الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"تسلّل إسرائيليّ ناعم" إلى لبنان... العدوّ يتكلّم بالعربيّة و"اللحم بعجين"

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
"تسلّل إسرائيليّ ناعم" إلى لبنان... العدوّ يتكلّم بالعربيّة و"اللحم بعجين"
"تسلّل إسرائيليّ ناعم" إلى لبنان... العدوّ يتكلّم بالعربيّة و"اللحم بعجين"
A+ A-

احدث الرسائل الاسرائيلية، استشهاد بقول للنبي محمد في القرآن، مع تمنيات بـ"جمعة مباركة" للمسلمين، و"اجعلوا يومَكُم هذا خيّرًا ولا تفعلوا المعاصي الّتي يبغضُ الله". التوقيع: المتحدث باسم جيش الدفاع الاسرائيلي للاعلام العربي افيخاي أدرعي، مع صورة له. هنا اسرائيل، مباشرة، وبنقرة واحدة للتواصل معها، من خلال احد رجالها الناطقين بالعربية ببراعة. يبتسم، يسأل، يجيب، يفتعل الحوار، يحرّك المناقشات شاكرا، لكنه لا ينخرط في التعليقات، اكانت ايجابية ام سلبية، وبينها شتائم وكلام بذيء.


أدرعي. وهناك ايضا غيره. صفحات اسرائيلية عديدة بالعربية تتكاثر على وسائل التواصل الاجتماعي. فيديوات و"بوستات" وصور، ورسائل تبثها اسرائيل على مدار الساعة. هذا "التكتيك" يعرفه جيدا مراقبون لبنانيون. في التوصيف، انه "تسلل اسرائيلي ناعم الى المجتمع اللبناني"، على قول المسؤول عن العلاقات الاعلامية في "حزب الله" محمد عفيف لـ"النهار"، وهدفه الاساسي "التطبيع". بتعابير اخرى، اسرائيل "تنقل معركة كيّ الوعي" الى وسائل التواصل الاجتماعي، وفقا للباحث في الشؤون السياسية وسيم بزي.     


اسرائيل بالعربية 

ماذا تريد اسرائيل؟ اوّل رسائلها الى العرب واللبنانيين، وفقا لما تصر على اظهاره، انها تتكلم بالعربية. وعربيتها متقنة، صحيحة. وبذلك تسقط حاجز اللغة امام اي تواصل او "تطبيع" معها. "اهتمام اسرائيل بمخاطبة الرأي العام العربي ليس جديدا اطلاقا. في الماضي، اطلقت اذاعة بالعربية، تحقيقا لهذه الغاية. الامر اذًا ليس جديدا، وهدفه الكلام على اسرائيل، والترويج لاسرائيل القوية والقادرة على ضرب العرب، وايضا معنوياتهم"، على قول عفيف.

في الخلفية التاريخية للامور، اعتمد الجيش الاسرائيلي "سياسة" المخاطبة تلك، "خصوصا في بعدها اللبناني، لان هناك معركة اسمها معركة كي الوعي"، بتعبير بزي. ويشرح: "تاريخيا كانت اسرائيل قادرة، من خلال وسائلها بعد حرب 1973، على السيطرة، نفسيا واعلاميا ومعنويا، على الواقع العربي في الصراع العربي-الاسرائيلي. نقطة التحوّل التي جعلتها تضعف هي تحرير لبنان العام 2000. كانت معركة اول ارض عربية تتحرر بقوة السلاح. وهناك انسحاب اسرائيل من غزة العام 2005، ثم حرب تموز 2006".  

3 حروب او معارك صنعت، في رأيه، "منظومة جديدة جعلت اسرائيل تخسر سيطرتها في عملية كي الوعي". الكاميرا تحضر الى جانب البندقية، والتطور تكنولوجي بامتياز... الاسرائيليون وجدوا انفسهم، على قوله، "مضطرين الى التنافس مع عدوهم على هذا الصعيد. اي ان الواقع الميداني تغيّر، وظهرت عناصر جديدة هي الكاميرا والتكنولوجيا، مما اوجب ان تفتش اسرائيل عن وسائل بديلة، منها اعتماد ناطق يتكلم العربية، ويفهم خصوصيات المجتمعات العربية، ويمرر رسائل هادفة، في اطار الصراع الاعلامي والمعنوي والنفسي". ويتدارك: "هذه احدى الوسائل التي تستخدمها اسرائيل لتواجه تطور عدوها وقدرته على التأثير المتنوع في مجتمعها".  


استعطاف اسرائيلي 

اسرائيل عدوة؟ عدوانية؟ محتلة؟ قاتلة؟ منتهكة للقوانين؟ كيان مغتصب، مجتاح، مدمر، في ذاكرة العرب واللبنانيين وحاضرهم؟ ردا على هذا وغيره، تجيب اسرائيل بنفسها عبر ما تنشره: "هذا هو وجه إسرائيل الذي لا يظهر في الإعلام العربي"... و"نعالج كل انسان حتى لو كان إرهابيًا جاء ليقتلنا"، على ما تزعمه في احد "البوستات"، في محاولة لدرء صورة الدولة القاتلة للفلسطينيين.


الجلاد يصبح الضحية، والمنقذ ايضا. اسرائيل منشغلة في صنع صورة جديدة لها، ونشرها بالعربية، وتأكيدها بالعربية ايضا. والصورة التي تريد ترسيخها هي انها دولة انسانية. وتستعين بـ"فلسطينيين" خصوصا، في عملية شدّ الوجه. تعلن مساعدتهم، تصوّر "فضائلها"، تهاجم حركة "حماس" "الخبيثة"، مؤلبة الناس عليها. ببساطة، تلعب بواسطة "العمل الانساني"، على الوتر الفلسطيني الحساس، كلما سنحت لها الظروف.  

 في التشخيص، اسرائيل تمارس "الاستعطاف". ما يلاحظه بزي هو ان "ادرعي ومن وراءه يعتبرون ان الاستعطاف بدأ يلاقي آذانا صاغية، ويدخل ضمن استخدام نقاط ضعفنا". ولا لبس في الامر. "اسرائيل تحاول ان تقدم نفسها ضمن هذه المعايير الانسانية، بما يناقض صورتها التاريخية التي تقول بانها دولة عدوانية قائمة على الهجوم، وجيشها دفاعي".  


"كراتين" و"منسف"... وتجنيد  

لبنان في المواجهة، تحت مراقبة العدو الاسرائيلي المتهكم اخيرا في موضوع "وفاة 13 سوريا تجمدوا على حدود لبنان". كل يوم، يومين او اكثر، يوجه رسالة جديدة. اسرائيل "الانسانية والقوية" متأهبة ايضا لقتال "حزب الله". "نراكم"، "نراقبكم دائما"، "نتعقب آثاركم على الحدود اللبنانية"، على ما جاء في فيديو حديث نشره أدرعي.

المعنويات عالية، و"جهوزية للمواجهة"، من دون ان تنسى اسرائيل تأكيد "عبقريتها". بوستات دعائية بامتياز. في القراءة اللبنانية، "يتدخل الاسرائيليون في خصوصياتنا، ويفتشون عن نقاط ضعفنا، ويحاولون التأثير على تناقضاتنا الداخلية، وتحقيق شيء مواز في اطار هذه الحرب المتبادلة"، على قول بزي.


محاولات يومية. غير ان ما يسوّقه الاسرائيليون، من خلال صفحاتهم العربية، ليس مفاجئا اطلاقا. "انها الاهداف القديمة نفسها. التطبيع مع اسرائيل، محاولة انسنتها، وجعلها كيانا طبيعيا في العالم العربي"، على ما يقول عفيف. وابعد من التطبيع، هناك "محاولة تجنيد" عملاء لبنانيين لها. بالنسبة اليه، "هذه الصفحات الاسرائيلية بالعربية من وسائل التجنيد لها".  


صفحات "جذابة"، "جميلة"، محاولة اسرائيلية لـ"التخاطب الآمن" مع سكان المنطقة. "بهذه الطريقة، تريد اسرائيل ان تكسر الحواجز المعنوية والنفسية معها"، على ما يضيف. وتستميت لنيل الاعجاب و"اللايكات"، وتتذاكى عبر معايدة المسلمين في اعيادهم، واستخدام الأكل العربي للتقرّب منهم. لحم بعجين هي الوجبة التي اختارها اليوم "المنسق" الاسرائيلي. "اي من هذه المأكولات كانت الاحب على النبي محمد؟ المنسف؟ الثريد؟" من الاسئلة التي سألها ايضا ادرعي واجاب عنها. في المزاعم، فازت في التصويت صورته وهو يعايد المسلمين بشهر رمضان امام مائدة شهية.   


الحرب الناعمة 

بِيَد تلطّف اسرائيل الاجواء وتظهر تقاربا. وباليد الاخرى، ترفع الاصبع متوعدة. وطبقها المفضّل التهجم على "حزب الله" وتهديده، بما يبيّن ادمانها على رفع معنوياتها. هزأ ادرعي من الجواب الذي اعطاه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله حول راتبه، وذلك بواسطة مقاطع من اغان عربية. وفي اول الشهر، وقف عند الحدود الاسرائيلية- اللبنانية، مخاطبا "حزب الله" بالعربية، وبين يديه كراتين كتب عليها جملا. "ان تجرأتم فاجأناكم". انذار اسرائيلي رد عليه لبنانيون باستهزاء: "أدرعي يهدد الضاحية بالكراتين"!

رسائل اسرائيلية لا يجد فيها مراقبون لبنانيون ما ينذر بالخطر. "لا، لا نبني على هذه الرسائل استنتاجات، كأن هناك تصعيدا ما"، على قول بزي. "هذا النوع من السجالات يهدف اكثر الى ضرب المعنويات. انه عمل ميداني، لان الصراع هو صراع المعنويات، خصوصا مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي. هذا النوع من الرسائل يشكل حالة استقطاب سريع. ويضطر الطرفان الى ان يكونا حاضرين في هذه الوسائل".

بالنسبة الى "حزب الله"، تأثير هذه الرسائل معدوم. "لا نتأثر برسائل أدرعي ومضمونها"، على ما يؤكد عفيف. واضح في رأيه ان "اسرائيل مهتمة حاليا بوسائل الحرب الناعمة". والملاحظ ايضا، من خلال التدقيق في اسماء بعض المعلقين على "البوستات" في هذه الصفحات الاسرائيلية، "انها مستعارة، وقد اختيرت لتوحي بان اصحابها من السنة او الشيعة، ومهمتها تأجيج الصراع بين المسلمين، او الايحاء بان هناك صراعا بينهم. بهذه الطريقة، يعمل عناصر المعلوماتية الاسرائيلية".  

تجاه "التسلل الناعم لاسرائيل" الى لبنان، يشدد عفيف على اهمية "الحصانة الوطنية"، و"تطوير اوسع لقوانين مقاطعة اسرائيل وتجريمها"، مع وجوب "تشدد الاجهزة الامنية اللبنانية في التعامل مع هذه الصفحات الاسرائيلية، المباشرة وغير المباشرة". هذه الصفحات تستدعي، في رأيه، الحذر و"التحذير منها"، والتنبّه الى "التأثير الذي يمكن ان يكون لها على الشباب" على المدى البعيد.

[email protected]




الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم