الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هل صارت ليبيا "دولة فاشلة"؟\r\n

المصدر: "النهار"
سوسن أبوظهر
A+ A-

بين اقتياد رئيس الوزراء الليبي الموقت علي زيدان من جناحه فجراً في فندق كورينثيا وإطلالته بعد الظهر في مقر رئاسة الوزراء، غرقت البلاد في هوة الشائعات والذعر من الانزلاق المدوي إلى حال الدولة الفاشلة.
بنبرة تصالحية، وإن بصوت مضطرب، أطل زيدان "حراً"، داعياً مواطنيه إلى "الحكمة والعقلانية". أشاد بالجيش و"الثوار الحقيقيين" وطمأن الأجانب إلى أنهم ليسوا بخطر، بعد أسبوع من الهجوم على السفارة الروسية في طرابلس. لكنه لم يكشف تفاصيل ما حدث معه، وتفادى اتهام أحد. وقلل من شأن احتجازه إلى حد وضعه في إطار "المماحكات السياسية".
وكان إلى جواره نوري أبوسهمين، رئيس المؤتمر الوطني العام، الهيئة السياسية الأرفع في البلاد والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو يتولى هذا المنصب منذ حزيران بعد استقالة سلفه محمد المقريف على خلفية إقرار قانون العزل السياسي. وكان صرح بعد ذيوع نبأ الخطف الذي مرت ساعة قبل تأكيده رسمياً، أن لا علاقة له بالأمر، نافياً علمه بأن رئيس الوزراء مطلوب في قضايا فساد ورشي متعلقة بإقفال الموانئ النفطية.
ويذكر أن أبوسهمين، وهو من أصول أمازيغية، موَل "غرفة عمليات ثوار ليبيا" منتصف تموز بـ900 مليون دينار (نحو 706 ملايين دولار) لضمان أمن العاصمة التي تشهد أخيراً حوادث أمنية خطيرة من قبيل أعمال خطف واعتداء على ناشطين ومحامين وأبناء سياسيين، وحوادث اختفاء قسري لتلميذات.
وكانت تلك "الغرفة" تكونت من كتائب الثوار الذين شاركوا في ثورة "17 فبراير"، وحلتها الحكومة السابقة برئاسة عبدالرحيم الكيب.


خطف ... وتحرير


أسئلة كثيرة أثيرت عن كيفية وصول 20 سيارة على الأقل تقل 150 مسلحاً إلى الفندق المحصن لاقتياد زيدان من جناحه في الطابق الواحد والعشرين. كانت الساعة حينها الخامسة والربع فجراً، وخرج المسؤول الليبي بملابس النوم راضخاً من دون مقاومة.
وسرعان ما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بيان صادر عن "الغرفة". وفيه أنه "تم اعتقال رئيس الوزراء الموقت علي زيدان وفق قانون العقوبات الليبي، الكتاب الثاني (من) الفصل الأول "الجنايات والجنح المضرة بكيان الدولة"، وكذلك الفصل الثاني "الجنايات والجنح المضرة بأمن الدولة"، بأمر من النيابة".
التبس الأمر على كثيرين. صار أبوسهمين، لدعمه لـ"الغرفة" وتعاطفه مع فكر "الإخوان المسلمين"، متهماً، أو متواطئاً على الأقل، في نظر أنصار زيدان. خصوصاً بعد تصريح الناطق باسم النائب العام الصديق الصور أن التحقيق مع المسؤول الليبي يتطلب رفع الحصانة عنه بموافقة أعضاء المؤتمر ورئيسه أبوسهمين. غير أن وزير العدل صلاح الميرغني أكد أن النيابة العامة لم تصدر أي أمر اعتقال بحق زيدان.
كما زار أبوسهمين رئيس الوزراء في مكان احتجازه في مقر جهاز مكافحة الجريمة التابع لوزارة الداخلية في منطقة الفرناج. وصرح ناطق باسم الجهاز أن زيدان "بصحة جيدة ويُعامل معاملة حسنة كونة مواطناً ليبياً".
وبعد ساعات نقل موقع "ليبيا المستقبل" عن "مصادر سيادية في رئاسة الوزراء (نبأ) إطلاق زيدان في عملية تحرير قام بها أهالي الفرناج مع الكتيبة 101 التابعة لوزارة الدفاع". وتحدث عن وقوع مواجهات وسقوط إصابات بين الجانبين. وأفادت مصادر أخرى بمشاركة الكتيبة 127 و"فرقة الإسناد" في المواجهة. وقيل إن قبيلة الشُرفة من ودان بوسط ليبيا والتي ينتمي إليها زيدان وجهت تهديدات مباشرة لـ"غرفة عمليات ثوار ليبيا".
ونقلت "قناة الأحرار" عن هيثم التاجوري، قائد "فرقة الإسناد"، أن رجاله تبادلوا النار مع خاطفي زيدان، وأن مدنيين شاركوا في تحريره.
واسترعى الانتباه أن "الغرفة" نشرت بياناً ثانياً لنفي صلتها بـ"اختفاء" المسؤول الليبي. وكذلك تراجع جهاز مكافحة الجريمة، متهماً عناصر "لا يمثلون إلا أنفسهم بالتورط في العملية بشكل شخصي".


"دولة فاشلة"؟


ومع أن العلاقة بين الحكومة والمؤتمر الوطني العام تخضع لمد وجزر متكررين، وقد أفشل الليبراليون الثلثاء المحاولة الأحدث لسحب الثقة منها، فإن الصلة واضحة بين ما تعرض له زيدان وتوقيف نزيه الرقيعي، القيادي في تنظيم "القاعدة" الملقب "أبو أنس الليبي". ويمكن وضع عبارة "الجنايات والجنح المضرة بكيان الدولة" الواردة في بيان "غرفة عمليات ثوار ليبيا" في هذا الإطار.
كما أن الهجوم على الفندق جاء بعد ساعات من اجتماع رئيس الوزراء بأفراد أسرة الرقيعي، وغداة تصريحه أنه طالب الإدارة الأميركية التي تحتجزه بالسماح لهم بلقائه.
وكانت فصائل سلفية متشددة، في ليبيا وخارجها، اتهمت زيدان بتسليم واشنطن لائحة بـ245 اسماً لمطلوبين لاعتقالهم. وسارعت إلى الترحيب بتوقيف "الجاسوس والعميل"، ووضعته في إطار الانتقام لـ"أبو أنس".
وكذلك يستعري الانتباه أن شعبان مسعود هدية الملقب "أبو عبيدة" الزاوي عين على رأس "غرفة عمليات ثوار ليبيا" قبل ساعات من احتجاز زيدان. وهدية شيخ سلفي، وفي تقارير غير مؤكدة أنه على صلة بتنظيم "القاعدة".
حيال كل ما تقدم، سألت "النهار" القيادي السابق في "الجماعة الليبية المقاتلة" نعمان بن عثمان، وهو حالياً رئيس مؤسسة "كويليوم" للأبحاث عن تقويمه لمسار هذا اليوم الطويل. فقال إن مراكز صنع القرار الغربية كانت مترددة في اعتبار البلاد دولة فاشلة، لكن تلك الأوهام تبددت، فـ"لا مكان في العالم يُخطف فيه رئيس وزراء من دون محاسبة أحد، ولا يكون دولة فاشلة".
وأضاف :"عملية الخطف أطلقت رصاصة الرحمة على ما تبقى من الدولة الليبية. وهي رسالة واضحة للمجتمع الدولي بإعدام العملية السياسية. صارت ليبيا دولة فاشلة". وسيكون تالياً على المجتمع الدولي الإقرار بفشل أسلوبه في إدارة الملف الليبي. سقَطَ بالضربة القاضية أسلوب المساعدات والمعونات. وسيكون على العالم التدخل.
ونسأل بن عثمان هل يعني ذلك عملاً عسكرياً في بلاد لا تزال تخضع للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فأجاب :"ليس بالضرورة، فمن الخيارات المتاحة الاتفاق على عملية لحفظ السلام مع السلطات الليبية". ذلك أن الانفلات الأمني الذي "أوقع ليبيا في قبضة ميليشيات عدة، بما فيها تلك الإرهابية المتطرفة والمرتبطة بتنظيم "القاعدة"، دفع دول الجوار إلى طلب الاستعانة بالغرب حتى لا تنتقل القنبلة الموقوتة الليبية إلى أراضيها.
وكذلك وضع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا طارق متري ما جرى في سياق تعثر بناء الدولة المستمر منذ ستة أشهر...
إذاً ليبيا تواجه المرحلة الأخطر في تاريخها. وثمة مخاوف من جنوحها
إلى حرب أهلية، وإحياء مخططات تقسيمها مع تزايد التأييد لمطالب الفيديرالية في منطقتي برقة وفزان التاريخيتين.
وبعد الانفلات الأمني المستمر في بنغازي، وبعد أيام من مقتل 16 من عناصر الجيش الليبي بين مدينتي بني وليد وترهونة، بدا زيدان الذي قيل إنه تعرض للضرب ضعيفاً وهشاً، تماماً كالمؤسسات المترنحة في بلاده. انتهت الأزمة، إلى حين، بتعادل سلبي بين أطرافها. وحدها ليبيا الخاسر الأكبر.
[email protected]
Twitter : @SawssanAbouZahr


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم