليلة أوائل الأسبوع الفائت، فاذابت الأمطار الوسيطة الحرارة الثلوج في طبقات رقيقة لا تزيد عن 15 الى عشرين سنتيمترا، وتسببت بالسيول غير المرتقبة.


يعزو مراقبون، يتابعون حركة الطقس، حدوث الفيضان إلى الاحتباس الحراري الذي تتساقط الأمطار في ظله مرتفعة الحرارة. وقد تتكرر الظاهرة في أي لحظة أخرى، لكن مخاوف بلوغ السيول سطح مجرى النهر، صعبة بسبب وسعه الكبير، وارتفاع السيول الحالي إلى مترين، لا يسبب خوفا من فيضان قاتل ومدمر كما في أواسط الخمسينات.


يؤكد حافظة وهو يراقب تدفق السيول انها لم تبلغ أكثر من متر ونصف المتر، ثم ازدادت قليلا مع الصباح، لتعود للانخفاض، وأكبر دليل على ذلك أن جداراً باطونيا مرتفعا داخل الجسر لا يزيد عن متر ونصف المتر ارتفاعا، لا تزال الأوساخ عالقة عليه، ما يؤكد أن السيول لم تغط هذا الحد الباطوني، وإلا لجرفت تلك الأوساخ.



ومع ذلك، يفيد حافظة أن هدير النهر في محلة الجسر كان مخيفا، وكذلك عند جامع البرطاسي، الذي دخلته سيول الخمسينات بقوة، وارتفعت السيول قربه كثيرا هذه المرة. كما انتشرت السيول في الوادي الواقع شرق مدينة طرابلس، دون ان تحدث أية أضرار.


غالبية المواطنين فرحون بالفيضان الآمن، لأنه نظف مجرى النهر من تراكم الأوساخ فيه، بينما يجري تنظيفه في فترات متباعدة لا تكفي لبقائه نظيفا.






أما المأسوي في فيضان الأمس، فكان عند جسر الشلفة، الموصل بين مجدليا في زغرتا، وابي سمراء بطرابلس عبر ممر فرعي، عليه جسر خفيض لا يزيد طوله عن العشرين مترا، ولا يرتفع عن مجرى النهر أكثر من أربعة أمتار.


يوفر هذا الجسر التفافا طويلا على المارة، فبدلا من العبور إلى طريق القلعة، نحو كيلومترين بعيداً من الجسر، يعتمد المارة ممر الشلفة في اتجاههم بمختلف الاتجاهات بين زغرتا والضنية شرقا، وابي سمراء، ومنها نحو طرابلس المدينة، وإلى خارجها، نحو بيروت، غربا، موفرين بذلك على أنفسهم مشقة عبور طرق شديدة الازدحام، ووقتا يحرق الأعصاب في الشوارع أول مدخل طرابلس الشرقي.


فاضت السيول فوق الجسر، وعلت أكثر من متر وفق ما أفاد به احد السكان القريبين من الجسر، وتفاجأ أحد السائقين بسيارته داخل السيول التي بدأت تجرفها، فما كان منه إلا أن قفز من سيارته، في نقطة قريبة من بساتين الليمون، وتمسك بقطع حديد ثابتة، وظل متمسكا بها إلى أن أنقذته فرقة من "الجمعية الطبية الإسلامية".


رغم أن الفيضان لم يتسبب باضرار فعلية، ولا بخسائر في الأرواح، لكنه تسبب بذعر بين السكان الذين يكتنزون في ذاكرتهم فيضان الخمسينات برعب.


وبالنسبة إلى جسر الشلفة الذي يؤمن حركة النقل في بساتين الليمون المعروفة بـ"المرجة"، فقد أدت السيول إلى تصدع أساساته للجهة الغربية، أي جهة أبي سمراء، فعمدت السلطات المعنية إلى إقفال الجسر منعا لتعرض العابرين، خصوصا الناقلات الثقيلة، إلى احتمال انهياره، وتسببه بكارثة جديدة.


لذلك، يقتصر العبور حاليا على الجسر، للمشاة، ويمنع عبور السيارات والباصات، ما تسبب في زحمة، وفوضى سير، خصوصا للباصات التي تقل التلامذة بين مدارسهم وبيوتهم.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم