الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ضحايا العنف الأسري إلى ارتفاع مستمر... "لا عزاء قبل العدالة"

علي عواضة
علي عواضة
ضحايا العنف الأسري إلى ارتفاع مستمر... "لا عزاء قبل العدالة"
ضحايا العنف الأسري إلى ارتفاع مستمر... "لا عزاء قبل العدالة"
A+ A-

8 نساء قتلن في أقل من شهر ونصف الشهر، 8 عائلات فقدت الأم والشقيقة والصديقة. تعددت أساليب القتل "الهوليودية" واختلفت الطرق والأسباب. منهن من قتلن بالسكين وبعضهن بالرصاص، فيما أخريات ما زلن في المستشفيات يعانين آثار العنف. 

عشرات النساء لا بل المئات ظلمن من قبل أزواجهن من دون أي تحرك يذكر من قبل الدولة في ظل القوانين الراسخة والمتساهلة مع القاتل، وكأن جرائم العنف الأسري في لبنان أصبحت شبه طبيعية في ظل مجتمع يبرر للقاتل فعلته تحت غطاء "جرائم الشرف، أو فورة غضب".

وسط ساحة النجمة صدحت حناجر الرفض بأعلى أصواتها تنادي بالعدل ..العدل المغيّب عن عيون النساء منذ وقت طويل، لتعلن من عانت الظلم والقتل أن زمن السكوت انتهى، من تعطي الحياة لن تموت قتلاً بعد الآن، ولن تسكت الأخريات عن مجرمين قد يكونون هنّ ربما يوماً ما ضحايا شرّهم وإجرامهم.


لمحاكمة المجرمين 

تحت المطر وقفت عائلات الضحايا، صرخت بأعلى أصواتها "لا نريد سوى العدالة" "نحن أمام البرلمان نطالب بمحاكمة المجرمين"... اسماء الضحايا وضعت في الاعتصام. صرخ المعتصمون "القاتل معروف... والدولة ما عم تشوف، شددلو العقوبات وما تردّو على البيت، ويا قاضي شدّد يا قاضي سرّع، لا عزاء قبل العدالة" وغيرها من الشعارات رفعت للمطالبة بأبسط الحقوق الإنسانية، بعضهم لم يطلب حتى الإعدام، بل القبض على القاتل كما في قضية رولا يعقوب وغيرها العشرات.

والد المغدورة زهراء القبوط، وقف في ساحة النجمة يطالب بالعدالة، "بنتي ما حترجعلي، بس بنات كتير عم تتعنف ما لازم نخسرن متل ما خسِرت زهراء". كلمات كانت صعبة على علي، فهو لم يستطع إكمال كلمته والدموع في عينيه. تحدث لـ"النهار" عن بشاعة الجريمة، فأربع رصاصات من أصل اربعين أزهقت روح ابنته، فهي قتلت على يد طليقها أنور النمر بسلاحه الحربي أمام منزل عائلتها في مدينة الهرمل. وأشار الوالد المفجوع إلى أن طليقها بعد أن حصل على حضانة ابنته قرر انهاء حياة ابنتي، فوضع طفلته مايا في حضنه، وشهر سلاحه الحربي وأفرغ رصاصاته في جسد زهراء بينما كانت تمسك بيد إبنة الجيران.. جريمة هزت الهرمل منذ عامين تقريباً، في حين لم    يصدر القضاء حكمه بعد حتى يومنا هذا، على الرغم من أن القتل كان عن سابق تصور وتصميم.


وبالقرب من علي وقفت سماح شقيقة الضحية ملاك المقداد، والتي قتلت بحسب ما قالت عائلتها بطعنة سكين من قبل زوجها قبل نحو شهر تقريباً. تحدثت سماح عن وجع فراق شقيقتها، بينما طفل الضحية مهدي يلهو في باحة ساحة النجمة بعيداً من صخب المتظاهرين، لم يدرك بعد أن والدته فارقت الحياة، وهو الآن يتحرك لتحقيق العدالة لها. ترفض عائلة الشابة مزاعم الزوج، فهو لم يعترف حتى الساعة بفعلته، قائلاً "إن لسماح سوابق في تعاطي المخدرات وهي من قتلت نفسها"، بينما تؤكد شقيقة الضحية أن الجريمة وقعت عند الساعة السابعة ونقلت إلى المستشفى عند الساعة التاسعة، وخلال هذه المدة تم تنظيف الجثة من الدماء ورميت ملابسها الممزقة، والمضحك المبكي أن الزوج قال إن زوجته دخلت عليه والسكين في خاصرتها وكأنها قتلت نفسها".

ومن رواية إلى اخرى اجتمعت العائلات في الساحة. لافتات رفعها المتظاهرون ضمت اسماء الضحايا في السنوات الأخيرة منهن من انتحرت نتيجة العنف، والبعض قتلن بالرصاص.

قوانين تساعد القاتل

وعن الاجراءات المتّبعة لوقف هذه الظاهرة، أكدت رئيسة المجلس النسائي اللبناني المحامية اقبال دوغان، "أن قوانين الأحوال الشخصية في لبنان تتيح للرجال اخذ الاطفال من حضن الأم". "فغالبية النساء يقبلن العنف فقط من أجل بقاء الاطفال بالقرب منهن، بينما الأهم في الوقت الحالي تشديد العقوبات لردع المجرم، كذلك تعديل القانون لمنع حصول الجريمة".

 المحامية ليلى عواضة من جمعية "كفى" أشارت في حديثها لـ"النهار" إلى أن الناحية الايجابية من الملف هي تسليط الضوء على الجرائم من قبل الرأي العام، رغم أن المجتمع ما زال يبرر للقاتل فعلته، وكأن تهمة الشرف جاهزة لإسقاطها على الضحية، فيدخل المجرم إلى السجن قاتلاً ويخرج بطلاً. اما المشكلة الأكبر فهي القوانين. فقاتل رولا يعقوب ما زال حراً يحضر الجلسة ويعود إلى حياته الطبيعية وكأن جريمته هي مخالفة سير بسيطة، وعلى سبيل المثال فإن المادة 252 من قانون العقوبات تعطي للقاتل تبريراً اذا كان في ثورة غضب دون تحديد ما هي ثورة الغضب، وتعتبر المادة استنسابية، بينما الجمعيات الحقوقية تطالب الدولة بتعديل هذه المادة واستثناء جرائم العنف الأسري منها. وأكدت عواضة أن "هذا التحرك هو البداية ونحن مستمرون بالتحركات طالما أجهزة الدولة مستمرة بالاستخفاف بجرائم قتل النساء، وطالما لم يحصل استنفار حتى الآن على المستوى السياسي بشكل عام وعلى المستوى التشريعي والقضائي بشكل خاص، لحماية النساء وتحقيق العدالة لهن".

أما "المصيبة" الأعظم بحسب عواضة، فهي سيطرة الفكر الذكوري على المجتمع، وكأن ضرب الزوج زوجته أمر طبيعي. وفي حال قررت الضحية رفض العنف يقابلها مجتمع يبدأ من والدتها "زوجك معصب معليه سامحيه" حتى وصلنا إلى 8 جرائم في أقل من شهر ونصف الشهر، واذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه فنحن متجهون إلى مجازر قد تحصل بحق العائلات".

 وخلال الاعتصام تضامنت الممثلة عايدة صبرا مع المتظاهرين، وأشارت الى أن "القانون يجب أن يكون اقسى حيث لم نسمع عن محاكمة فعلية للقاتل، وعلى الدولة دراسة اسباب القتل واتخاذ قرارات ردعية لا تخفيفية".


وفي نهاية التحرك اصدرت جمعية "كفى" بياناً جاء فيه "إن الجرائم ليست حوادث فردية منفصلة عن بعضها البعض بل هي نتيجة مباشرة للمنظومة الثقافية والسياسية والاقتصادية التي تنُتج العنف الممنهج ضد النساء وتكرّسه في القوانين والعادات والتقاليد والتربية. حيث تسقط المرأة تلو الأخرى أمام تخاذل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في التعامل مع الموضوع كأولوية في التشريع والقضاء ورسم السياسات العامة. والحال أن العنف تجاه النساء وصولاً الى حدّ القتل، يعكس التمييز التاريخي للدولة اللبنانية تجاه المرأة في قوانين تكرّس تبعية المرأة للرجل كما في قوانين الأحوال الشخصية، أو تضعها في مرتبة أدنى من الرجل كما في قانون الجنسية، وفي تباطؤ القضاء في إصدار الأحكام العادلة، ولا سيما في قضايا قتل النساء، وفي تقاعس المشرعين عن تعديل أو الغاء القوانين التمييزية والمجحفة بحق النساء.

فبحجة "الخصوصية الثقافية" امتنعت الدولة اللبنانية عن إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة وسمحت بأن يتحكم رجال الدين بأحوالنا الشخصية، فيشرّعون زواج القاصرات ويحرمون الأم من حضانة أطفالها ويفرضون عليها الطاعة وغيرها من الممارسات التي تضطهد النساء وتضعهن في موقع دوني يمتهن كرامتهن.

وازاء هذا العنف المتفلّت، يخرج علينا وزراء يطالبوننا بعدم "تضخيم الجرائم" كي لا نضرّ بالسياحة بدلاً من أن يدعوا الى الإسراع في احالة مشروع تعديل القانون 293 على مجلس النواب للتصويت عليه من أجل تشديد الحماية وتفعيلها وتشديد العقوبات على جرائم قتل النساء. ان كنتم بانتظار مباركة رجال الدين والطوائف للقوانين الحامية للنساء فلن تتحقق العدالة للنساء في أي يوم من الأيام. آن الاوان للدولة كي تستعيد دورها وترفع يد الطوائف عن القوانين لتكون الطوائف خاضعة لسلطة الدولة وليس العكس".









الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم