الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حوار - لينا خوري و"مجنون يحكي": قد نصبح جميعنا مجانين في مشافي النظام

روجيه عوطة
A+ A-

بدأ أمس عرض مسرحية "مجنون يحكي"، التي أخرجتها لينا خوري، مقتبسة ًإياها من نص إنكليزي، مكتوب في سبعينات القرن الماضي، كانت قد صيّرته عملاً مسرحياً مع طلابها في الجامعة الأميركية اللبنانية LAU. اليوم تعود إليه كي تقدمه إلى الجمهور على خشبة "مسرح المدينة" في بيروت، وإلى جانبها، كل من غبريال يمين، وندى بو فرحات، وزياد رحباني، وأندره ناكوزي إلخ. هؤلاء، تتوزع بينهم الأدوار التمثيلية، التي سيؤدونها في فضاء محاط بسلاسل حديد، تشير إلى السجن المفتوح، المتضمن أمكنة الإجتماع والسياسة وغيرها. فداخل هذه المعتقلات، تدور أحداث الجنون، الذي وقفت شخصيته على المسرح كي "تحكي"، علّها تجد في اللغة منفذاً من عنف السلطة على اختلاف أشكاله.


كتبت ناهدة نون (ندى بو فرحات)، وهي الشخصية الرئيسية في المسرحية، مقالاً، دافعت فيه عن الحريات، التي يقمعها النظام، فما كان منه إلاّ أن اتهمها بالجنون، واعتقلها، وزج بها في مصح عقلي، حيث تتعرف إلى أحد "المرضى العقليين" (غبريال يمين)، ويحاول المعالج النفسي (زياد رحباني) إقناعها بأنها على حال غير سوية. في هذا السياق، تقول لينا خوري لـ"النهار" إن المصح ليس المشفى فحسب، بل يدل على كل حيّز مجتمعي، تسعى السلطات فيه إلى ترويض الناس، وتصنيفهم بين أصحاء ومرضى، بحسب التزامهم المسارات التي حددتها لهم. مارست ناهدة نون حريتها الكتابية ضد النظام، فجرى إبعادها عن المجتمع بحجة إصابتها بـ"الجنون"، الذي قد ينتقل من نصّها إلى الآخرين. فكل واحد منا معرّض إلى الإحتجاز، واتهامه بالجنون، إذا عبّر عن حريته ومارسها بعيداً من قوانين مشافي السلطة.
على هذا الأساس، تؤكد صاحبة "حكي نسوان"، أن مسرحيتها تبحث في حرية الفرد ومأساته، التي تنعكس على النص المؤلف تراجيدياً وكوميدياً على السواء. كما لا يمكن تظهير تلك المأساة بسوى اعتماد الأسلوب العبثي في مقاربة بعض جوانب القصة المسرحية، واتباع أشكال سينوغرافية ملائمة. ففضاء الخشبة قائم على فراغ، تحدده بعض المساحات غير المسيجة، وذلك، كدلالة على السجون غير المرئية، التي تتحكم بالمرء، بدون أن يدرك وطأتها عليه. أما الموسيقى، فتعتبرها لينا خوري جزءاً أساسياً من المسرحة، حيث أن الطبيب النفسي زياد رحباني، يمثل السلطة ويقود الأوركسترا في الوقت نفسه. الجوقة الموسيقية، بحسب المخرجة، هي "صورة عن المجتمع المنتظم بقوانين ومعايير معينة، ويقوده شخص واحد، يرمز إلى السلطة". زياد هو مايسترو عقل النظام، يبذل جهده الموسيقي لحمايته من "المجانين"، ولدفع كل شخص من الأشخاص الخارجين عليه، إلى أن يعود "سويّاً"، ويندمج في المجتمع، فتلجمه السلطات من جديد.
ولكن، رغم "ثورية" المسرحية، تفصل خوري بين الفن والرغبة في التغيير. فهي لا تقدم عرضها الإبداعي بغاية دفع المجتمع إلى التمرد. "لست مسؤولة عن تحسين المجتمع من خلال المسرح". هذا لا ينفي، أن أعمالها قد تترك أثراً في إدراك المشاهدين. فالفن المسرحي، والقول لصاحبة "صار لازم نحكي"، يعكس "الشعور الذي لا يستطيع المرء التعبير عنه". كما أنه يختلف عن السينما بكونه قريباً أكثر من المشاهد، كما لو أن الخشبة حياة مباشرة، تدور أحداثها أمام عين الجمهور، الذي يتفاعل معها بطريقة حسية، وغير صورية.
الفصل، الذي تعتمد خوري بين الفن والتغيير، يبدده كلامها عن ظرف اختيارها موضوعة مسرحيتها الجديدة. فقد وقعت عليها، بسبب الثورات العربية، التي كانت تشغلها، مثل كل الناس، الذين وجدوا في هذه التحركات الشعبية خروجاً ضرورياً على الأنظمة وسلطاتها. إلا أن خوري تكرر بأن مجتمعات "الربيع العربي"، "تتجه من سيئ إلى أسوأ"، بحيث أن نظاما آخر سيحاصرها من جديد.
من هذه الناحية، لا بد من التوقف قليلاً عند سؤال "مسرحة الجنون" في ظل حصار نظامي لا ينفك يتجدد ويستمر. فهل عرض الجنون على خشبة المسرح هو استراتيجيا من استراتيجيات السلطة، كي تحصر اللامألوف، وغير المروّض في فضاء محدد، ولا تتركه ينفجر ثورياً؟ أليست مسرحة الجنون هنا خدعة نظامية، توهم المشاهدين بحرية نقد السلطة، التي لا تتوقف عن قمعهم في الواقع؟ "ربما"، تجيب خوري، لكنها تعلن أن "خاتمة المسرحية لن تكون نمطية. تالياً، لن تفيد السلطة"، بل ستكون مغايرة، وملائمة لسياق النص، وأحداث الخشبة. وهذا ما ينتظره المشاهدون ابتداءً من أمس إلى 17 تشرين الثاني.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم