الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الأداء السياسي وتطوّر النمو

المصدر: "النهار"
لويس حبيقة- خبير اقتصادي
الأداء السياسي وتطوّر النمو
الأداء السياسي وتطوّر النمو
A+ A-

قال الفنان "غراوشو ماركس" أن "السياسة هي فن البحث عن المشاكل، ايجادها، سوء درسها وثم تطبيق المعالجات الخاطئة". ممارسة السياسة بالشكل والمحتوى الذيين وصفهما ماركس أعطيا النتائج التي نعيش معها اليوم. النتائج الاقتصادية لم تعد كما كانت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ليس فقط بسبب غياب القيادات التاريخية، بل بسبب السياسات الخاطئة. من هذه النتائج، ادخارات 47% من الأميركيين لا تصل الى 400 دولار أي هم غير قادرين على مواجهة مفاجاءات متواضعة القيمة. المعيشة أصبحت مكلفة خاصة مقارنة بمعدل الدخل حيث كبرت الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

لا شك أن تكلفة الاستشفاء والطبابة كما تكلفة التعليم ارتفعت نسبة لدخل الطبقات الوسطى وما دون. ربما النوعية ارتفعت في أكثرية الحقول، لكن التعريفات ارتفعت أيضا لتمويل البحث ورفع الايرادات. ارتفعت معها أقساط التعليم على كل المستويات ورفعت معها أسعار السلع والخدمات بما فيها العقارات التي انتجت فقاعات أحدثت أزمات مالية آخرها في 2008. حتى منتصف العقد الأول من هذا القرن، كان معدل نمو الدول الناشئة 7% سنويا كما بدأت الدول الفقيرة تنتعش. في سنة 2007، وصل معدل نمو الدول الناشئة الى 8,7% وأصبحت الطبقة الوسطى العالمية تعد حوالي ملياري شخص. حوالي 440 مليون شخص أنقذوا من ظلم الفقر خلال عشر سنوات قبل الركود الكبير. اعتقد العالم أن العالمين الصناعي من جهة والآخر من جهة أخرى سيلتقيان قريبا بفضل نسب النمو القوية وانتقال التكنولوجيا والعلوم، لكن هذا لم يحصل.

واقعيا انخفض معدل نمو الدول الناشئة الى نصف ما كان عليه أي من 7,4% الى 3,8% مؤخرا. لماذا؟

أولاً: الوضع الروسي والعلاقات مع أوكرانيا بالاضافة الى العقوبات الموضوعة من قبل أوروبا وأميركا. أثرت على الاقتصاد الروسي، اذ تدنت نسبة النمو السنوية من 4,5% في سنة 2010 الى نمو سلبي قدره 2,8% في سنة 2015. الموازنة عاجزة في حدود 3,7% من الناتج في سنة 2016، لكن ميزان الحساب الجاري يبقى فائضا بفضل الصادرات المرتفعة مما يضيف الى الاحتياطي النقدي الكبير البالغ 300 مليار دولار والذي يغطي 17 شهرا من الواردات.

ثانيا: الربيع العربي لم يعط الثمار التي كنا نأمل بها. الأوضاع في المنطقة العربية سيئة حيث الكارثة السورية مستمرة وتتداخل فيها المصالح الدولية. تكلفة اعمار سوريا ربما تتعدى ال 300 مليار دولار. أوضاع ليبيا ومصر والسودان وفلسطين لا تطمئن وان تكن الظروف مختلفة. أوضاع اليمن تعدت السياسة والاقتصاد لتصل الى الكوليرا والأمراض. طبعا الأوضاع في }الخليج معقدة اذ تتشابك المصالح وتؤثر على الاقتصاد.

ثالثا: انتشار الارهاب بأشكال مخيفة بالرغم من الاحتياطات المأخوذة في الأمن والنقل والحدود. ما حصل في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وأسبانيا وغيرها مؤلم وأسبابه مختلفة. تحسين أوضاع الفقراء مفيد دائما، الا أن أسباب الارهاب ومصادره غير مرتبطة بالفقر. عمليات "بوكو حرام" في نيجيريا واختطاف الفتيات لا يمكن أن يساعد النمو الاقتصادي الأفريقي. مع الارهاب، تنتشر الأمراض أيضا في الدول الأفريقية مما يعيق عملية التنمية ويرفع من النزف البشري عبر المياه الى أوروبا.

هذه المجموعة الصغيرة من النتائج السلبية تشير الى فشل السياسيين عمليا في قيادة العالم والى انتشار الفساد وعدم التنبه الى مشاكل الشعوب التي تتذمر كما تشير اليه كل الانتخابات في أميركا وأوروبا. يقول "جوناتان تيبيرمان" في كتابه عن الاصلاح أن السياسيين أهملوا معالجة العديد من الأمور ومن أهمها:

أولا: توسع فجوة الدخل حيث تساهم في زيادة الفساد وتنشر الفقر وتسبب الشغب الشعبي وتعزز القلق بل الخوف من المستقبل كما تؤثر سلبا على الاستقرار السياسي والنظام الديموقراطي والأسواق التنافسية الحرة. مسا}ها الاجتماعية كبيرة أيضا من ناحية تأثيرها سلبا على العمر المرتقب أي على مؤشرات الصحة والتعليم والتغذية. الأوضاع الاقتصادية العالمية اليوم تعزز التطرف والتصرف بعنف وكره. ما يحتاج العالم اليه ليس فقط نموا أعلى وتوزعا أفضل، انما أيضا تغييرا حقيقيا في الأنظمة الضرائبية وفي الهيكليات الاقتصادية.

ثانيا: الهجرة حيث هنالك موجة عدائية كبيرة تجاه من يحاول اللجوء الى أوروبا أو أميركا أو غيرها. أميركا تحاول تغيير قوانين الهجرة لديها بالرغم من أن 60% من أفضل تقنيي "سيليكون فالي" هم من المهاجرين، وأوروبا أعادت بعض الحدود بين الدول التي غابت مع اتفاقية "شينغين". هناك قلق من التغيّرات الديموغرافية والثقافية المحتملة وتردد في المعالجات الداخلية والدولية.

تشير دراسات منظمة التعاون الاقتصادي العالمية OECD أن تحقيق نسبة نمو سنوية 3% في كل من أوروبا وأميركا خلال السنوات الـ 50 المقبلة يفرض على كل منهما استقبال 50 مليون مهاجر على الأقل. المعالجة الأفضل للهجرة الحالية تبقى غائبة، أي تحسين الاوضاع في الدول المصدرة للمهاجرين.

الحلول المنطقية متوافرة لكن التطبيق متعثر. المطلوب قيادات واعية تساهم في تخفيف التطرف ومعالجته. الشعوب تصنع القيادات الجيدة، وبالتالي يبقى الأمل كبيرا في المستقبل.

*أستاذ محاضر في العلوم الاقتصادية- كلية إدارة الأعمال والعلوم الاقتصادية في جامعة سيدة اللويزة. 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم