عقود من السنين مرت على لبنان واللبنانيين، ونحن لا نزال نفكر كيف نصنع وطناً، غريبة عجيبة هذه القطعة الجغرافية الصغيرة، آلاف المحاولات للوصول الى نظرة موحدة الى الوطن ولم ننجح حتى الساعة. مجموعة متناقضات دينية اجتماعية فكرية ثقافية اقتصادية اجتمعت على هذه الرقعة كل واحد منها يرى الوطن من وجهته، يتمسك بنظرته، يقاتل، يحمل سلاحاً، يقيم حرباً ولا يتراجع، غير مستعد للمساومة ولا التفاوض للوصول الى نقاط مشتركة مع غيره، وهكذا على مر الأيام تربح فئة وتخسر أخرى وما زال الوطن ضائعاً بينهم.
وتمر الايام وتتغير ولا تزال إمكانية الخرق غير متاحة، حيث إن الافكار ما زالت متجذرة والهوية ضائعة، لكن لا بد من التفكير بأقل الممكن نلتقي عليه اذا لم يكن جميعنا فأغلبيتنا، لتحقيق خرق صغير نحو صناعة وطن ربما يكون حجر الانطلاق نحو المستقبل.
من أهم الامور البنيوية في هذا الاتجاه هي التسليم بنهائية الوطن فلبنان ليس محافظة ولا متصرفية انما وطن له حدوده وسيادته وجيشه ومؤسساته، وربما العودة الى ميثاق 1943 الذي كان إجماع حوله حينها يكون المنطلق الاساس، والامر الثاني هو الشروع ببناء دولة، و"بأقل الممكن"، دولة عادلة قضاؤها نزيه وقضاتها من دون ارتباطات، يخّرجون من معاهدهم وجامعاتهم وليس من الصالونات السياسية، دولة حامية لمواطنيها من خلال مؤسساتها الأمنية والعسكرية، دولة مقاومة ورادعة، لديها مقاومتها الشعبية الشاملة من دون استعمال فائض قوة من بعض الشعب على البعض الاخر، دولة راعية عبر تأمين الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية والبنى التحتية (كهرباء، ماء، طرقات) من دون محاصصات وسرقات وإهدار و"تمريقات".
وأخيراً، وربما هذا يرتقي الى مستوى الحلم هو دولة مدنية يتساوى مواطنوها أمامها، بغض النظر عن اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وانتماءاتهم.