الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

عفرين... الحرب بالوكالة

المصدر: "النهار"
آلان حسن
عفرين... الحرب بالوكالة
عفرين... الحرب بالوكالة
A+ A-

ظلّ السوريون خلال الأعوام السبعة الأخيرة أسرى لصراع مصالح القوى العالميّة، والدول الإقليميّة، دون وَضْعِ أيّ اعتبارٍ لمعاناة شعبٍ تشرّدَ في أصقاع العالم، في أحد أسوأ الحروب بعد الحرب العالميّة الثانية في القرن الماضي. 

ولعلّ الكثير من المعارك التي حصلت في تلك الفترة لم يَكُن للسوريّ فيها دور سوى القتل قرباناً لمصالح دولٍ إقليميّة تستخدمها كورقةٍ لتقوية نفوذها في المنطقة، أو تطبيقاً لمشروعِ قوّة عظمى لن يُنْتِجَ سوى دولة تابعة لها.

عفرين السورية ليست استثناءً في هذه الحالة، فهي اليوم تعيش حرباً لمصالحَ إقليمية، لا ناقة للسوريين فيها ولا جمل.

يُعَدُّ حزب الاتحاد الديموقراطي الأكثر فاعلية في المشهد السياسي الكُردي، وجناحه العسكريّ "وحدات حماية الشعب" هو العماد الرئيسيّ لقوات سوريا الديموقراطية التي تسيطر على ما يقارب ثلث الجغرافيا السوريّة، ويعتبر الحليف الأبرز للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

تسيطر "سوريا الديموقراطية" على كامل شرق نهر الفرات التي تُعتبر منطقة نفوذ أميركية، وعلى منطقة عفرين في غرب الفرات الواقعة تحت النفوذ الروسي، وأعلنت عن نيّتها تأسيس قواتٍ لحراسة حدود مناطق سيطرتها.

أعلن الحزب، وحلفاؤه، مطلع العام الماضي الفيدراليّة الديموقراطية لشمال سوريا، والتي تضمّ أقاليم الجزيرة، والفرات، وعفرين. وعند الإعلان الأميركي عن عزْمِهِ تعزيز وجوده في الشمال السوريّ، وإرسال دبلوماسييه للمساعدة في إدارة المناطق، كان ذلك دقاً لناقوس الخطر التركي الذي رأوا فيه بداية مشروع أميركي تقسيميّ، يستدعي رداً مباشراً، فأعلنت عن بدء عملية غصن الزيتون في استغلال لرمزيتها السِلميّة بحربٍ قاسية قساوة جبال عفرين التي مَنَعَتْ تقدّماً سريعاً كان مخططاً له.

رغم الخلافات الكبيرة بين الحكومتين السورية والتركية لكنهما لا يمكن إلا أنْ تتفقا لمواجهة أي مشروع كُردي، فالبلدان يعيشان نفس الهواجس من جهة وجود قضية كرديّة لم تَجِدْ طريقها للحلّ منذ نشوئهما.

العلاقة تأزّمت لحدّ التلويح العسكري التركي تسعينيات القرن الماضي على خلفية دعم دمشق لحزب العمال الكردستاني، انتهى الخلاف آنذاك بترحيل زعيم الحزب عبد الله أوجلان إلى اليونان، حتى انتهى به المطاف في سجن إيمرالي محكوماً عليه بالمؤبّد.

تعارض دمشق العملية التركيّة، مما دعا الإدارة الذاتية في عفرين إلى طلب مساعدتها للدفاع عن المدينة، لكنْ دونَ تجاوب إلى الآن، موقف عزاه القائد العام لوحدات حماية الشعب "الكرديّة" إلى الضغط الروسي الذي يمنعها من التدخل.

تعيش تركيا عاماً للانتخابات الرئاسية، يحتاج فيه الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تمديد ولايته لاستكمال مشروعه في حكم تركيا، ووجد في عملية "غصن الزيتون" فرصةً لكسب شعبية كبيرة افتقدها خلال سنوات الحرب السورية، فاستجمع كل قواه العسكرية والديبلوماسية والإعلامية، لتحقيق نصر سريع على حزب العمال الكردستاني من خلال حزب الاتحاد الديموقراطي والذي يعتبر امتداداً فكرياً له، حيث تريد أنقرة وأد مشروع "الاتحاد الديموقراطي" الفيدرالي وتالياً منع "الكردستاني" من الامتداد بما قد يستثمره "الأخير" في الداخل التركي.

وفي سبيل ذلك عقدت أنقرة تفاهمات مع موسكو تقضي بمقايضة عفرين ومنبج، بإدلب، في مشهد مكرر لما حصل قبل عام حين تنازلت عن حلب مقابل غض طرف روسي لعملية درع الفرات التي توجت بالسيطرة على مدينتي الباب وجرابلس وذلك بهدف منع الاتصال لجغرافي لإقليمي الفرات وعفرين.

تريد موسكو أن تعود لبوابة النفوذ الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1990، عبر بوابة دمشق.

وعليه، فقد استخدمت حق النقض في مجلس الأمن لتمنع أي تدخل عسكري غربي قد يهدِّد من وجودها فيها، وتشكل المناطق التي يسيطر علبها الكرد خزاناً اقتصادياً مهماً لا تريد موسكو أن تخسره، فحافظت على علاقة سياسية جيدة معهم، وعسكرية في مدينة عفرين.

لم يعكر من صفو تلك العلاقة سوى انسحاب قواتها من عفرين تمهيداً للعملية العسكرية التركية، ورفض حزب الاتحاد الديموقراطي عرضاً روسياً لتسليم المدينة للحكومة السورية مقابل منع الأتراك من اقتحامها.

أما الولايات المتحدة الأميركية فبعد التعويل على دعم المعارضة السورية المسلحة، والتي تعاني من تعدد الولاءات من تركيا والسعودية وفرنسا، وعدم القدرة على الفصل بين المتطرفين وأولئك الذين يؤمنون بالحل السياسي، فما كان منها سوى الاعتماد على وحدات حماية الشعب الكردية، ولاحقاً قوات سوريا الديموقراطية، في حربها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، حتى سيطروا على كامل شرق نهر الفرات، مما أثار مخاوف أنقرة من مخطط تقسيمي أميركي يكون الكرد فيه رأس حربتها.

ستكون لعملية "غصن الزيتون" ارتداداتها في الداخل التركي، وستؤثر بشكل مباشر على الانتخابات الرئاسية.

والمقاومة الكبيرة التي يبديها مقاتلو قوات سوريا الديموقراطية سيكون له تأثير في قادم الأيام، فالوقت لن يكون لمصلحة القوات التركية والقوات الموالية لها، خصوصاً أن عدد الضحايا المدنيين هو في ازدياد، الأمر الذي سيشكل ضغطاً إضافياً عليهم.

أما الحل النهائي للأزمة السورية فستحدده تفاهمات موسكو وواشنطن اللتين تتشاركان ملفات عدة حول العالم، وسيكون الملف السوري إحداها عند تقاسم الكعكة الدولية.

*كاتب سوري



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم