السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

هل يحمي المكتب المركزي للمعلومات لبنان من خطر الإرهاب؟

المصدر: "النهار"
أنور يحيى- قائد سابق للشرطة القضائية
هل يحمي المكتب المركزي للمعلومات لبنان من خطر الإرهاب؟
هل يحمي المكتب المركزي للمعلومات لبنان من خطر الإرهاب؟
A+ A-

على إثر هجمات 11 أيلول سنة 2001 التي استهدفت أمن وسلامة الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعرض برجي مكتب التجارة العالمي في نيويورك ومقر البنتاغون في واشنطن لاعتداء باستخدام الطائرات المدنية الأميركية المحملة بالبشر، وأسفر عن آلاف الضحايا وإصابة الأجهزة الأمنية الأميركية باختراق كبير زعزع ثقة الشعب بكفاءة وقدرات وكالات الأمن الأميركية بطمأنة السكان وحمايتهم من الإرهاب الدولي. شكل الكونغرس الأميركي لجنة لدراسة أسباب التقصير ونجاح المعتدين باختراق أسوار الحماية وبعد ثلاث سنوات من العمل المضني من اللجنة التي استجوبت مئات المسؤولين، صدرت التوصيات التالية: 

1- توحيد الاستخبارات الوطنية المتفرقة في وزارة للأمن الداخلي حيث يسهل سرعة تبادل الاستخبارات بشكل أفقي وليس فقط للرؤساء مما يعجل بالتصدي للإرهاب المحتمل.

2- استحداث مراكز انصهار المعلومات.

3- توحيد جهود مكافحة الإرهاب ضمن شبكة عمل ترتكز الى مشاركة وتبادل الاستخبارات وإزالة الحواجز الحكومية التقليدية.

أحداث 11 أيلول (وكالة سبوتنيك الروسية).

أخذت إدارة الرئيس بوش بهذه التوصيات التي جعلت من الأجهزة الأمنية أكثر تعاوناً وثقة بتبادل الاستخبارات لحماية السيادة الأميركية، واعتمد مبدأ الاستخبارات تقود العمل الأمني للتصدي للأرهاب.

أما في بريطانيا التي اهتز أمنها يوم السابع من تموز سنة 2005 حين تعرضت محطة قطارات لندن الى تفجيرات أودت بحياة العشرات، وتمكنت الاستخبارات الوطنية لدى شرطة لندن من توقيف ثلاثة إرهابين وقتل آخر، ثم شكلت لجنة لدراسة أسباب التقصير وبنتيجتها أدخلت إصلاحات عدة الى أقسام مكافحة الأرهاب الداخلي والخارجي بتوحيدهما معاً، وأدخلت إصلاحات جمة الى بنيان التنظيم الداخلي لشرطة لندن، ورغم استمرار تعرض بريطانيا لهجمات ومنها عمليات دهس باستخدام الشاحنات الضخمة، رفعت موازنة أقسام الأرهاب وتم تطويع كفايات مدربة لتدعيم قدرات الشرطة، الا أن مفوض شرطة لندنBernard Hogan Hao صرح يوم 30 تموز 2016: "لا يمكن حماية بريطانيا بشكل كامل، وأن مسألة تعرض بريطانيا لهجوم مشابه لهجمات استهدفت أوروبا، هي مسألة وقت فقط، وأخشى أن لا أستطيع طمأنة اللندنيين الى قدرات الشرطة بمنع حدوث أعمال إرهابية مؤلمة!!".

أما في فرنسا، التي تعرضت لهجمات أرهابية متعددة منذ عقد من الزمن، أبرزها الهجوم الذي قاده الأخوان كواشي على مجلة "تشارلي إيبدو" الساخرة وأوقع عشرات الضحايا ومقتل الجناة، الى أن كان يوم 13 تشرين الثاني سنة 2015، في ملعب: باتي كلان في باريس، وأسفر عن 150 قتيلاً ومئات الجرحى مما استدعى إعلان حالة الطوارىء لأشهر عدة في فرنسا. شكل البرلمان الفرنسي لجنة تحقيق برلمانية لتحديد الأسباب التي سهلت اختراق الأمن الفرنسي بهذا الأسلوب وبيان التقصير من السلطات المكلفة بحماية فرنسا وسكانها، وكان من أبرز النتائج: تفعيل دور النيابة العامة المختصة بالارهاب وإدخال إصلاحات الى أجهزة الأمن الفرنسية وتسهيل سرعة تبادل الاستخبارات الأمنية في ما بينها والتركيز على التحليل الاستراتيجي بقضايا الإرهاب.

هجوم شارلي ايبدو (بي بي سي).

تتولى النيابة العامة المختصة بقضايا الإرهاب متابعة وملاحقة كل الجرائم التي تصنف إرهابية من الشرطة، وتحفظ هذه الاستخبارات ضمن قاعدة بيانات سرية، يشرف عليها نائب عام مركزي، فيما يتولى محامون عامون معاونة المدعي العام المركزي في المناطق والمحافظات، وغالباً ما ينتقل النائب العام المركزي لمعاينة حوادث إرهابية طاولت الجمهورية ولو بعيداً من باريس. هذا الأسلوب بعمل النيابة العامة المختصة بالارهاب سهّل على الشرطة توحيد طرق المراجعة والتركيز على التخصص في عمل النيابات العامة وأثمر حماية فرنسا من هجمات محتملة تتعاون مع فرق مدربة ومجهزة ضد الأرهاب.

لقد نفذ تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، هجمات متعددة في أوروبا، لبنان، سوريا، تركيا، العراق، مصر وغيرها، ورغم تعرض هذا التنظيم الإرهابي الى هزيمة في العام 2017 بضغط وتعاون أوروبي روسي، تركي وأميركي، وانحسرت دولته في شمالي سوريا، لكن الكولونيل الأميركي راين ديلونRayon Dillon ، المتحدث باسم التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين يؤكد:"رغم أنهم لم يعودوا الجيش الذي كان عليه عام 2014، الا أنهم ما زالوا يشكلون تهديداً للأمن الدولي. إنها ليست نهاية داعش"!!

أحد المحللين في قسم الارهاب الفرنسي في مديرية الأمن الوطني يؤكد بأن أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل ما زالوا في بلاد سوريا والعراق خلايا نائمة وجاهزة، ومن يطمئن بعدم تفريخ القاعدة في أوروبا ومصر والعراق كما أعادوا تنظيم أنفسهم بعد هزيمة 2009؟

أما في لبنان الذي شهد موجات متعددة من الأعمال الأرهابية منذ العام 1977 (كمال جنبلاط)، 1982 (بشير الجميل)، 1987 (رشيد كرامي)، 1989 (رينه معوض)، وغيرهم من القيادات السياسية والإعلامية والدينية، حتى كان يوم 14-2-2005 حين استهدف تفجير ضخم موكب الرئيس رفيق الحريري وأدى الى استشهاده مع كوكبة من رفاقه الأبرياء، وقد صنف هذا الاعتداء بالإرهاب الدولي من مجلس الأمن في الأمم المتحدة، والذي اجتمع في اليوم نفسه للاغتيال وكلف نائب مفوض شرطة إيرلندا: بيتر فيتزجرلد ترأس البعثة لدراسة حالة الأجهزة الأمنية ومدى استقلالية القضاء بظل نظام الوصاية السورية بحينها. بعد انقضاء مهلة الشهر المحددة بالتكليف، رفع المفوض تقريره الى الأمين العام للأمم المتحدة مؤكداً تحقق:

1- قصور خطير من جهاز الأمن اللبناني لتوقع اغتيال الحريري وأن أياً من هذه الأجهزة لم يعد تقييماً بشأن أمن الحريري، الشخصية السياسية الأكثر أهمية في لبنان.

2- الغياب المطلق لمعلومات الاستخبارات، وضعف أو عدم تبادل المعلومات في ما بين الأجهزة واختلاط الأمن بالسياسة.

بعد الانسحاب السوري من لبنان في نيسان 2005، شكلت حكومة الرئيس ميقاتي التي أجرت التعيينات الأمنية والقضائية وأشرفت على الانتخابات العامة، لتشكل حكومة جديدة برئاسة السيد فؤاد السنيورة والتي حاولت الاستفادة من توصيات فيتزجرالد.

اغتيال رفيق الحريري (الجزيرة).

بتاريخ 6 تشرين الاول 2005، بحث مجلس الوزراء اللبناني بمشروع إلغاء المديرية العامة لأمن الدولة والذي أنشئت برئاسة ضابط من الطائفة الشيعية، في العقد التاسع من القرن العشرين، لكن هذه المديرية أعطيت للطائفة الكاثوليكية، بعدما منحت المديرية العامة للأمن العام للطائفة الشيعية، مع اللواء جميل السيد بعهد الرئيس إميل لحود. عين العميد الياس كعيكاتي مديراً بالوكالة تمهيداً لتصفيتها، لكن حفاظاً على حقوق الطوائف بالأجهزة الأمنية لا تزال تقوم بواجبها وفقاً للقانون؛ كما بحث المجلس بإنشاء المكتب المركزي للمعلومات وشكل لجنة من كبار الضباط الذين اختلفوا على طائفة الرئيس وبمن يرتبط، واقترح بعضهم أن يكون ضمن هيكلية مجلس الأمن الداخلي المركزي الذي يجتمع برئاسة وزير الداخلية، والذي تقع عليه مسؤلية حفظ الأمن الداخلي وفقاً للمادة 12 من قانون الدفاع الوطني، واقترح البعض الآخر أن يستحدث ضمن أمانة سر مجلس الدفاع الأعلى، الذي يجتمع برئاسة رئيس الجمهورية أو نائبه، رئيس الحكومة.

أخيراً أعلن وزير الداخلية خلال مؤتمر صحافي في المقر العام لقوى الأمن الداخلي عن إنجازات هامة لشعبة المعلومات بتطويع مخبر لديها ضمن عصابة إرهابية دأبت لتنفيذ أعمال التخريب في لبنان وتخليص الوطن من تهديدات خطرة وهي التي سبق وقدمت أزكى الدماء لأخلص الرجال الشجعان ضريبة لكشف شبكات الاتصالات بقضية الشهيد رفيق الحريري، أو ضبط 23 متفجرة مرسلة مع أحد النواب السابقين لزرع الفتنة في الشمال والذي حكم عليه بالأشغال الشاقة، لكن هذه التطمينات وحدها لا تكفي لحماية الوطن، فإذا كان مفوض شرطة لندن، ذات القدرات العالية بشرياً وتقنياً وحولها مجتمع موحد الرؤية حول مستقبل أمن بريطانيا، يؤكد عجز الشرطة عن حماية المواطن البريطاني، فكيف هي حالنا مع المجتمع المتنوع بالولاءات ومفهوم المواطنة؟

من أجل توحيد الجهد الأمني للتصدي للإرهاب في وطن يضيق بسكانه ويستقبل أكثر من مليون نازح على أرضه وبأهداف غير واضحة المقاصد نقترح ما يلي:

1- استحداث نيابة عامة متخصصة بالأعمال الإرهابية، أسوة بالوضع في فرنسا، التي نستقي منها معظم تشريعاتنا، فكما استحدثت النيابة العامة المالية استجابة لجرائم تبييض الأموال والتهرب من الضرائب والإفلاسات الاحتيالية منذ مطلع القرن الجديد، فإننا نرى بنتيجة الدورات التدريبية التي تابعناها وبممارستنا لقيادة الشرطة القضائية التي تضم قسماً لمكافحة الأرهاب، بأن وجود نائب عام ومحامين عامين في المناطق متخصصين بجرائم الإرهاب مع قاعدة بيانات لهذه الجرائم قد يسهل عمل الضابطة العدلية والعسكرية المكلفة بالتصدي للارهاب ويضمن المتابعة الاستعلامية.

2- استحداث المكتب المركزي للمعلومات ضمن هيكلية أمانة سر مجلس الدفاع الأعلى، ويضم ممثلين عن كافة القوى المسلحة: الجيش، الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة والجمارك. إضافة الى نخبة من المحللين الاستخبارايين الكفيين الذين يتلقون المعلومات من الأجهزة الأمنية ويستخلصون منها الاستخبارات المفيدة على أن تزود بها الوحدات المختصة بالملاحقة قانوناً بسرعة، ويزود المكتب باللوجستية المناسبة لتصنيف وحفظ المعلومات السرية، أسوة بتنظيم مراكز انصهار المعلومات التي استحدثت في أميركا بنتجة تقرير لجنة 11 أيلول والتي أعطت نتائج مميزة لحماية الوطن الأميركي من الإرهاب الذي يستهدفه.

3-تطوير قدرات شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وهي المستحدثة بموجب المادة 13 من المرسوم رقم 1157/1991، التنظيم العضوي لقوى الأمن الداخلي، كفرع معلومات مكلف بأمن المراكز الأمنية وحمايتها وأمن وسلامة القوى، بحيت تشكل كوحدة أسوة بباقي الوحدات (شرطة قضائية، درك، شرطة بيروت...) وترتبط برئيس الأركان أسوة بمديرية المخابرات في الجيش اللبناني، على أن تحدد مهامها بمكافحة شبكات التجسس والتصدي للارهاب وتنشىء شعبة متخصصة بالأمن العسكري ومكافحة الفساد في القوى واقتراح محاسبة العناصر المخلين بالانضباط العام، وتتابع الشرطة القضائية المكلفة قانوناً بمكافحة الجريمة وينفرد قائدها بمراقبة تطور الجريمة وتجهيز الوحدة بالعديد واللوجستية المناسبة للقيام بمهامها المحددة.

إن الفشل بالتخطيط هو التخطيط للفشل بعينه، لذا نقترح على أصحاب سلطة القرار في لبنان الأخذ بهذه المقترحات والتفاهم على تحصين القوى المسلحة للبقاء جاهزة وجعلها بعيدة من التجاذبات السياسية، وعدم إقحامها بدفع فاتورة الخلاف السياسي على مرسوم يقضي بمنح أقدميات لضباط، فتتأخر مراسيم ترقية مئات المستحقين منهم مما ينعكس سلباً على معنويات هذه القوى، ويضعف شعور المواطنة وحتمية الانتماء الى لبنان وليس للزعيم الطائفي أو السياسي، بذا نحمي وطننا من الإرهاب ونخلق فسحة أمل لدى شبابنا الذي يتخرج بكفاءة وتفوق لكنه يهاجر قرفاً من فساد إداري وانعدام فرص العمل وإعلام سيئ لا يعكس الا المستقبل المظلم امامهم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم