عشت طفولتي متنقلاً بين الاشرفية والبوار بسبب الحرب والقتال بين "الاخوة" في البيت الواحد ، ولم انعم بجو من الاستقرار يتيح لي تنمية موهبة أحبها، في حينه كانت الغناء. وباتت "الحرب" لعبتي مع رفاقي. كنا ننقسم الى فريقين، كما كانت الحال وقتذاك ونستخدم كل الوسائل للسيطرة على نفوذ الآخر، لكن بفارق واحد واساسي عن الحقيقة، لا قتل ولا دماء، ومع انتهاء اللعبة نعود اصدقاء على عكس الكبار. اليوم، وفي ظل الاستقرار النسبي، افرح جدا عندما أجد طفلاً مثل جورج عاصي ابن كوكبا الجنوبية التي أعرفها بالاسم، يتمتع بهذه الموهبة التي زرعها الخالق في حنجرته واوتاره الصوتية، وهذا الحضور العذب الذي يعكس طيبة شعبنا وحبه للحياة والفرح.
نصنع وطناً حقيقياً عندما ندعم ونحضن اطفالنا الموهوبين الذين يرفعون اسم لبنان عالياً في وقت يحوله الكبار الى مزرعة ومستنقع بسبب خلافاتهم الشخصية، وياللأسف، وذلك لأنهم لا يتخاصمون من اجل مصلحة الشعب، بل من اجل مصالحهم الخاصة. هل سمعتم يوماً ان مسؤولين تخاصموا لأنهم ارادوا توسعة طريق او تخفيف الضرائب؟ بل تجدهم يتخاصمون من أجل صفقة كهرباء، لتعبئة جيوبهم.
نعم، بامثال جورج عاصي ولين حايك وغيرهما من المواهب المدفونة والمخنوقة بروائح عفن الدولة ونفاياتها، نستطيع ان نوصل صوتنا الحقيقي الى العالم، ونؤكد له ان وطننا هو وطن حقيقي يعشق الفن والسلام والتطور والازدهار، ويؤلمنا ان يتذكرنا العالم على شاشاته بصور النفايات وسط المدن وعلى شواطئه.
نريد العالم ان يتذكرنا بمواهب اطفالنا وشبابنا واصواتهم الجميلة. عندها نكون بدأنا بصناعة وطن حقيقي استشهد من أجله الآلاف ليبقى... وسيبقى.