الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

قصاصات من الحنين إلى صباح

محمد الحجيري
A+ A-

تظهر المغنية اللبنانية صباح في صورها القديمة المنشورة على الـ"فايبسبوك"، وفي أخبارها في المجلات الفنية، نجمة للحنين إلى زمن انطوى. في ذلك الزمن كانت أخبار الفن والفنانين تروي حكايات مشوّقة عنهم لقرّاء نهمين. هنا استعادة لبعض من قصاصات تلك الأخبار والصور عن صباح.


كتبتُ مقالات كثيرة عن الفنانة اللبنانية صباح، لكنني ما إن أقرأ بعضاً من قصاصات الصحف والمجلات القديمة عنها، حتى تأخذني غواية الكتابة من جديد عن "الصبوحة". كأن أخبارها المنشورة في المجلات القديمة، والتي ينشرها بعض المعجبين بفنّها كهواة جمع "الانتيكا"، تحمل في طياتها أمواجاً من الحنين، يفوح منه عبق خاص نفتقده اليوم في زمن طوفان الميديا الإلكترونية. عبق ينطوي على هالة خاصة للكلمة والورق.


غواية الكتابة عن صباح، تبدأ من انطلاقتها من ضيعتها وادي شحرور، ولا تنتهي في الشائعات التي طاولت حياتها. فالشحرورة صاحبة سيرة زاخرة لم تُكتب فصولها بعد، بالرغم من محطاتها التراجيدية والدرامية. لن ندخل في تفاصيل سيرتها العائلية الآن. بدأت مسيرتها في الغناء بأداء مواويل عمّها اسعد الفغالي المعروف بـ"شحرور الوادي"، وزجلياته. كما برعت في أداء المواويل اللبنانية وأبو الزلف والميجانا وقدمت حفلات كثيرة في قرى لبنانية مختلفة، وحرصت على تخليد تراث شحرور الوادي بعد رحيله. جاء في إعلان عن الحفلات الأولى لصباح، التي تعتبر "انتيكا صحافية"، على النحو الآتي: "أقوى مهرجان زجلي عرفته بيروت تحت رعاية نقيب محرري الصحافة اللبنانية الاستاذ روبير أبيلا، تحييه جوقة شحرور الوادي المؤلفة من علي الحاج، أنيس روحانا، طانيوس عبدو، أميل رزق الله... وتطربكم شحرورة الوادي الآنسة جانيت فغالي على مسرح التياترو الكبير مساء الاربعاء الواقع فيه 3 حزيران 1942".


من الشوكولا إلى السينما
في تلك الحفلة، كان أجر صباح لوحاً من الشوكولا قاسمها إياه الاستاذ عاصي رحباني الذي كان يعزف معها على البزق برفقة شقيقه منصور. وقد أكد منصور هذا الأمر خلال مشاركته الصبّوحة في إحدى حلقات برنامج "مشوار حياتي" الذي عرضه قبل سنوات تلفزيون "المستقبل"، وتحول سيرة لحياتها في مسلسل تلفزيوني. لوح الشوكولا يذكّر بأن أم كلثوم كانت تحب المهلبية في طفولتها الفقيرة، حينما كان ذلك الطبق من الحلوى جاذبها إلى الغناء، حيث كان والدها يتفق مع أصحاب حفلاتها الأولى على تقديم طبق المهلبية لابنته، قبل أن يشترط أن تقدّم لها زجاجة من الكازوز.
ليست صباح حكاية واحدة، بل هي حكايات. كل قصاصة صحافية تخصها في الـ"فايسبوك" تولد سلسلة حكايات: الغناء له حكايته في حياة صباح، كما السينما. ففي قصاصة نادرة ربما من مجلة "الكواكب"، نقرأ: "نادينا أكثر من مرة في أعدادنا السابقة إلى حاجة السينما المصرية الى وجوه جديدة، وقد كنا اول المشجعين على ذلك، فأثبتت النجمة السينمائية اسيا (داغر) بعلمها الجديد اكتشافها النجمة الجديدة والمطربة اللامعة صباح في دور التجديد السينمائي".
حضرت صباح الى القاهرة عام 1943، حينما كانت في السادسة عشرة من عمرها. آنذاك كانت معظم الافلام السينمائية تعتمد على الغناء. اسيا داغر اللبنانية المقيمة في مصر اكتشفت صباح واصطحبتها الى القاهرة لتنافس نور الهدى. غنّت صباح كثيراً ومثّلت كثيرا وبقيت تحت الاضواء، أما نور الهدى فلم تصمد بالرغم من اهمية صوتها. كتبت مجلة "الكواكب" عن الشحرورة: "كان ظهور صباح على الشاشة حدثاً جديداً أثار عشاق الأفلام الغنائية المصرية، فقد كانت أفلامنا مفتقرة إلى هذا اللون من الغناء الذي اختصت به صباح، وهو اللون المرح الخفيف الذي اختصت به ديانا دربن ومثيلاتها من نجمات الغناء الأميركيات، فلا عجب إذا لقيت صباح ما لقيت من نجاح، عززته شخصيتها المرحة، فتضافرت لها أسباب المجد وهي في حداثتها".


نجمة غلاف
سريعاً تحولت الفنانة صباح، بعد شهرتها، الشغل الشاغل للمجلات الفنية، فصارت أخبارها مروحة القراء والفضوليين. منذ الخمسينات حتى الآن عشرات المطبوعات اختارت الشحرورة نجمةً على غلفها. تبدو بعض صورها على الغلف كأنها لوحات فن تشكيلي، مشيرة إلى بدايات انتشار الصورة الملونة. وكثيراً ما صارت صور صباح ملصقا أو صورة لروزنامة تهدى مع المجلات الفنية مثل "الشبكة" و"الكواكب". ترتدي في هذه الصور الازياء المميزة وتواكبها التسريحات الخاصة. وإذا كانت صباح سباقة في أن تكون نجمة غلف ملونة، فهي تفضح زمن الفوتوشوب وعمليات التجميل السائدة اليوم.
لتلك الصور عبق قبل ان يحل زمن الديجيتال والصور الثلاثية البعد. صباح القديمة لها ألق آخر، حينما كان النقد ينطوي على شيء من الدعابة. اليوم أخذت بعض الصحافة الفنية منحى اكثر فجاجة. صار منطق الفضائح اقوى من الدعابة، على عكس الماضي الذي كان يميل الى الحكاية. كتّاب الأخبار عن صباح كانوا يصوغون أخبارها على أساس أنها قصة أو حكاية تتسم بالتشويق.
في صفحة مصورة من مجلة "الكواكب" عدد تشرين الأول 1952: "صباح تتزوج أميراً من الكويت"، مع عنوان فرعي: "قصة الحب التي بدأت في لبنان وانتهت في الصحراء". كاتب المقال هو الصحافي الذي اغتيل عام 1985، سليم اللوزي: "كما تزوجت ريتا هيوارث الأمير علي خان، تزوجت صباح الأمير عبدالله المبارك الصباح، مدير دوائر الأمن العام في الكويت". تضمنت المقالة تفاصيل مملة عن تعرفها إلى الأمير ولقائهما في كازينو "طانيوس" في عاليه، قبل انتشار خبر زفافهما. حتى الآن لا يزال هذا الخبر موضع التباس بين الحقيقة والخيال، بين التأكيد والنفي.
في قصاصة أخرى من مجلة "الكواكب" عام 1954، وكانت صباح تزوجت الموسيقي أنور منسي، خبر عن "اختفاء النجمة صباح في ظروف غامضة" ومعها شقيقتها الصغرى نجاة. بحث عنها زوجها أنور منسي "في كل مكان يظن انها تلجأ اليه من دون جدوى". كأن المجلات الفنية كانت تمارس نوعاً من باباراتزي لطيفة حول حياة صباح، تراقبها في الشاردة والواردة. آنذاك سهر انور ليلته حتى الصباح أمام التلفزيون متسائلاً إلى أين يمكن صباح أن تلجأ. سأل نفسه من الأسباب التي قد تدفعها إلى الاختفاء على هذه الصورة الغامضة. وفي فجر اليوم التالي كان أنور منسي "يجوب القاهرة بسيارته بحثا عن الزوجة الغالية وشقيقتها وقد ساورته الهواجس والظنون".
خبر طلاق صباح من أنور منسي في مجلة "روز اليوسف" شباط 1957، يبدو أقرب إلى القصة أيضا: "للمرة الثانية يدخل الطلاق بيت صباح وزوجها أنور منسي ليفرق بينهما. السبب المباشر للطلاق، هو سعاد شقيقة صباح. فأنور يريد أن يفصل بين حياة سعاد وحياة صباح، ولا يريد ان تستمع صباح لكلام سعاد وأفكارها وخططها. وسعاد الآن عادت الى القاهرة وتسكن مع صباح في بيت واحد".


خراف وفراخ
كل شيء عن صباح في الصحف والمجلات القديمة له غوايته، من صورها الى تسريحة شعرها وحتى بيوتها وزيجاتها وعلاقتها برشدي أباظة. أما عن علاقتها بالقاهرة فتقول في مجلة "الكواكب": "ابكي كلما تذكرت سنوات بعدي عن القاهرة". حفلات عشاء صباح كان يكتب عنها كما لو انها قصص من "ألف ليلة وليلة". ففي وصف لسهرة في منزل فريد الاطرش كتبت احدى المجلات: "خراف مشوية وديكة رومية وفراخ وحمام وبط وأوز وكل ما في قاموس الاطعمة احتشدت على مائدة فريد الاطرش في الحفلة التي اقامها تكريما لنجوم السينما اليوغوسلافية الذين حضروا اسبوع الفيلم اليوغوسلافي". كأن الخراف المشوية والأوز في تلك الفترة كانت توازي قطع الألماس، وهي نوادر ذلك المجتمع، فتثير شهية الصحافي أكثر من الصور.
أما أزياء صباح فظلت حتى وقت قريب الشغل الشاغل للصحافة والمهتمين، بعضهم يريد أن يضعها في متحف وبعضهم يسأل عن ثمنها، وثمة من يستفسر عن عددها وأين تضعها الفنانة، وهي أزياء فريدة وخاصة ولم تكن متداولة في الأسواق ومحال بيع الثياب.


بطل العروبة
من قصاصات الصحف النادرة، المنشورة على صفحات الـ"فايسبوك"، صورة لصباح مع الرئيس كميل شمعون الذي تعتبره مدرّسها الأول. هناك صورة أخرى لصباح في سهرة الوزير الزحلاوي جوزف سكاف على شرف سفير بريطانيا العام 1966. يظهر في أخر الصورة العميد ريمون إدة، وطربوش المير مجيد ارسلان. في المقلب الآخر ورد في مجلة "الشبكة" في 5 تشرين الأول 1970: "الصبوحة تزور منزل الرئيس جمال عبد الناصر وتقدم التعازي لأرملته". ويقول الخبر "مكثت صباح في بيت بطل العروبة الخالد نصف ساعة، وهي تحدث الارملة المفجوعة عن مآثر جمال عبد الناصر".
من خلال الصور الكثيرة، القديمة والحديثة، المنشورة لصباح على الـ"فايسبوك"، والمستلة من مناسبات اجتماعية وفنية مختلفة، يمكن استنتاج بعض الجوانب من حياتها. فهي الفنانة التي حافظت على نضارة شبابها سواء في الشكل أو حتى في طريقة الكلام والظهور، وبقيت من منتصف الأربعينات حتى قبل سنوات قليلة، تنبض بالحيوية وألق الشباب، وتتحدى شيخوختها الزمنية والشائعات التي لم ترحم مسيرتها الفنية ولا حتى حياتها الخاصة وكل شيء يخصها. ربما لم "تحظ" فنانة بشائعات مثلما حظيت صباح، فهي ماتت مئات المرات وتزوجت عشرات المرات، في وسائل الاعلام، وقد لا تكون آخرها الشائعة التي "زوّجتها" قبل أيام!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم