السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الفصل الرابع من العام 2017: من أجل انتهاز فرصة حقيقية لتوفير هبوط آمن في المالية العامة طال تأجيله

الفصل الرابع من العام 2017: من أجل انتهاز فرصة حقيقية لتوفير هبوط آمن في المالية العامة طال تأجيله
الفصل الرابع من العام 2017: من أجل انتهاز فرصة حقيقية لتوفير هبوط آمن في المالية العامة طال تأجيله
A+ A-

شهد النشاط الاقتصادي في لبنان تحسناً خجولاً في العام 2017، كما يشير إليه متوسط المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام. في الواقع، لقد سجل المؤشر العام متوسطاً قدره 304.7 خلال تلك الفترة، حيث نما بنسبة 5.3٪ بالمقارنة مع نمو بنسبة 4.6% في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2016، مما يشير إلى تحسن النشاط الاقتصادي بشكل طفيف في أعقاب الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية. 

إن تطور مؤشّرات القطاع الحقيقي يدعم هذا التحسن النسبي في النشاط الاقتصادي خلال العام 2017، وإن تشير الوتيرة الإجمالية لتغيّر مؤشرات القطاع الحقيقي إلى تحسن، وإنما غير ملحوظ، في النشاط الاقتصادي بشكل عام. فمن بين المؤشّرات التي سجّلت نمواً إيجابياً نذكر قيمة المبيعات العقارية (+18.5%)، إنتاج الكهرباء (+14.6%)، عدد السيّاح (+10.0%)، عدد المسافرين عبر المطار (+8.3%)، عدد مبيعات السيارات الجديدة (+2.5%)، وقيمة الشيكات المتقاصة (+0.3%). ومن بين المؤشرات التي سجلت نمواً سلبياً نذكر تسليمات الإسمنت (-4.9%)، الصادرات (-4.5%)، مساحة رخص البناء الممنوحة حديثاً (-4.1%) وحجم البضائع في المرفأ (-1.2%).

وتشير التقديرات إلى أن الأزمة السياسية التي تمثلت باستقالة رئيس مجلس الوزراء سعد #الحريري في شهر تشرين الثاني المنصرم كان لها بعض التداعيات على الاقتصاد الحقيقي، على الرغم من أن تأثيراتها كانت قصيرة الأجل نسبياً، نظراً للتسوية النسبية للأزمة والتي تجسّدت مع عودة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى لبنان. ويمكن تلخيص تداعيات هذه الأزمة على الاقتصاد الحقيقي بشكل عام بشهر واحد من الترقب الذي خيّم على مناخ الاستثمار مما أجّل بعض القرارات الاستثمارية الكبرى في القطاع الخاص، بالإضافة إلى التأثير السلبي على حركة السياحة بسبب حظر دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بعد نهوض نسبي شهده القطاع السياحي في وقت سابق خلال العام الماضي.

وفي حين يقدّر مصرف لبنان نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.5٪ للعام 2017، إلا أنه بقي دون المتطلبات اللازمة لتحقيق نهوض ملموس. إذ من المقدّر أن الاقتصاد اللبناني يعمل بنسبة 80٪ من الناتج الممكن تحقيقه والعمالة الكاملة، مما يشير إلى وجود فجوة كبيرة بين الناتج الفعلي والناتج الممكن تحقيقه في ظل الوهن المستمر في الطلب على السلع والخدمات على الرغم من التحسن النسبي بعيد التسوية السياسية المحلية. 

أما على المستوى النقدي، فقد بلغت التحويلات من الليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية ما مجموعه 2.9 مليار دولار خلال شهر تشرين الثاني المنصرم، أي ما يعادل 5٪ من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية. وهكذا، فقد بلغت التحويلات ما نسبته 5٪ من قاعدة الودائع بالليرة لبنانية، مما يشير إلى أن هذه الأزمة كانت أخف وطأة من الأزمات السابقة في عامي 2005 و2006 أي في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري والحرب الإسرائيلية على لبنان، حين شهدت الأسواق المالية آنذاك تحويلات لصالح العملات الأجنبية بما نسبته 30٪ من الودائع بالليرة اللبنانية. والجدير بالذكر أن حركة كل من التحويلات لصالح العملات الأجنبية وخروج الرساميل قد توقفت نسبياً مع نهاية شهر تشرين الثاني 2017، مع توجه اللبنانيين للاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة على الليرة اللبنانية من جهة والبدء بإعادة أموالهم إلى لبنان قبل نهاية العام من جهة أخرى.

وعلى الصعيد المصرفي، إن انكماش المجاميع المصرفية في شهر تشرين الثاني المنصرم عقب استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري قد أرخى بثقله على أرقام العام 2017 وإنما دون أن تنزلق إلى مستويات تراكمية سلبية. إذ نمت الودائع المصرفية بقيمة 6.2 مليار دولار في سياق انكماش في الودائع بالليرة بقيمة 2.8 مليار دولار ونمو في الودائع بالعملات الأجنبية بقيمة 9.0 مليار دولار. عليه، فإن النمو الإجمالي للودائع خلال العام 2017 كان أقل بنسبة 44٪ من نموها في العام 2016 والذي شهد عمليات الهندسة المالية حين نمت الودائع بقيمة 10.9 مليار دولار. وعلى صعيد حركة التسليف، كان أداء العام 2017 مشابهاً تقريباً لأداء العام 2016 من حيث نمو التسليفات المصرفية الذي بلغ 3.1 مليار دولار خلال العام 2017 مقابل نمو بقيمة 3.0 مليار دولار في العام 2016 ونمو بمتوسط قدره 3.6 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية.

إن توقعاتنا الماكرو اقتصادية للعام 2018 تتمحور حول نمو في الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 3٪ (أو 5.5% بالقيم الإسمية) لاسيما في ظل الانتخابات النيابية المنتظرة وعلى افتراض أن التسوية السياسية المحلية الجديدة ستصمد على مدى العام المقبل. فالنمو الاقتصادي سيكون مدفوعاً بنمو بنسبة 10% في حركة الاستثمار الخاص وذلك انطلاقاً من قاعدته الضعيفة نسبياً في العام 2017، وبنمو بنسبة 4٪ في الاستهلاك الخاص، وبنمو بنسبة 24% في الاستثمار العام في سياق إطلاق البرنامج الاستثماري الجديد، إلى جانب نمو في الصادرات بنسبة تفوق 10% في ظل إعادة فتح معابر التصدير البري عبر سوريا. بموازاة ذلك، من المتوقع أن تنمو الكتلة النقدية بنسبة 5٪ مدفوعةً بنمو في التدفقات المالية الوافدة بنسبة 10%، مما قد يؤدي إلى تقلص في عجز ميزان المدفوعات. ومن الممكن أن يولّد ذلك، على مستوى القطاع المصرفي، نمواً في الودائع بقيمة 8 مليارات دولار، إضافة إلى منح قروض إضافية بقيمة 3.5 مليار دولار للقطاع الخاص.

الخلاصة: قطاع النفط والغاز، فرصة حقيقية لتوفير الهبوط الآمن على المدى الطويل

قبيل نهاية العام 2017، منح مجلس الوزراء رخصتين لاستكشاف واستخراج الغاز والنفط في البلوك 4 في الشمال والبلوك 9 في الجنوب. ويأتي ذلك في أعقاب عدد من المراحل التي أُنجزت على مدى نصف العقد المنصرم والتي شملت التصديق على قانون الموارد النفطية البحرية، تعيين هيئة إدارة قطاع النفط، إقرار مرسوم دفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية بعد تأخير دام بضع سنوات قبل أن يصدق مجلس الوزراء على مرسومي تقسيم المياه البحرية الخاضعة للدولة اللبنانية ونموذج اتفاقية الاستكشاف والإنتاج مع بداية العام 2017.

وقد مُنحت رخصتي استكشاف واستخراج للغاز والنفط لائتلاف يضم شركات توتال وإيني ونوفاتيك. هذا ومن المرجح أن تُوقّع العقود بحلول نهاية كانون الثاني 2018، مع مخطّط لبدء الحفر الاستكشافي للنفط والغاز البحري خلال العام 2019. ومن المتوقع أن تستغرق مرحلة الاستكشاف ما يقارب الخمس سنوات، تليها بضع سنوات لإعداد البنى التحتية قبل البدء بتحقيق إيرادات مالية من هذا القطاع المربح. وعليه، تقدّر حصة الدولة اللبنانية بما نسبته 65٪ إلى 71٪ من إيرادات البلوك 4 و55٪ إلى 63٪ من إيرادات البلوك 9.

ومع بدء استخراج النفط والغاز من المياه اللبنانية، بإمكان لبنان حينها أن ينتقل من دولة إلى دولة مختلفة تماماً. إذ أن تحوّل اعتماد مرافق توليد الطاقة في لبنان من النفط إلى الغاز الطبيعي من شأنه أن يسهم في تقليص مهم للعجز المتمثل في إمدادات الطاقة والذي يتجاوز حالياً المليار دولار سنوياً. كما وأن الموقع الاستراتيجي للبنان يمنحه خيارات تصديرية متنوعة، إذ يمكن تصدير الموارد النفطية باتجاه تركيا أو أوروبا من خلال خطوط أنابيب الغاز أو سفن الغاز الطبيعي المضغوط، أو باتجاه آسيا من خلال ناقلات الغاز الطبيعي المسال، أو نحو سوريا والمناطق المجاورة من خلال تصدير الكهرباء.

عليه، من المتوقع أن ينشئ لبنان صندوقاً سيادياً ليستقطب أرباح الدولة من قطاع النفط والغاز. مع الإشارة إلى أن الصناديق السيادية تتمايز عن المصارف المركزية، إذ يمكنها أن توظف أموالها في استثمارات محفوفة بمخاطر أكبر ولآجال طويلة الأمد. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصندوق السيادي يضمن كل من استقرار الموازنة العامة من خلال تحقيق التوازن بين تقلبية الإيرادات ومكافحة التضخم عبر امتصاص السيولة الفائضة. والجدير بالذكر أن تدفقات الرساميل من وإلى الصندوق السيادي ينبغي أن تُدمج بشكل كامل ضمن الموازنة العامة لضمان النزاهة وحماية دوره كآلية لتحديد أولويات الإنفاق وتخصيص الموارد العامة.

واستناداً إلى أسعار الغاز والنفط الحالية وعلى أساس احتياطيات الغاز الطبيعي في لبنان المقدّرة بحوالي 96 تريليون قدم مكعب واحتياطيات النفط المقدّرة بحوالي 865 مليون برميل، فإن قيمة إجمالي احتياطيات النفط والغاز قد تصل إلى حوالي 400 مليار دولار، ويقدّر صافي العائدات للدولة اللبنانية بأكثر من 200 مليار دولار (يغطي رسوم الإتاوات وتقاسم الأرباح والضرائب وغيرها)، أي ما يعادل حوالي ثلاثة أضعاف حجم مديونيتها العامة الحالية. واستناداً إلى التجارب الدولية، من المتوقع أن يستمر الإنتاج لمدة 35 عاماً، لتبلغ الطاقة الإنتاجية الكاملة بحلول العام 2036 وفق صندوق النقد الدولي. وبالنظر إلى أن أفق الموارد النفطية تُعدّ طويلة الأمد، فإن إدارة التقلبية في هذا القطاع ينبغي أن تكون محور التركيز الرئيسي للمالية العامة في الأفق.

ووفقاً لتقديراتنا، فإن مرحلة استخراج النفط والغاز ستحوّل العجز العام إلى فائض بعد خمس سنوات من بدء الإنتاج، في حين من المرجح أن تنخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما دون الـ100٪ في الأفق ذاته. بالإضافة إلى ذلك، سيكون لاستخراج النفط آثار غير مباشرة على عدد من الصناعات والتي تخلق العديد من فرص العمل والتوظيف في خدمات التطوير العقاري والفنادق وخدمات التأمين والخدمات المالية وغيرها. ووفقاً لتوقعاتنا، فإن الناتج المحلي الإجمالي اللبناني في ظل سيناريو إنتاج النفط والغاز قد يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي العادي بحوالي 30% في الأفق.

في الختام، إن قطاع النفط والغاز يجسّد فرصة حقيقية لتوفير سيناريو الهبوط الآمن للاقتصاد اللبناني ولأوضاع المالية العامة الهشة. ولكن هذا لا يعني أنه بمقدرة السلطات المعنية أن تنتظر عائدات هذا المشروع الطويل الأجل دون إطلاق الإصلاحات الملحّة، فهنالك حاجة ماسة للبدء بإصلاحات هيكلية لوضع الاقتصاد على مسار النمو المستدام على المدى القصير والمتوسط لضمان استمرارية المناعة النسبية التي عرفها لبنان على مدى العقدين الماضيين.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم