الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

عشنا مع جبران تويني الثورة والرفض وعدم الاستسلام والخنوع!

المصدر: "النهار"
روزيت فاضل
عشنا مع جبران تويني الثورة والرفض وعدم الاستسلام والخنوع!
عشنا مع جبران تويني الثورة والرفض وعدم الاستسلام والخنوع!
A+ A-

 من الصعب جداً الكتابة عن مرحلة "ذهبية" لي ولكثيرين من أبناء جيل الحرب في ملحق "نهار الشباب". بعد عودته من باريس، بدأ جبران تويني في رص صفوف الشباب الجامعي وتلامذة المدارس لإبداء رأيهم في واقع الحياة السياسية وتطلعاتهم المستقبلية للبنان من خلال ملحق أسبوعي أصدره أسبوعياً كل ثلثاء، وخصص فيه بعض صفحات لـ "هايدبارك" تضمنت كتابات شعرية وسياسية حرة لشباب لبنان. حاول بعض الصحف اليومية أن "يستنسخ" تجربة هذا الملحق، لكنها لم تنجح لأن دينامية جبران تويني وإيمانه المطلق بدور الشباب جعلا هذا الملحق تجربة نموذجية لكل ناشري الصحف في لبنان والمنطقة.  

تراب لبنان...


في العام 1997، أدخلنا جبران تويني الى ملاك الجريدة بعدما رصد لنا مبلغاً من المال كبدل أتعاب لمشاركتنا في كتابة مقالات في الملحق المذكور. أعطانا، نحن الشباب، فرصة استثنائية لنكون من أسرة "النهار". آمن بنا، وخصص وقتاً كبيراً لدعمنا ومتابعة عملنا من خلال ترؤسه إجتماعات أسبوعية لفريق العمل حيث تبادلنا الأفكار في مواضيع الساعة.  

أدرك جبران تويني أن الجيل الجامعي، الذي انتسب ببطاقة "نهار الشباب" الصحافية، لا يعرف الآخر المختلف، بل هو ينساق وراء أحكام مسبقة عن اللبناني المقيم في المقلب الآخر من بيروت. قرر تويني أن يكسر هذه الحواجز النفسية بين الشباب، فطلب من محرري الملحق دعوة كل شباب لبنان الى إجتماع سنوي في مدرسة البشارة الأرثوذكسية لوضع استراتيجية عمل تطورت تباعاً لتشمل لجاناً متخصصة في البيئة، والشعر وسواها، ولتكون مساحة تعبيرية لكل من يرغب.

أضف الى أنه كان لجبران تويني هم أساسي برز في رغبة بتشجيع مندوبي الملحق بمشاركة أسرة الملحق في زيارات اكتشافية لمناطق عدة في لبنان منها في صيدا وصور في الجنوب أو في الشمال وصولاً الى النبطية والشوف وجبيل وغيرها. كانت الرحلات على نفقة منظمي الحدث - أي إدارة الملحق – ويتزامن المشوار بمحطات خاصة بعضها أثري أو ترفيهي مرفقة بزيارات لبعض الشخصيات السياسية في هذه المناطق. 


 الى أرنون در... 



ما المغزى من ذلك؟ كان هدف تويني أن يقول لنا نحن شباب الحرب الأهلية أن معاناة اللبنانيين في المناطق كلها هي ذاتها. وهكذا كان... توجهنا معه في 4 أيار 1999 الى بلدة أرنون الجنوبية، بعد تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي. لبّى عدد لا يستهان به من اللبنانيين دعوة تويني الى فك الحصار من خلال مسيرات شعبية تطالب بـ "فك أسر" أرنون. استقبلنا الجميع بحفاوة، أذكر تماماً كيف أراد كثيرون إلقاء التحية على الأستاذ. تطفل علينا الجميع حتى ذلك الراعي، الذي جاء خصيصاً ليلقي التحية على الأستاذ جبران.


لِم كل هذا الحماس؟ لأن الأستاذ جبران دعا في افتتاحيته في الملحق (العدد 204 من 23 شباط الى 1 آذار 1999) الى "الزحف الى أرنون". طالبهم بـ "مسيرة شعبية الى أرنون لرفع الحصار، بالقوة، ورفع الأسلاك الشائكة ونزع الألغام وفتح الطريق". ودعاهم في افتتاحيته الى " مسيرة تقتحم شريط الذل حتى لو أطلق العدو عليها النار"، مجدداً الحماس في نفوس اللبنانيين، قائلاً: "الى أرنون يا جماعة، لا قوة أهم من قوة الشعب، و لا يمكن جيشاً أن يقف في وجه جيش الشعب". 

وهكذا ساهم قلم جبران في عودة أرنون الى لبنان، كل لبنان.


من ساحة الشهداء الى الهرمل  


لِم أحببنا كثيراً جبران تويني؟ الجواب بسيط لأنه سمح لنا أن نحلم معاً بوطن، و أن نسعى معاً لتحقيق ذلك. ظلم كثيرون جبران تويني بإصدار أحكام مسبقة عليه، ولم يدركوا أهمية إعطائه مساحة للشباب أو حتى سعيهم لانخراطهم في "مهنة المتاعب" أو حتى دفع بعض مندوبي الملحق لفرض رأيهم على السياسيين من خلال تنظيم عدد من الـ"هايدبارك"، والتي بثت مباشرة على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال أنترناشونال. من أبرز الحلقات المميزة في ساحة الشهداء في 9/5/1995 ، وكان أبرز ضيوفها الوزير السابق زياد بارود، النائب غسان مخيبر ووزير البيئة السابق جوزف مغيزل وزوجته المناضلة الاستثنائية لحقوق المرأة السيدة لور مغيزل... أحب جوزف مغيزل شغف الشباب.


في هذا اللقاء الحواري، جلس معهم على الأرض وسمع هموم الشباب وأحلامهم... المستحيلة! لا ننسى طبعاً هذه النشاطات في كل من ساحة الشهداء ومرفأ جعيتا السياحي (5/8/1996)، والتي كانت تبدأ بإطلاق مسابقة فوتوغرافية أو مسابقة رسم، هدفها دفع الشباب الى اكتشاف ثروات لبنان وجماله الطبيعي وتراثه. هي محاولة لدفع الشباب الى اكتشاف محيطهم أو حتى التوجه الى مناطق أخرى، علّهم يتعلقون بلبنان.  

"الدنيي دولاب يا دولة الرئيس!"

أما الحدث الأبرز فهو اختيار 128 شاباً وشابة ليكونوا "نواباً ليوم واحد" في الندوة البرلمانية بمشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري. توجهنا في 29/8/1997 الى المجلس، كل واحد منا جلس في المقعد الذي يمثل منطقته. دخل الرئيس بري وتحدث تويني عن أهمية هذه المجموعة وضرورة الاصغاء الى كل واحد. كان وضعنا صعباً جداً لأننا كنا في خضم احتلال سوري ظالم: سمير جعجع في السجن ورئيس الحكومة الانتقالية الجنرال ميشال عون في المنفى.


بُثّ هذا الحدث مباشرة على الهواء. سألت الزميلة ميليا بو جودة عن عودة الجنرال ميشال عون، فيما سجل لمندوب جامعة الروح القدس ربيع الشاعر مداخلة رفض فيها سجن الدكتور سمير جعجع دون سواه من السياسيين، وتوجه الى الرئيس بري قائلاً: يا دولة الدنيي دولاب".  وبعد الجلسة، أبدى بري إعجابه باندفاع الشباب، لكنه تمنى عليهم ضبط حماسهم بعض الشيء لأن الظروف الدقيقة تفرض علينا ذلك.  

الحكمة ونفس السياسة


لم تتحقق هذه النشاطات لولا دعم الراحل الكبير أنطوان الشويري، كان حماسه لمشاريع جبران - لا حدود له. شكّلت انتصارات فريق الحكمة الرياضي "إكسير" دعم . كتب جبران في إحدى إفتتاحياته: "أرأيتم كم كان لبنان في حاجة الى الانتصار. في حاجة لأن يبرهن للعالم أنه ما زال حياً على مستوى التحديات وعلى مستوى اتخاذ القرار الصعب".

في الوقت نفسه، كنا نكتب عن كل هموم الشباب ونتابع أدق تفاصيلها من غلاء أقساط الجامعة الأميركية الى الانتخابات الطالبية فيها، الى كل شيء... لم كل هذا الاندفاع؟ لا شك أن جبران تويني زرع فيها العنفوان، وكنا على إيمان مثله أن للصحافة اللبنانية قضية أساسية وهي مقاومة الإحتلال السوري والمطالبة باستقلال لبنان. يشهد التاريخ أن جبران تويني خاطر بحياته مراراً لأنه كان "يبطش" بهذا النظام و"بوطاويط الليل"، الذين كانوا يقلقون نوم الشرفاء في لبنان...


هذا جزء بسيط مما عشناه مع رجل استثنائي يدعى جبران تويني...النضال لم ينته طبعاً. لكن المشكلة أن صحافة اليوم تفتقر الى قضية توحدها، وهذا أمر مؤسف. ما الحل؟.. لا أعرف... 

[email protected]







الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم