الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل يبقى الوضع اللبناني رهن العوامل الخارجية؟

موريس نهرا
A+ A-

ان يكون لبنان منفتحا على الخارج في علاقاته السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والثقافية شيء، وان يصبح ساحة مفتوحة تستخدمها المخططات والصراعات الخارجية وفق اغراضها شيء آخر... ولان تداخل العوامل الخارجية والداخلية شديد التأثير في الوضع اللبناني، فمن الطبيعي ان يشعر اللبنانيون في الحالة السائدة، بالقلق على امنهم الحياتي والوطني وعلى معيشتهم الاجتماعية، خصوصا في ظل ما يحدث من صراع دولي واقليمي في المنطقة، واضطراب في محيطهم السوري والعربي، وبخاصة مع بروز دور قوى التطرف الديني والمذهبي وممارساتها الاجرامية التي تشكل نمطا تستخدمه ضد كل من لا يدين بفكرها ومفهومها للدين، سواء من المنتمين الى اديان ومذاهب اخرى، ام من ابناء الدين والمذهب نفسه.
وتشير اعمال الاجرام وازهاق الارواح هذه، في كل من العراق وسوريا، ومن بعض ما يظهر في مصر، وجزئيا في لبنان، وربما في اماكن اخرى، ان هذه الاعمال ليست وليدة مفهوم ديني حقيقي، فهي مناقضة للقيم الدينية نفسها، و ان عملها يصب الماء في طاحونة مخطط اميركي صهيوني يساند التطرف الديني، ويعود له دور اساسي في صنعه وتمويله وتدريب عناصره، لاستخدامه ضد كل من يرفض الانجراف في مخططه او يعيقه. فقبلا كان لمناهضة الاتحاد السوفياتي، وضد مواقف وسياسة جمال عبد الناصر التحررية وامثاله... ونرى اليوم ان الاجرام الذي تمارسه هذه المجموعات التكفيرية في سوريا، ليس لتحقيق الاصلاح والتغيير الضروري الذي انتفضت الجماهير للمطالبة به، بل لتشويه هذه الانتفاضة، وضرب ما هو وطني وعروبي في موقف سوريا، الذي اذا رضخ النظام القائم وتخلى عنه، تنتهي المشكلة لدى اولياء المخطط المذكور والتابعين لهم. فالدور الذي يقوم به تيار التطرف الديني والمذهبي في المجتمع العربي المتعدد، والممارسات الاجرامية التي يرتكبها ضد الآخر، يخدم بوضوح نشر "الفوضى البناءة" في العالم العربي واستنزاف طاقاته وطمس الصراع الاساسي وتحويله الى نزاعات وحروب اهلية، وتفتيت الكيانات العربية لاقامة الشرق الاوسط الجديد... فهل صدفة ان تحدث حالة الاضطراب والفوضى هذه في معظم البلدان العربية، فيما اسرائيل تنعم بالراحة والارتياح؟ ولو كان الامر صراعا دينيا فعليا، او بدافع وطني، لتركز هذا الصراع في الدرجة الاولى ضد اسرائيل التي قامت على انقاض تشريد شعب فلسطين بالمجازر والقوة، وتواصل يوميا قضم ما تبقى من ارض فلسطينية، بما في ذلك في القدس الشرقية وحرم المسجد الاقصى، وتعمل على اقامة الدولة الدينية اليهودية. ويكشف ذلك طبيعة ودور قوى التطرف التي تتلبس ثوب الدين والمذهب، وتقوم بمهمة تمزيق نسيج المجتمع العربي الذي تكون تاريخيا منذ نشوء الاديان السماوية وحتى قبلها... فما جرى في بلدة معلولا التي تتميز بطابعها التاريخي والديني والاثري القيم، وقبلها في اماكن اخرى، ومع آخرين، مناقض تماما لمقتضيات وجود حد ادنى من الشعور الوطني والانساني والاخلاقي، ولمبدأ احترام الآخر، بصرف النظر عن المذهب والدين الذي ينتمي اليه هذا الآخر...
وازاء الاخطار التي تنطوي عليها ممارسات هذا التيار وخلفياتها، التي قد تنعكس على الوضع اللبناني الشديد الحساسية والسريع الانتكاس، بسبب نظامه السياسي الطائفي وتوازناته والانقسامات العمودية التي يستولدها، لا يكفي الاتكال على وعود القوى الخارجية، سواء اكانت دولة ام مجموعة دول، فهي لم تكن يوما ضمانا حقيقيا للبنان، خصوصا ان مخطط الغرب الاميركي هو اثارة الفتن في بلدان المنطقة لمنع تحقيق اهداف الانتفاضات الشعبية، ولتفتيت الكيانات العربية... فمثل هذه الوعود، لم تترجم بمنع اسرائيل من الاعتداءات والحروب المتكررة على لبنان، ومعلوم ان المخطط الاميركي في المنطقة كان العامل المشجع لتفجير الحرب الاهلية المدمرة في بلدنا، ويبقى كذلك كلما احتاج مخططه الى ذلك... ولهذه الاسباب فان العلاج الحقيقي والضروري لانقاذ لبنان هو في ولوج باب الاصلاح الجدي في الداخل، المنطلق من ضرورة الغاء اسباب الانقسامات والعصبيات والفتن التي يستولدها النظام الطائفي، والتي تجتذب التدخلات الخارجية، وذلك بالعمل على عقد مؤتمر وطني تشترك فيه جميع القوى اللبنانية السياسية والنقابية والثقافية، للوصول الى ثوابت واسس توفر امكانية بناء الوطن الحصين، والدولة الديموقراطية القائمة على المواطنية والمساواة بين المواطنين، وترسيخ السلم الاهلي... والا يبقى الوضع اللبناني يتأرجح بين المراهنات على الخارج ووصاياته، وبين فتن وتسويات داخلية تعيد تكرار الحالة نفسها.


كاتب سياسي شيوعي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم