الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مذكرات- خطف طفل بقوة السلاح في رأس بيروت والشرطة تستعيده سالماً

العميد المتقاعد أنور يحيي
مذكرات- خطف طفل بقوة السلاح في رأس بيروت والشرطة تستعيده سالماً
مذكرات- خطف طفل بقوة السلاح في رأس بيروت والشرطة تستعيده سالماً
A+ A-

يقيم السيد علاء الدين، أميركي الجنسية من أصل فلسطيني، في شقة فخمة في محلة رأس بيروت، شارع شوران، يعمل بالتجارة ومظاهر الثراء بادية عليه. لديه عائلة ومن بينها ولد، كريم، عمره أربع سنوات، ينقله سائق يعمل لديهم، من آل أمهز، صباح كل يوم من منزله الى مدرسة قريبة بسيارة علاء الدين ويعيده بعد الظهر.  

صباح يوم العاشر من حزيران 2005، وأثناء محاولة السائق الانطلاق من مدخل البناية حيث تقيم العائلة، صعد إلى سيارته مسلحان بمسدسات حربية وأجبراه التوجه نحو شاطىء الرملة البيضاء حيث تركاه مع سيارته بعدما أخذا الولد، كريم، تحت تهديد السلاح، بسيارتهما "الفولكسفاغن" الى جهة مجهولة وبعدما ضربا السائق بعقب مسدسيهما وفرا مع الولد الذي ذعر لانفصاله عن سائق العائلة وتهديده بالقتل إذا صرخ طالباً النجدة.

أعلم السائق أهل الولد، كريم، اللذين توجها الى فصيلة الشرطة للادعاء على مجهول بخطف ابنهم. تمكن السائق من أخذ رقم لوحة الفولكسفاغن، الخاطفة، لكن سرعان ما تبين لرجال الشرطة انها مزورة.

تلقى والد الطفل اتصالاً هاتفياً من هاتف خليوي PRIVATE NUMBER يطالب الوالد، علاء الدين، بدفع فدية مليون دولار أمركي ضمن شنطة "سامسونيت" في محلة الكفاءات، الحدت، عند الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم نفسه والا تعرض الطفل للذبح، بلهجة التهديد الحازمة. تمكن عناصر فرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من تبيان تسجيل الرقم المجهول باسم هيثم أمهز.

ذعر السكان

حصل حادث الخطف بعد فترة ليست ببعيدة من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، 14-2-2005، واغتيال الصحافي سمير قصير يوم 2-6-2005 في الأشرفية، وانسحاب القوات السورية من لبنان يوم 25-4-2005، مما ترك الذعر لدى السكان ونشرت وسائل التواصل الاجتماعي أخباراً متلاحقة عن الخوف لديهم من تكرار عمليات الخطف مقابل الفدية.

طلب دولة الرئيس نجيب ميقاتي، ووزير الداخلية حسن السبع، عبر الاتصالات الهاتفية باللواء أشرف ريفي، المدير العام لقوى الأمن الداخلي، سرعة استعادة الطفل حياً وإعطاء قضية التوقيف للخاطفين أولوية لاحقة، نظرا لطلب السفارة الأمركية في بيروت التي شددت على سلامة حياة الطفل كريم، قبل الاشتباك مع الخاطفين الذين قد يعدمون الطفل!!

حوالى ظهر يوم 10 حزيران، يوم حادث الخطف، زار علاء الدين، والد الطفل، برفقة مسؤول أمني من السفارة الأميركية في بيروت، مكتب المدير العام لقوى الأمن الداخلي وشرح بعض المعطيات لديه، فأحالهما اللواء ريفي على مكتب قائد الشرطة الفضائية، العميد أنور يحيى، بناء لإشارة القضاء العمل بسرعة لكشف الجناة واستعادة الطفل حياً وعدم الرضوخ لمطالب الخاطفين.

الخطف مقابل فدية

على الفور شكلنا فريقاً من المختصين بعمليات الخطف مقابل الفدية، ضم ضباطاً من شرطة بيروت، فرع المعلومات، والشرطة القضائية، وعمل هذا الفريق بإشرافنا المباشر ولا سيما أن صاحب الخط الهاتفي الذي طالب بدفع الفدية قبل ذبح الولد، هيثم أمهز، من المطلوبين لدى مكتب مكافحة المخدرات المركزي في الشرطة القضائية بجرائم الاتجار والترويج.

ترأسنا مجموعة من رجال الشرطة لمراقبة السيد علاء الدين وهو ينتظر حضور أحدهم لقبض المبلغ لتحرير الولد من الخطف، في محلة الكفاءات، ولكن أحداً لم يحضر. وضعت اتصالات عائلة المخطوف تحت المراقبة وفقاً لموافقة القضاء، وتمت متابعة حركة اتصالات هيثم وقد حدد مكان الاستخدام في محلة حي السلم، في الضاحية الجنوبية.

كلف رئيس مكتب مكافحة المخدرات، العقيد عادل مشموشي، متابعة تحركات الخاطف، وتحقق عبر مخبرين لديه بوجوده في حي السلم!!

أجرينا الاتصالات اللازمة مع القوى الفاعلة في حي السلم حيث قدموا كل الدعم وتسهيل تحرك رجال قوى الأمن الداخلي باللباس المدني والزي العسكري لتحرير الولد من الخطف، ومن ثم توقيف الجناة.

تحققت القوى الأمنية بامتلاك هيثم سيارة "فولكسفاغن" بيضاء قديمة، وربما بلوحات مزورة لتسهيل تحركه بعيداً من ملاحقة الأجهزة الأمنية.

انتشرت دوريات التحري وفرع المعلومات والاستقصاء في حي السلم لتحديد مكان وجود الطفل لاقتحام المبنى بهدف تحريره وتوقيف الجناة وسوقهم الى العدالة.

إن الاشتباك المسلح مع خاطفين في منطقة تعج بالسكان المدنيين قد يسفر عن سقوط ضحايا بريئة وربما قتل الرهينة، علماً بأن الجناة اختاروا مكان تحصنهم مع المخطوف في منطقة حساسة لجعل مهمة الشرطة اكثر تعقيداً.

اشارة النيابة 

شددنا، وفقاً لإشارة النيابة العامة في بيروت وتوجيهات دولة رئيس مجلس الوزراء على أولوية إنقاذ الطفل المخطوف ثم ملاحقة الجناة في مرحلة لاحقة، وهكذا تحركت وحدات قوى الأمن الداخلي باللباس المدني، في حي السلم تضيق الخناق على الخاطفين وبالتعاون من مخبرين لتسهيل تنفيذ مهمة تحرير المخطوف، بمرحلة أولى. اتصل كبار المسؤولين الأمنيين التابعين لجهاز مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي FBI العاملين في المنطقة يعرضون المساعدة التقنية لسرعة إنقاذ حياة الولد الأميركي المهددة من أشرار غايتهم كسب المال. لم نقبل التدخل بل قادت قوى الأمن الداخلي العملية وحدها.

أكد أحد المخبرين الصادقين وجود ولد غريب عن العائلات القاطنة في حي السلم وفي إحدى البنايات المكتظة بالسكان، فأخذت الدوريات تشدد القبضة لاطلاق سراح الولد بأسرع وقت.

وردت استخبارات أمنية بأن الولد قد نقل الى محلة صفير في الضاحية الجنوبية، فتابعت الدوريات بأمرة نحو عشرة ضباط من قوى الأمن الداخلي استثمار هذه المعلومات التي تبين عدم صحتها لاحقا.

نحو الساعة الأولى من فجر 11 حزيران 2005، اتصل أحد سكان حي السلم بتلفزيون المستقبل، وأفادهم بأن الولد كريم، قد التجأ اليهم بعد إنزاله من سيارة مجهولة في حي السلم وهو بخير لديهم. أعلم اللواء أشرف ريفي، المدير العام، الذي طلب الى المقدم سمير شحادة، رئيس فرع المعلومات سرعة استثمار هذه الإفادة، حيث دخلت دورية مشتركة من الشرطة القضائية والمعلومات والاستقصاء منزل المتصل، والذي تبين عدم علاقته بالجناة، وأحضرت الولد الى مكتب المدير العام، حيث استدعي أهل الطفل المخطوف وحضرا لاستلام ابنهم بحضور دولة الرئيس ميقاتي ووزير الداخلية حسن السبع واللذين أشادا بتحرير المخطوف خلال أقل من 24 ساعة، والمدير العام ورئيس فرع المعلومات وقائد الشرطة القضائية وقائد شرطة بيروت، وضباط آخرين شاركوا بعملية الملاحقة، كما حضرت وسائل الاعلام التي استمعت الى الأهل وشعورهما بعد تحرير ولدهما من الاختطاف بواسطة السلاح، ودون دفع الفدية، وكم كان لهذه العملية الدقيقة والحساسة الوقع الطيب لدى الناس، حيث تم التركيز على سلامة المخطوف ثم توقيف الجناة.

كانت العملية ناجحة تخطيطاً دقيقاً، ومتابعة جريئة، عكست الحرفية العالية لدى فريق العمل الذي تابع عملية الخطف والتحرير ونوهت الصحافة المقروءة والمرئية والمسموعة بإنجاز قوى الأمن الداخلي اللبناني.

وفد أميركي

زار وفد أمني أمركي رفيع برفقة السفير فيلتمان مكتب اللواء ريفي منوها بسرعة تحرير الطفل المخطوف وإنقاذه، من إدارة قوى الأمن الداخلي الجديدة والتي لم يكن قد مر على تسلمها مهامها الجديدة أكثر من أربعين يوما.

تابعنا مراحل توقيف اللبناني، هيثم أمهز، والمطلوب لدى مكتب مكافحة المخدرات، حيث أوقفته دورية من المكتب يوم 7-2-2006 واعترف بالتخطيط لخطف الولد الذي ينقله قريبه، سائق السيد علاء الدين، والمطالبة بفدية عالية نظرا لثراء ذوي الطفل وإمكانية دفعهم الفدية ضماناً لإنقاذ حياة طفلهم من الموت المحتم. أوقف السائق وبقية الأفراد المشاركين وأودعوا القضاء، وأكملت الشرطة التحقيقات بإشراف النيابة العامة الاستئنافية في بيروت وأعلن للناس توقيف كل المخططين والمنفذين لعملية الاختطاف .

نوه المدير العام لقوى الأمن الداخلي بأعمال مجموعة الضباط والرتباء والأفراد الذين شاركوا بعملية تحرير الطفل المخطوف بموجب التنويه رقم 232 تاريخ 12-6-2005 مع مكافآت مالية تشجيعاً لهم ونجاحهم بالعمل كفريق عملاني وتحليلي بإنقاذ الطفل المخطوف.

منح اللواء أشرف ريفي، المدير العام، والعميد أنور يحيى، قائد الشرطة القضائية، والعميد نبيل مرعي، قائد شرطة بيروت، أوسمة الأرز الوطني من رتبة كومندور تقديراً من فخامة الرئيس إميل لحود.

حسن التخطيط

إن نجاح العمل الأمني يرتكز الى حسن التخطيط، وتحديد أولوية المهمة، والعمل كفريق توزع ادوار المشاركين وفقاً لاختصاصاتهم ومسؤولياتهم، وقد نجحت قوى الأمن الداخلي بتحرير الولد المخطوف بعد إعطاء الأولوية لإنقاذ حياته ثم ملاحقة الجناة الذين أوقفوا لاحقاً، مما عكس الثقة بأجهزة الدولة الأمنية وحرفيتها العالية، وتنسيق الأدوار واستثمار الكفاءات بهدف الوصول الى الخاتمة السعيدة وفقاً لكل حالة جرمية تواجهها هذه القوى، وأن التنسيق الأمني مع القوى الفاعلة في مناطق معينة يضفي حسن العلاقات بينها وبين الدولة ويقدم الدعم لها ويعمق مفهوم الشرطة المجتمعية ويمهد لمزيد من التنسيق في قضايا أمنية أشد خطورة وربما تتعلق بأمن الوطن كله وسلامته.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم