الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

المتسولون ينتشرون على أرصفة المدينة: همّ إنساني لا طاقة على استيعابه\r\n

المصدر: "النهار"
علي منتش
A+ A-

ينتشرون اينما كان. في كل المناطق، او الأصحّ على أرصفة كل الشوارع. هم طبعاً لا يعرفون الساعة الصفر التي بدأت عندها حكاياتهم. لا يعرفون كيف تدحرجت المصائب لتسقط على رؤوسهم.


لا يستطيع المار على تلك الارصفة ان يميّز بين المتسولين. لا يستطيع ان يعرف من، من بين هؤلاء يمتهن التسوّل، ومن منهم رمّته الاقدار على تلك الارصفة. جميعهم متساوون في نظر من يمرّ، "اشخاص لن يصل احدهم الى المستوى الذي نحن فيه".


تقف هدى وتسند جسمها النحيل الى عامود اشارات السير. تنظر وكأن في عينيها قسوة تسعى الى الانتقام. يركض اخوتها بين السيارات، ويتسولون. هي اكبرهم.عمرها 18 سنة، الأمر الذي يصعّب عليها فكرة التسوّل. لا تتكلم كثيرا، كل ما تفعله هو المراقبة بحسرة. بين السيارات المتوقفة في الزحمة، يحصل المشهد في ثوان معدودة. هم عائلة سورية نازحة. لم يكونوا يوماً متسولين، كما تروي الشقيقة الكبرى. "تعمل" فقط لترعى اشقاءها، وخوفاً عليهم. تستصعب التسول، وفق قولها، "رغم ان الامر يعتبر مصدر رزقنا الوحيد.. لم نكن يوما اسرة غنية، كنا فقراء، كان والدي يعمل في أحد البساتين، وقتل خلال الأحداث".
انتقلت هدى مع والدتها واخوتها في إحدى الشاحنات الى الحدود اللبنانية، "وها نحن اليوم، لا مأوى لنا".
من حولها اولاد كثر يظنون انهم يلعبون. لا وسائل تسلية أخرى في زحمة هذه المدينة، هم لا يعرفون كيف يفقد الإنسان كرامته، ولا يعرفون ما الذي يعتبر تنازلاً. هذه شقاوة يمارسونها، من سيارة الى اخرى، للحصول على المال. يفرحون ويضحكون ولا يهتمون باجوبة المارة او بلا مبالاتهم، لتختنق اكثر تلك التي تراقبهم.


**


في شارع قريطم، نازحة اخرى. تجلس في زاوية قرب مدخل احد المباني. يبدو انها اختارت زاويتها بعناية. زاوية بعيدة عن كل شيء. لا يبدو في اختيارها تزلف او اي وقاحة. هي لا تريد ازعاج احد، ولا تريد لاحد ازعاجها. تستطيع قراءة النظرات المتعاطفة وتلك النافرة المشمئزة وتستطيع التعايش معها، "لا لشيء، فقط لأن لا حلّ آخر". تحمل ابنها الرضيع بين يديها. يبدوان وحيدين، لا يظهر الوالد اي الزوج في اي فترة. تغطيه ليلا "بشرشف" ملّون، غير متناسق مع سواد حالتها، تقول ان احد السكان منحها اياه.
"زوجي في سوريا". هل يقاتل مع المعارضة؟ هل تعرفين عنه شيئاَ؟ لا تجيب عن اي سؤال. تتحدث عن ابنها. هو كل همها، "احاول رعايته، هو لا يعرف ماذا يحدث، كل ما يجب فعله هو تأمين الطعام له". التسوّل اذا! هي لا تتسوّل، الامر ليس بهذه البساطة، "لم نتعوّد فعل هذا الامر، وفعله سيكون كالانتحار، لن انتحر واترك ابني".
تعرّف عن نفسها بـ"ام محمد" هي ابنة العشرين سنة. يستطيع هذا اللقب مضاعفة عمرها، " ننتظر توقف قلبنا عن الخفقان لنموت".
تحصل "امّ محمد" على غذائها من مطعم قريب، صاحبه سوري. يرسل اليها ولغيرها ما يزيد عن مطعمه من طعام. هكذا تمرر وقتها في انتظار انتهاء شيء لا تدري متى بدأ ولا كيف سينتهي.


**



عجوز مسنة، لا تملك سوى عكازها، ومنديلها الابيض. صفاء وجهها لا يخبرك عن عناء تعيشه. تنقل قدماها ببطء على الطريق. يكاد من يراها ان يتأكد انها من ابناء المنطقة، تعيش في احدى الشقق في هذا المبنى او ذاك. لا تسمح لك بالاستفاضة. تنده "يا شبّ.. ساعدني. ليس لديّ منزل اسكن فيه". هي من حلب. اتت الى هنا كما اتى اغلب السوريين. اليوم لا تدري ان كانت ستعود. رغم تأكدها ان للازمة نهاية، لكن سؤالها هل ستكون النهاية قبل نهاية عمرها؟.


**


هي نماذج لبشر ينتشرون في شوارع المدينة المتعبة والمثخنة بجراحها. اي قلب هذا الذي يسمح لنا يومياً بالعبور فوق المتسولين الجالسين في زوايا الشوارع، هنا وهناك. لكن ما العمل؟ وكيف لنا ولهذا البلد الذي يعيش كثير من ابنائه تحت خط الفقر، تحمل ما لا طاقة عليه. انها المعادلة الصعبة، انسانيتنا مجروحة من المشهد المأسوي ومن العجز ايضاً.. وكذلك من اعتياد العبور فوق سيل المتسولين والمشردين الذين يفترشون العراء


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم