الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الحرية لفائق المير

روجيه عوطة
A+ A-

من المؤسف أن نبدأ الكتابة عن فائق المير بعبارة "اعتقله النظام منذ أيام بعدما اعتقله لسنوات". الحق أن الأسف لا يستوي بسوى وقوع المرء على خبر في الإنترنت، مفاده "الإفراج عن المعارض السوري فائق علي أسعد"، فيعتريه الفرح للحظة قبل اكتشافه أن الخبر يعود إلى العام 2008. فبعد مجيئه إلى لبنان، معزياً بثلاثي الإنتفاضة جورج حاوي، وسمير قصير، وجبران تويني، اعتقل أمن الدولة المير في دمشق العام 2006، وحكم عليه بالسجن في معتقل عدرا، متهماً إياه على عادته بـ"وهن نفسية الأمة". كأن حرية المير تبلغ وتكبر من سجن إلى آخر، ومن غرفة تعذيب إلى أخرى، إلى درجة أنها تصيّره غير مرئي. فبالحرية، اختفى الرفيق تحت عيون النظام، ومن أجل الحرية أيضاً، توارى عن الأنظار. وعلى رغم إصراره على الإستخفاء المنتفض، عادت السلطة الأسدية واعتقلته من جديد.
لا تساعدنا اللغة في الكلام عن المعتقلين في سوريا. مَن يقرأ البيوغرافيا المقتضبة، التي كتبها الرفيق أبو علي عن نفسه، ينتبه إلى أن الخروج من السجن للدخول إليه مرة أخرى، تسهّله حروف الجر وأدوات الربط. كما لو أن المير لا يخرج من جملة حتى تلقي القبض عليه واحدة أخرى. إذ تأرجحت حياته بين أفعال سجنية، من قبيل "افتراق"، و"اعتقال"، و"تسريح"، و"دهم". لكأنه وُلد معتقلاً، وبقي على هذه الحال المؤلمة. وهو، حين كان يكتب من مخبئه السوري، سرعان ما تتحول مواقفه إلى شكل من أشكال الرسائل، التي أصبحت، مع الظرف المتطرف، ملاذا ديموقراطيا، يُشعر القارئ بأن الثورة "تعرف طريقها"، مثل ناسها ومجتمعها.
الرفيق أبو علي كان ثائراً، ولا يزال، بالمعنى "الصيروري" لهذه الصفة، بحيث أنه حاول تركيز الإنتفاضة والإحتجاجات والمقاومة المسلحة على معان جديدة، لا علاقة لها بالتقليد "الشيوعي"، أو "اليساري" على العموم. صحيحٌ تسلح بالتاريخ كاستمرارية لن ترحم، لكنه، كان يعرف بالتأكيد أن السوريين، أو "الهنود الحمر"، بحسبما كتب مرةً، هم من يصنعون هذا السلاح، الذي بدا لجيل من الماركسيين كأنه آلة فولاذية عصية على التعطيل. إلا أن "الممكن"، الذي قال المير إنه لا يولد بسوى رحيل بشار الأسد، يصبح شاقاً وعسيراً مع اعتقاله، ورفاقه وأصدقائه. هؤلاء، الذين سعى النظام إلى قتلهم، واعتقالهم، وإخفائهم، بغاية نسف الثورة، وأعصابها المختلفة، الميدانية والإعلامية، أو غيرها، تاركاً للمتطرفين تولي المعركة ضده، أو بالأحرى ضد السوريين. يندرج اعتقال المير، وجميع الناشطين، في سياق تجويف الثورة، وتسليمها مثل رأس باطل لسيوف "داعش" و"جبهة النصرة". فالرأس الأساس، الذي يرغب "القاعديون" في قطعه، هو رأس الثورة، وباقي الرؤوس مجرد تمهيد دموي.
لقد ظل فائق المير لاجئاً إلى الخفاء، وكانت بعض معاني الثورة تلوذ به، كي لا تُقصف أو تُنحر.
نهار الإثنين الماضي، كشف النظام لا مرئية فائق المير وقبض على ثورته وموقفه. لا تخف. سنكتب عنك ذات يوم بلغة جديدة: "تحرر من معتقل البعث بدون أن يدخله من قبل". لا تخف كي لا نخاف!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم