الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

سياحة في أربيل

سارة صالح
A+ A-

هنا أربيل التي تستعد لتكون عاصمة السياحة العربية لسنة 2014. كل شيء هنا يمشي نحو حده، إلا رأسي يمضي إلى مدن تنام تحت الركام، حيث مخلفات الموت تغطي كل ما أنتجه السوري في أعوامه المنصرمة.
في المشهد السياحي كل شيء في مكانه: المراكز التجارية الكبيرة، الفنادق الفاخرة، الشوارع العريضة، سلسلة المقاهي العالمية، البضائع التركية المكتسحة الأسواق، نساء متعددات الجنسية ولغات شتى.
في أحد الأحياء الفاخرة التي تمتاز ببيوتها ذات الطبقتين وبمستوى معيشي جيد، ثمة جامع جميل له طراز العمارة التي يعرفها العراق بشقّيه الكردي والعربي. تذكرتُ وانا أنظر إليه، ما درسته عن عمارة بلاد الرافدين قديماً. بل إن واحدة من الكنائس في حي عنكاوا السرياني الذي يرغب السوريون في سكناه اليوم، وأخص منهم من كان أصلاً متوسط المعيشة، هذه الكنيسة تأخذني إلى "الزيقورة"، شرفاتها وتدرجها الهرمي. واحدة أخرى عمرها مئتا عام ما أجملها! كل شيء يأخذك إلى عوالم الرافدين.
وحدها المولات والمباني الضخمة والحداثة تذكّرني بأن القنصلية الأميركية ترقد خلف بيتي. أقصد أن منزلي المستأجر يرقد أمام القنصلية في الحي الجميل.
هنا خادم الكنيسة، رجل من مدينة الحسكة ضحكتُ كثيراً حينما صادفته في دائرة الإقامات. ذلك أنني زرت الكنيسة قبلاً وكان قد أسرَّ إليَّ قائلاً: أنا لست متديناً، أنا مزارع أمضيتُ جل عمري في قطعة الأرض الصغيرة، لا أعرف لماذا أنا هنا في الكنيسة. ثم ضحك وقال: هل أرتدي يوماً ثياب الكنيسة الرسمية؟
سألني موظف الإقامة لماذا أنا هنا. قلت بقصد العمل، وهي الحقيقة لا أكثر ولا أقل. لكنه لم يعرف ولن يعرف ربما بشأن هذا المقال. فأنا أيضاً أحب السياحة، وهذا ما دفعني إلى رفع الستارة عن عائلة حلبية تقطن قبالة المسجد تماماً. قررتُ أن أذهب الجمعة الفائتة إلى زيارتها. بعدما أنهى الملا خطبته بالكردية التي أفهم قليلاً منها إلى جانب الآيات القرآنية، خرج المصلّون سكّان الحي من صلاتهم، بعضهم أعطى العائلة ستائر وخيمة، وبعضهم الآخر لم يتوان عن إحضار ثلاّجة ودراجة بلاستيكية للطفلات، وأطباق وأغراض ما للنوم. لا أستطيع أن أحصي الأشياء لأن عينيَّ تعلقتا مرةً بالجد الكبير، وثانيةً بالطفلات الصغيرات، وثالثةً بالنساء... وبالزوج الشاب الوحيد!
المنزل عبارة عن مبنى سكني قيد الإنشاء، تغلفه الستائر. "الماء ساخن لا تقلقي"، أجابت الأم حينما سألتها عن مكان الاغتسال، "نضعه تحت أشعة الشمس أثناء النهار ونستحم هنا"، وأشارت بإصبعها نحو حيّز مغطى بالقماش.
ليس هذا غريباً اليوم، في البلدان المجاورة لسوريا. كل شيء جائز. ليست بيروت أو عمان بأفضل حالاً. حتى المدن السورية ذاتها باتت مستعدة لموسم السياحة. للسياحة الشعبية.
تحدثتُ طويلاً مع العائلة الحلبية. ربما لم نحزن لأننا بلا وطن، لأن الوطن الذي من قماش تنفخه الريح فيمكنك أن تخترع عوضاً عنه قماشاً كل يوم وتستوطن. بل لأنه موسم السياحة. تناولنا فاكهة أيضاً. على رغم الحر الشديد لم نكترث لعيون المارة. لم نكترث للسياحة. لم نكترث للعاصمة ولا لسنة 2014. لم نكترث إلا لوجودنا السوري.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم