الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

من إدلب الى بعقلين: العيد ليس هنا

زينة حريز
A+ A-

هي مريم. "صغيرة البيت" و"الحارة"، دخلت وعائلتها الاراضي اللبنانية هروباً من نار الحرب ورائحة بارود في ريف ادلب. جاءت بها دراجة والدها النارية من سوريا الى الشوف، عابرةً آلاف الكيلومترات، طالبةً "اللجوء الموقت" بين أربعة جدران في طابق سفلي في حي "كفر حصيد" في بعقلين الشوفية.


عندما تلمح مريم وأشقائها الخمسة للمرة الاولى، يخيّل لك أنك أمام مشهد من مسلسل "باب الحارة" حيث يلعب ألاطفال في باحات بيوتهم، الى جانب بركة الماء الصغيرة، نقشت عليها زخرفاتٍ شامية، تركت وحيدةً في ديارٍ اشتاقت قهقهات ألاطفال ورحيق الياسمين.
جاء "العيد الكبير"، ورافقته أصوات "الفرقيع" ورائحة "الفتيش" في أياد صغيرة تلوح، حاملةً بكفوفها لفحة أمل، تفتقدها مريم وإخوانها.
في زيارة قامت بها "النهار" لعائلة مريم عشية عيد الاضحى، تحدث بعض افرادها عن مدى انسجام العائلة مع نسيج أبناء البلدة، اللذين، وبحسب إيمان والدة مريم، وفروا "المسكن والسترة لبناتي الخمس و طفلي ابرهيم، الذي ولد في بعقلين ويربى اليوم في أحيائها وبين أولادها". وفي سؤالنا عن ذهاب الاولاد الى المدرسة، أوضحت إيمان أن الفتيات يذهبن بالدور، "يوم مريم ويوم رؤى"، فـ"إبن عمي" (أي زوج ايمان ورب العائلة) لا يستطيع توفير تكلفة تعليمهم، مشيرةً الى أنه، وبرغم "جرم نظام الاسد كان يوفر تعليماً مجانياً". تقول رؤى، وهي الاخت الاكبر، انها كانت الاولى على دفعتها وأنها تشتاق اليوم لرفاق صفها وأساتذتها، لكنها، كما أخواتها، تخشى "صوت المدفع" الذي أودى بحياة جدها وجدتها اللذين كانا "ضد قوات بشار" السنة الماضية في إدلب.
هناك أكثر من 50 عائلة سورية نزحت من إدلب الى بعقلين فقط، علماً أن جميع القرى المحيطة تستقبل، وبشكل يومي، عشرات الافراد والعائلات السورية، من "جبل الدروز" وغيره. هذا وأشارت بعض النسوة الى أن "لا أحد يتعامل معنا على أساس مذهبي"، وأن بعض الجمعيات والعائلات "تحتضن أطفالنا الذين يتقاضون اجراً زهيداً مقابل أعمال منزلية كرص الزيتون الاخضر وتجميع أدوات كهربائية وألعاب وكنزات للشتاء القادم". أما النسوة، مثل إيمان، فبعضهن امتهن "التبصير"، ويتقاضين مبلغ 5000 ليرة لبنانية مقابل قراءة كل فنجان.
عائلات إدلب في البلدات الشوفية، يأتون حاملين على أكتافهم عبء علمٍ وعمرٍ ضائعين في ساحة حربٍ لم يعرف فيها لا غالب ولامغلوب سوى الشعب السوري، وأطفال سوريا تحديدا، اللذين يريدون العودة الى "دار" أجدادهم.
يلفتك عدم اكتراث الاولاد باصوات المفرقعات، يحيّرك قبل ان تنسبه الى غياب شعورهم برهجة العيد، فبعينين يغمرهما بريق حزين، ترمقك مريم الصغيرة مرددة: "مافي عيد بلبنان... العيد بس بسوريا". حتى لو كثرت المساعدات وفاحت رائحة معمول و"كعك العيد" في أحياء الضيع اللبنانية، فكثير من هؤلاء الاولاد، وإن ذاقوا طعمها لن يتلذذوا سوى بـطعم "الكعك الشامي" و"البرازق الحلبية"

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم